أكتب من مارينا، تلك البقعة الساحرة من ارض مصر، وهي التي تتلقي غضب العديد من البشر، لدرجة اني قرأت تصريحا لواحد ممن يقولون انهم دعاة اسلاميون، يقول فيه: "ان الشيطان يسكن في مارينا".. واعترف اني احاول تتبع وجود الشيطان في مارينا، فلم اعثر عليه، ودعوت بالمغفرة لهذا الذي ينسب نفسه الي الدين. تساءلت بيني وبين نفسي: ما الذي يجعل رجلا يؤمن بان الشيطان يسكن في مكان ولا يسكن في مكان آخر؟ وجاءت الاجابة من درس تلقيته قديما اثناء دراستي لعلم النفس، ضمن فصل دراسي اسمه "العمليات العقلية اللاشعورية" وبين تلك العمليات هناك عملية تسمي "الازاحة" وهي ان تنقل تمردك وغضبك من سبب كامن لا تعلن عنه الي سبب ظاهر يمكن ان تعلن عليه التمرد.. ولما كان الكل يتحدث عن ان مارينا هي قطعة من الارض يحدث فيها انطلاق غير محدود بين الشبان والبنات، وان كل من فيها يركب سيارة بكذا الف جنيه، وان الشاليه فيها يساوي كذا مليون جنيه، مادام الكل يتحدث عن مارينا بهذا الشكل فلابد ان الحياة فيها ليست لها مثيل. ولاني وضعت مكافأة نهاية الخدمة منذ سنوات في ثمن شاليه بهذا الموقع الساحر، فقد اعتبرت ان هذا التصرف هو افضل تصرف في حياتي كلها. وها انا ذا اعيش منذ ست سنوات هنا في مارينا بداية من مايو من كل عام واكتب كل ما اريد ان انشره علي الكمبيوتر وارسله بالفاكس الي مواقع الجهات التي اعمل فيها واقضي ساعات من كل صباح او كل مساء ابحث عن الفساد الخلقي الذي يتحدثون عنه واجوب مارينا من اقصاها الي اقصاها بحثا عن هذا الفساد الخلقي الذي يملأ صفحات بعض من الصحف، فلا اجد مما يتحدثون عنه اي ظل من الحقيقة، اسمع مثلا ان تدخين المخدرات في المنطقة الفلانية يجري علي قدم وساق، فاتجه الي تلك المنطقة، لعلي اجد من يدخنون المخدرات علي عينك يا تاجر فلا اجد شيئا يقولون ان الخمر واللهو غير البريء يدور بين الشبان والبنات في المنطقة الفلانية، فأجري الي تلك المنطقة بحثا عن مشاهد كالتي رأيتها - مثلا - علي بلاجات ميامي بولاية فلوريدا، وهي مشاهد مضحكة حيث رأيت شبابا من لاعبي كمال الاجسام وكل منهم يسترزق ببيع رجولته لشمطاء امريكية، ورأيت فتيات يشبهن نساء مسلسل دالاس الامريكي اي نساء آخر حلاوة واخر شباب يبعن انفسهن لرجال فوق السبعين، ومن العجيب ان الشباب من لاعبي كمال الاجسام والبنات الجميلات يلتقون في مقاهي الشاطئ ليتبادلون التريقة علي تجاربهم مع العواجيز، ويخوضون مع بعضهم البعض تجارب تعويضية عن رائحة الشيخوخة التي تلصق باجسامهم بعد اي لقاء مع العواجيز. وابحث عن مثل تلك المشاهد في مارينا فلا اجد لها ظلا من واقع، واكاد امشي في شوارعها صارخا "اخلاق فاسدة تايهة يا اولاد الحلال". اعلن ان البعض يتخيل الكثير من الاحداث التي لا ظل لها من الحقيقة، واعلم ان كراهية الظروف الصعبة تجعل بعضا من البشر يتوهمون ما لا ظل له من حقيقة واتذكر مشهدا قديما حين خرج جنود الامن المركزي في شوارع القاهرة في تمرد صار جزءا من التاريخ وكان احدهم يشعل النار في فندق هوليداي ان بالهرم وهو يقول لزميله: "احرق يا جدع دول ناس كفرة الواحد فيهم بيصرف عشرين جنيه في اليوم".. هذا الجندي لا يعلم ان العشرين جنيه هي مبلغ قد يكون تافها جدا بالنسبة لبعض من البشر ولو كان يجد حدا ادني كريما في حياته من قبل ومن بعد لما فكر مثل هذا التفكير، ان الحد الادني اللائق هو ما يضمن كرامة الانسان وعدم استخدام خياله في كراهية اماكن او بشر.