لا توجد أسرة في مصر إلا وهي مهمومة بالمستقبل فمنهم من لا يضمن قوت اليوم وغدا ومنهم من لا يضمن تعليم اولاده بينما منهم من لا يضمن القدرة علي تغيير سيارته كل عام فهناك هم مادي علي مقاس كل طبقة وفي هذا الحوار حاولنا ان نرسم مع د.هدي زكريا استاذة علم الاجتماع بجامعة الزقازيق ملامح الخريطة الاجتماعية لمصر اليوم بعد ان شكلتها الظروف الاقتصادية الراهنة ومن المصادفة ان د.هدي كانت عائدة لتوها من ندبها للتدريس بجامعة "القرية" الامريكية وهو ما فرض نفسه في الحوار أيضا في شكل مقارنات مهمة بين تركيبة المجتمع المصري والمجتمع الامريكي الذي ينظر له علي انه النموذج الامثل للمجتمع الليبرالي. * كيف شكلت الظروف الاقتصادية الراهنة خريطة طبقات المجتمع المعاصر من وجهة نظرك؟ ** بداية يجب ان ننظر باهتمام الي "سلم المهن" الذي انقلب رأسا علي عقب فمن كانوا في القمة من حيث الدخل والقيمة والمرتبة المعنوية -كالمهندس والطبيب- تغير حالهم وألاحظ ذلك في إعلانات طلب الوظائف التي نري فيها مثلا طلب مربية بمرتب 1200 جنيه وتشترط الوظيفة ان تكون خريجة جامعية وان تتقن اللغة الانجليزية.. فهناك من اضطروا ان يتنازلوا عن مكانتهم مقابل الاحتياجات المالية واستطاع الاغنياء الذين يملكون ولا يعلمون ان يتملكوا الذين يعلمون ولا يملكون ولكن طبقة الأغنياء وخاصة من مجتمع الأعمال من الجيل الجديد الآن درسوا في اوروبا ويحملون شهادات رفيعة المستوي وتحاول الطبقة التي في القمة حاليا تقويم نفسها بما ينقصها ولذلك يدفعون المال من أجل تعليم اولادهم ويدفعون ايضا من اجل ان يصبح لهم مكان ودور في السياسة من خلال عضوية مجلس الشعب وعضوية منظمات الاعمال والاندية الرياضية والاحزاب خاصة الحزب الوطني الحاكم ولقد كان واضحا في الفترة الاخيرة ان الزواج بين السلطة والمال سيصل الي شكله الحالي منذ عهد الرئيس السادات فلنتأمل هذا الارتباط من خلال زيجات فعلية.. فالرئيس السادات اختار ازواجا لبناته مثلا عثمان محمد عثمان وسيد مرعي. * بشكل عام ما ملامح الخريطة الطبقية للمجتمع المصري حاليا؟ ** هناك طبقة القمة التي ذكرناها وهناك الطبقة المتوسطة التي تعاني من "نخر" مستمر وتحاول من جانبها البقاء ضمن حدود طبقتها ولكنها في الواقع تتفكك وهذا التفكك آثاره سلبية لانها كانت كتلة موجهة للمجتمع فمن ناحية تحكم سلوك الاغنياء وتقدم لهم النموذج باعتبارها حافظة القيم الاجتماعية ويخرج منها القادة وصناع القرار من ناحية أخري تقدم النموذج الذي تتطلع له الطبقة الدنيا فقد كانت بالنسبة لهم "المعلم" وكانت كلماتها وحكمتها سياجا حاكما للكيان الاجتماعي ولكنها تنخرها الآن قيم دونية منحطة من القاع الاجتماعي فتفقد كذلك امكانيتها المالية أما من لا يزال محتفظا بامكانياته المادية في هذه الطبقة فهو خائف.. ومرتعد لقد شاهدت تجارب عدة في جامعة الزقازيق لاساتذة يتقدمون للزواج من "بنت الجزار" وينتابهم الخوف من رفض الأب لهذا الزواج كما أن هناك تغيرا في هيكل الأجور فالشيف في المطعم الآن أجره يصل إلي 15 ألف جنيه بعد أن كانت الطبقة الوسطي تستأجر طباخا في المنزل فكيف يتكيف أرباب الأسر من أبناء الطبقة الوسطي مع هذه الظروف الاقتصادية الجديدة؟ الفكرة السائدة بين هؤلاء في التركيز علي الضروريات يعني الطعام والملبس!! وفي هذا الخضم فإن الكثير منهم فقدوا اهتمامهم بالجمال بسبب الأولويات المادية التي جاءت علي حساب قيم الجمال وبعد أن كانت الطبقة الوسطي هي قائدة قيم الجمال في المجتمع. * ولكن هناك من يصنف الطبقة الوسطي بأنها كسول ولا تعمل في أكثر من وظيفة مقارنة بالطبقة الوسطي الغربية أو في النموذج الأمريكي مثلا؟ ** علي ذكر المجتمع الأمريكي فأنا أراه قائما علي شكل "البصلة" تعلوه الشواشي وأسفله الجذور ولكن جسد البصلة كله في دائرة ضخمة.. تلك هي الطبقة المتوسطة في أمريكا وكل المجتمع الأمريكي يعمل علي دعم الطبقة المتوسطة والحفاظ علي نمط استهلاكها وتأمينها الصحي وفرص العمل لها ولذلك يسمي بمجتمع "الطبقة المتوسطة" وبالطبع هناك فقراء لكنهم عادة ما يكونون بنسبة أقل جدا أما الطبقة الغنية فهي "خجول" تختبيء في قصورها وتحرص علي عدم جرح مشاعر الطبقة المتوسطة أو استفزاها بسلوكياتها.