حاولت حركة حماس من خلال قرارها السماح لحركة فتح تنظيم مهرجان الذكري ال 48 لانطلاقها في قطاع غزة، إرسال إشارات بأن هذا العمل الذي قامت به، يشكل مرحلة جديدة علي طريق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وأنه عنوان عريض لحماية الثوابت وخيار المقاومة، وتكريس التعددية السياسية ونشر أدبيات التسامح الاجتماعي. أرادت حماس أن تبعث رسالة مفادها أنها متمسكة بروح المسئولية والاستمرار بها، تحضيرا للقاءات مرتقبة لاستكمال ملف المصالحة الوطنية علي أسس صلبة غير قابلة للكسر، مثلما كانت في المرات السابقة. غير أن الحجم الكبير وغير المسبوق الذي شهده مهرجان فتح الأول في قطاع غزة منذ الانقسام عام ،2007 أثار العديد من الأسئلة حول مستقبل المصالحة بين حركتي فتح وحماس ومستقبل حكم الأخيرة منفردة للقطاع، وحكم الأولي منفردة للضفة الغربية، وفيما اعتبره قادة الحركتين تطورا سيسهم في دعم مسيرة المصلحة، رأي محللون أنه ربما يحقق نتائج عكسية علي المصالحة، لأنه سيعزز مواقف فتح من قضايا المصالحة، وفي الوقت نفسه يعزز مخاوف حماس من إمكان عودة فتح إلي القطاع. لكن يبقي الأهم أن مليونية انطلاقة فتح في قطاع غزة خلفت حقائق جديدة علي الأرض، بعد أكثر من خمس سنوات علي الانقسام السياسي والجغرافي والنظام السياسي للمجتمع الفلسطيني، وأعادت رسم الخريطة السياسية والحزبية والثقافية الفلسطينية علي نحو لا مثيل له، لتضع حدا فاصلا واضحا بين معسكرين، المعسكر الوطني الديمقراطي "ممثلا في فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والمستقلين وغير الإسلاميين" وقوي الإسلام السياسي ممثلة في حركة حماس. ويعتقد سياسيون ومحللون ومراقبون أن نزول الفلسطينيين إلي الشارع بهذا الحجم الكبير، هو رسالة واضحة إلي قطبي الصراع فتح وحماس لوضع حد للانقسام واستعادة وحدة النظام السياسي والمجتمعي المفقودة، ليصبح السؤال الأهم: هل أبعد مهرجان فتح المصالحة أم أبعد شبح الانقسام؟ لقد فوجئت قيادة فتح في الضفة الغربية تماما، كما فوجئ كثيرون في غزة بمن فيهم حماس نفسها بالحجم الكبير وغير المسبوق لمهرجان انطلاقة فتح، وذهب بعض قادة الحركة في الضفة إلي حد اعتبار هذا الحضور ربيعا فلسطينيا ضد حكم حماس، إذ اعتبروا أن ما حدث في غزة هو انطلاقة جديدة لفتح، وانطلاقة جديدة لإنهاء الانقسام. اعتبر هؤلاء القادة أن هذا الحضور الكبير للحركة في غزة سيعزز من فرص المصالحة التي ستترك آثارا إيجابية علي تفكير الشعب الفلسطيني، فهذا الحشد الكبير الذي طغي علي مشهد الاحتفال كان بمثابة جواب قاطع لفشل كل محاولات تغيير طبيعة غزة. في المقابل يري الكثير من المراقبين في الضفة الغربية أن مهرجان فتح في غزة لن يعزز من فرص المصالحة، وإنما ربما يثير مخاوف حماس ويدفع فتح نحو التشدد في مطالبها بعد هذا العرض الكبير لها في غزة، فالمشكلة الحالية تكمن في أن كل طرف "فتح وحماس" يريد القيادة وليس الشراكة والمانع من تحقيق المصالحة حتي اليوم هو الخلاف علي القيادة وليس الخلاف السياسي مع أنه موجود. إن خروج مئات الآلاف إلي الشوارع كان بمثابة رسالة واضحة محددة الأهداف مفادها أنه آن الأوان لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وتطبيق اتفاق المصالحة فورا. وأياً كان اختلاف الآراء بين من يري في المهرجان تعزيزا للانقسام، أم اقترابا من إنهائه، يبقي هناك سؤال مطروح هو: لماذا أسهمت حركة حماس في انعقاد المهرجان، بعد أن كانت تقمع الحريات وترفض أي مؤتمرات جماهيرية أو حزبية لفتح؟! ربما يعني ذلك أن حركة حماس جادة في ترطيب الأجواء واستعادة الثقة المفقودة مع فتح، وأن الحركتين لم تعودا تخشيان بعضهما البعض، فالحسابات السياسية لدي الحركتين المرتبطة بمحوري إيران وإسرائيل قد تراجعت، والضغوط التي تواجهها فتح وحجم التحديات تفرض عليها التوجه نحو المصالحة، في وقت خيبت فيه مصر الجديدة آمال حماس، وبقي الموقف الرسمي علي حاله إزاء الشرعية الفلسطينية. ولابد من الأخذ في الاعتبار أن تكون هناك حسابات واقعية بالنسبة لحركة فتح، فلا تقع في الوهم وتعقد أن كل من شارك في المهرجان ينتمي إليها حتي لا تتسع الهوة بدلا من جسرها. ففي حال لم يقرب المهرجان فتح من المصالحة، فسيكون ذلك ارتباطا بضغوط خارجية خصوصا من الرئيس عباس الذي يخشي الموقفين الإسرائيلي والأمريكي، لأنه من غير المنطقي، أن يطالب بتنظيم الانتخابات أولا قبل كل شيء إلا خشية من هذه الضغوط علي حد قول أحد المحللين السياسيين. هناك اختلاف في وجهات النظر الفلسطينية حول الدور المحوري الذي تلعبه القاهرة لإرساء قواعد المصالحة وإنهاء الانقسام الذي طال مده بمناسبة وجود عباس ومشعل في القاهرة، فالبعض يري أن الملفات الداخلية والمشكلات التي تعاني منها مصر وحساباتها الإقليمية، أصبحت تشكل عائقا في طريق إنجاز هذا الملف في هذا التوقيت، إذن لماذا لا يعلن عباس ومشعل منفردين دون وساطة عن التحامهما في بوتقة وحدة الوطن والهدف والقضية. ففي ظل الأجواء الإيجابية التي سادت الساحة الفلسطينية منذ العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، وفي ضوء التصريحات الإيجابية الرسمية من حركتي فتح وحماس علي حد سواء، ولقاءات القاهرة الأخيرة التي جمعت بينهما، ربما باتت هناك نقاط كثيرة تجمع بين الحركتين فيما يتعلق بالمصالحة الداخلية وخطي تحقيقها، ولم يعد سوي اتخاذ القرار بشأن البدء بها، والقرار هنا كما هو واضح يحتاج إلي شجاعة الأطراف ووضوح مواقفها وشفافية أدائها.