قانون جديد للنقابة ينهي سيطرة الحكم والأمن تراكمت مشاكل التعليم قبل الجامعي حتي تضخمت الملفات، ففي ثلاثة عقود من حكم مبارك تزايدت مشاكل المعلمين والطلاب والمدارس والكتب والمناهج والإدارات المدرسية، فتراجع التعليم من حيث الكم والكيف، وانكسرت العلاقة بين المعلمين والطلاب، وتراجعت العلاقة بين أولياء الأمور والإدارات المدرسية، وعلي الرغم من رفع الشعارات حول أن التعليم هو مشروع مصر القومي، أصبح وضع التعليم في آخر الأولويات من حيث الاهتمام ومن حيث مخصصاته في الموازنة العامة للدولة، وانحراف مضمون العملية التعليمية نحو عمليات الحفظ والتلقين بعيدا عن التفكير العلمي والإبداعي، بعيدا عن البحث وتنمية المهارات وممارسة الأنشطة المدرسية وغيرها. الملفات كثيرة وخطيرة، فهل يستطيع أن يفتحها وزير التربية والتعليم الجديد الدكتور أحمد جمال الدين، وبأي أولويات؟ حول الملفات التي يجب أن تفتح في التعليم بعد ثورة 25 يناير يدور هذا التحقيق.. أجر عادل للمعلم الدكتور كمال مغيث - الأستاذ بمركز البحوث التربوية - يري أن أهم ملف أمام الوزير هو ملف المعلمين، لأن هناك عدم عدالة في أجورهم، ولن يكون هناك معلم مهني إلا إذا كان راتبه كبيرا، والدولة بهذه الرواتب للمعلمين تقول لهم «افسدوا» سواء بالضغط علي الطلبة بالدروس الخصوصية، أو بعمل إضافي لسد الاحتياجات، وبالتالي لا يؤدي المعلم دوره المأمول منه داخل الفصل، وأنه لو تم ضخ نسبة قليلة من الأموال المنهوبة علي حسب تعبيره لأصلحت رواتب المعلمين، علي أن يتم تدريبهم وأن يكون الترقي لهم بعد ذلك طبقا لأبحاث لتطوير التعليم ومناهجه، بدلا من الكادر السخيف التافه، وأن تكون هناك عقوبة رادعة بعد ذلك لمن يعطي دروسا خصوصية. قانون جديد للنقابة ويشير د. كمال مغيث إلي أن نقابة المعلمين أنشئت عام 1955 وهي أكبر النقابات من حيث العدد، وهي النقابة الوحيدة التي تصر الدولة علي أن يرأسها وزير التعليم المعاصر لها أو السابق، والدولة تهيمن علي هذه النقابة لأنها تعرف خطر هذه الكتلة، فهي تضمن حوالي مليون معلم يتعاملون مع حوالي 20 مليون أسرة، وقانون النقابة يمنعها من التعامل مع قضايا المعلمين ولم نسمع لها رأيا أو صوتا في مشاكل المعلمين المتراكمة، وهي مليئة بملفات الفساد وإهدار الأموال، ولذلك لابد من صياغة قانون جديد للنقابة لتفعيل دورها والارتقاء بالمهنة والدفاع عن أصحابها. نسق جديد للتعليم ويؤكد د. مغيث أن نسق التعليم المصري محافظ متخلف تدور مفرداته حول كلمات «احفظ - تذكر - اكتب ما يملي عليك - وإجابات نموذجية بعيدة عن التفرد والتميز والمغايرة وتدعم قيم الولاء والطاعة، وهذا النسق ينتج مواطنين لا يصلحون للحياة في مجتمع ما بعد ثورة 25 يناير، فنحن نريد مواطنين يستطيعون الاختلاف والإبداع، ولابد من التأكيد علي نسق التعليم مختلف في مناهجه وأنشطته، يؤكد قيم البحث والتساؤل والتفكير لينتج المأمول منه. تفعيل اللامركزية ويضيف د. مغيث أن الدولة تري اللامركزية هي مجرد تفويض بعض الصلاحيات للإدارات التعليمية والمحافظين بمعني أن الوزير لا يتدخل في نقل المعلمين ويتركها للإدارات، ولكن اللامركزية هي أن تبدع كل مدرسة مشروعها الخاص في مجتمعها المحلي الذي تعيش فيه، وتستفيد من الإمكانيات، والسكان في المكان الذي به المدرسة، ويتم تنظيم دورات تدريبية للمعلمين من الكفاءات البشرية الموجودة بالمكان، وكذلك أنشطة اقتصادية داخل المدرسة مستفيدة من الخامات والمواد بمجتمعها المحلي، وبذلك تكون المدرسة وحدة تنويرية في مجتمعها المحلي. ويري الدكتور شبل بدران - الأستاذ بجامعة الإسكندرية - أن أهم ملف هو ملف المناهج الدراسية، لأن المناهج يجب أن تؤسس علي فكرة المواطنة وحقوق الإنسان، وهذا الأمر يتطلب تأهيل وتدريب المعلمين، وأن يضع المناهج خبراء وفنيون مؤمنون وواعون بأهمية بناء المناهج الدراسية علي فكرة المواطنة وحقوق الإنسان، ولابد لمناهج التاريخ أن تهتم بتاريخ الشعوب وليس الحكام، أي باستعراض حركات الشعوب وتطورها عبر العصور المختلفة، والانتقال من حالة إلي حالة لا يكون إلا بدور الشعب نفسه، وأن يتم إلغاء ما ورد في كتب التاريخ عن إنجازات الحزب الوطني ورئيسه. تنمية المهارات ويضيف د. بدران أن التقويم التربوي الشامل هو الذي يهتم بالمهارات التي تشكل الإنسان المعاصر، ويجب الاهتمام به وتحويله من مجرد ملف إنجاز إلي تنمية حقيقية لمهارات الطلاب عن طريق تنمية مهنية للإدارة المدرسية وتدريب وتأهيل المعلمين في تخصصاتهم وفي الوعي العام، وكذلك مديرو المدارس لكي ينتقل التعليم من نظام الحفظ والتلقين إلي لغة الحوار والفهم والإبداع، وذلك يتطلب تطوير المدارس وتزويدها بالمعامل والأدوات وكل الإمكانيات التي تؤدي إلي تفعيل عمليات التقويم. بناء مدارس جديدة ويؤكد د. بدران أن القضية الأهم هي قضية تمويل التعليم لأنه لا يمكن الارتقاء بالتعليم دون ميزانية، ولابد أن تتاضعف الميزانية في الجانب الاستثماري الخاص بالانشاءات فنحن في حاجة إلي أكثر من 20 ألف مدرسة لكي نصل بكثافة الفصول إلي 35 طالبا، ولكي تنتهي ظاهرة المدارس التي تعمل فترتين، حتي تستطيع المدرسة أن تقوم بدورها التربوي الحقيقي، فالوزارة التي تقوم علي بناء العقول والإجيال ميزانيتها متواضعة، يخصص منها للأجور والمكافآت للعاملين بالوزارة والإدارات والمعلمين حوالي 85%، فماذا يصرف علي الطلاب وتطوير العملية التعليمية؟! لن تفتح الملفات ويقول الدكتور فاروق إسماعيل - الرئيس السابق للجنة التعليم بمجلس الشوري: إن استقرار العملية التعليمية قدر المستطاع يعبر بالعام الدراسي إلي بر الأمان، وكذلك العمل علي تلبية مطالب المعلمين بالحصة أو العقود المؤقتة وتعيينهم، والوزير لن يستطيع فتح ملفات إصلاح وتطوير التعليم في هذه الفترة لأنها وزارة انتقالية، لأنه يعمل في ظروف غير طبيعية ولا يمكن لأي مسئول عمل تطوير حقيقي في ظروف مؤقتة، ولن يستطيع فتح الملفات سواء نظام الثانوية العامة الجديد أو غيره إلا بعد انتخاب رئيس جمهورية وانتخابات مجلس الشعب حتي يتمكن من فتح الملفات وإعادة طرحها ودراستها من أجل الإصلاح والتعديل، حتي أنه في إطار اللامركزية أوكل بعض الصلاحيات للمحافظين، ولكن لن يتم شيء، لأن المحافظين الموجودين هم رجال النظام السابق، ولن يستمر أحدا منهم في مكانه، وعليه أن يبدأ في التخطيط للعام الدراسي القادم حتي تستقر الأمور، لأن تطوير التعليم يحتاج إلي خطة استراتيجية طويلة الأمد من خبراء وفنيين ووزارته وزارة انتقالية. ضعف مخصصات التعليم وميزانية التعليم في الموازنة العامة للدولة لعام 2010/2011، 8.46 مليار جنيه بنسبة 4.3% من الإنفاق العام وهي ثلث للتعليم العالي 1.1% وثلثان للتعليم ما قبل الجامعي 3.2%، وتعد مصر من أدني بلدان العالم في الإنفاق العام في هذا المجال، حيث تشير بيانات البنك الدولي إلي أن متوسط الإنفاق العام علي التعليم يبلغ حوالي 3.5% في منطقة اليورو و4.5% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الغنية بصفة عامة، كما بلغ نحو 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول متوسطة الدخل ونحو 4% في الدول ذات الدخل المنخفض، كما بلغ هذا المعدل نحو 2.5% في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تضم الدول العربية بما يعني أن مصر من أقل بلدان العالم ومنطقة الشرق الأوسط في الإنفاق في هذا المجال، ومن الغريب أن الإنفاق علي التعليم في سوريا قد بلغ نحو 9.4% وتونس 10،7% والمغرب 5.5%، وكوبا الموحدة من الولاياتالمتحدة 3.13% من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لبيانات البنك الدولي وتقرير الاتجاهات الاقتصادية الصادر عن مركز الدراسات السياسية بالأهرام.