خبراء روس يشيرون بضم الرياض لاتفاق الحبوب بدلًا من تركيا عدم دعوة موسكو ليس موقفًا منها بل لمناقشة المقترحات الأوكرانية رئيس أوكرانيا يدعو لقمة سلام عالمية يشارك فيها رؤساء كل دول العالم
قررت المملكة العربية السعودية استضافة قمة سلام حول النزاع الروسى – الأوكرانى بمبادرة من أوكرانيا. بمشاركة نحو 30 دولة بما فى ذلك بعض الدول الشريكة لروسيا فى منظمة البريكس مثل جنوب أفريقيا والبرازيل، لكن المثير للدهشة أن أحد طرفى النزاع وهى روسيا لم تتم دعوتها. ما الهدف إذًا الذى تسعى إليه الرياض من عقد هذه القمة على أراضيها للتفاوض حول أوكرانيا، وأى شيء إيجابى من الممكن أن يحققه هذا الاجتماع لروسيا. يذكر أن اجتماع مثل هذا عقد فى كوبنهاجن عاصمة الدنمارك فى "سرية تامة" وأيضاً بدون دعوة روسيا إليه. تشكك وسائل الإعلام الروسية فى الهدف من القمة، وتقول صحيفة "موسكوفسكى كومسموليتس" الروسية الواسعة الانتشار أن الاجتماع السابق الذى عقد فى العاصمة الدنمركية حضره كل من الهندوتركياوالبرازيلوجنوب إفريقيا والمملكة العربية السعودية، محور الاجتماع كان مناقشة "صيغة سلام" الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى المكونة من عشر "نقاط أساسية". لم تكن الأمور فى قمة كوبنهاجن سهلة كما كان يتصور الجانب الأوكرانى، كما علقت عليها فى حينها وكالة بلومبيرج، على الرغم من أن جميع المشاركين اتفقوا على أنه فى حالة التوصل لتسوية نهائية فإنها يجب أن تتوافق مع المبادئ الأساسية للأمم المتحدة، رغم أن بعض الدول لم توافق ومنها البرازيل، بينما أصرت دول على ضرورة دعوة روسيا فى أى اجتماع من هذا النوع فى المستقبل، هل سيتم تنفيذ المطلب الأخير فى قمة جدة، من الواضح أن مسألة دعوة روسيا لم يتم اتخاذ قرار بها، وهل قمة جدة هى استمرار لقمة كوبنهاجن، التى دعيت إليها الصين ولم تحضر، فهل ستحضر هذه الأخيرة قمة جدة؟ رغم العلاقات الطيبة مع الرياض. حياد عربي فيما يتعلق بالموقف من النزاع الروسى – الأوكرانى، فإن أكثر الدول العربية بقيت على الحياد، فهذه الدول لم ترفض العلاقات مع روسيا بل إن بعضها يعمق هذه العلاقات، ومن الواضح كذلك أن هذا السلوك لا يعجب الغرب كثيراً وعلى رأسه واشنطن، ومن ثم فإن هذه الأخير تستغل أى فرصة مفاوضات أو أى مؤتمر فى محاولة تحويله إلى وسيلة لاستقطاب واستمالة أكبر عدد من الدول النامية خاصة تلك التى لم تحدد مواقفها أو أسيرة احتياجاتها من الغذاء، وتحدثت صحف روسية عن قمة "مجموعة السبع" التى انعقدت فى هيروشيما باليابان وكان الهدف منها استمالة دول ما زالت مواقفها من النزاع متأرجحة، ورغم ذلك لم يتحقق هدف الاستقطاب. وإذا عدنا لقمة جدة نجد أن المملكة العربية السعودية لديها علاقات جيدة بروسيا من خلال "أوبك +" والتنسيق معها فى حجم الإنتاج النفطى اليومى، وهو الأمر الذى ناقشه وزير الخارجية الروسى لافروف مع نظيره السعودى فيصل بن فرحان آل سعود أثناء زيارة الأول للمملكة فى النصف الأول من يوليو الماضى، رغم أن المملكة ودون تنسيق خفضت إنتاجها مؤخراً بحوالى مليون برميل بشكل أحادى (هذا يصب فى صالح روسيا لذلك لا مجال هنا للخلاف)، وهو ما يعنى أن الضغط على المملكة من خلال مؤتمر جدة لزيادة الإنتاج لخفض السعر بهدف الضغط على روسيا غير وارد على جدول أعمال القمة، لأن تصرف المملكة هذا يوحى بذلك. السعودية والحرب فيما يتعلق بالقضية الأوكرانية تمسكت المملكة العربية السعودية بمبدأ الحياد، وإن كانت قد سمحت للرئيس الأوكرانى بالحديث أمام القمة العربية عندما توقف فى المملكة فى طريقه لحضور قمة هيروشيما "لمجموعة السبعة"، الموقف السعودى المحايد فى اعتقادى هو أحد الأسباب التى جعلت المملكة تتصدى لدور الوسيط فى حل هذا النزاع، وهى التى قامت بالتعاون مع تركيا فى المساعدة للإفراج عن عدد من أسرى "أزوف ستال" وتتبنى حالياً بالتعاون مع تركيا محاولات لاستعادة أطفال أوكران تم إجلاؤهم لروسيا. وهنا سؤال يطرح نفسه وبإلحاح، على أى أساس وبأي هدف قدمت المملكة العربية السعودية أراضيها "جدة" لعقد مؤتمر سلام بناء على طلب أوكراني. هنا لا أريد أن أدخل فى تأويلات ومحاولات للتفسير، لكن من الواضح أن الرياض تقوم فى الفترة الأخيرة وبمبادرات من الأمير محمد بن سلمان ولى العهد بتوسيع دائرة تأثيرها الدبلوماسى على الساحة الدولية وأهم ما قامت به فى الفترة الأخيرة هى العلاقات الجديدة مع إيران ومحاولات تنقية الأجواء بين البلدين، ومع تركيا ورغم بعض المنافسة بين الرياضوأنقرة أحياناً إلا أنهما تعاونتا فيما يتعلق بالملف الأوكرانى وقدمت السعودية نفسها بشكل إيجابي فى ملف الأسرى كوسيط محايد يعتمد عليه. تنسيق روسى سعودي من الواضح أن روسيا غير منزعجة من تنظيم الرياض لمؤتمر جدة بمبادرة أوكرانية رغم عدم دعوتها، على أساس أن التنسيق القائم بين الرياضوموسكو فى إطار أوبك + يعتبر عنصر تقارب بين موسكووالرياض حتى الآن، برغم امتعاض الأولى من خفض الثانية لأسعار البترول فى بداية العملية العسكرية وامتناع أوروبا عن شراء النفط الروسى. ويشكك الخبراء الروس فى قدرات الدول العربية والمملكة فى التوصل إلى تسوية نزاعات شديدة وعميقة، ويقول أحد الدبلوماسيين الروس وهو السيد أندريه باكلانوف، إن الدول العربية لا تدرك أساس النزاع الحالى وأضاف نحن نعتبر النزاع الحالى استمرارًا للحرب العالمية الثانية واستمرارًا للحرب على الفاشية، واعتبر أن المفهوم العربى عن النزاع بعيد جداً عن الواقع، وأكد أن عملية الوساطة من هذا النوع من الممكن أن تكون مفيدة فى الجوانب الإنسانية مثل تبادل الأسرى، أو مثلاً أن تنضم الرياض لاتفاقية الحبوب، على أساس أنها تحل مكان تركيا، لأن موسكو على ما يبدو غاضبة من أنقرة بسبب مواقف الأخيرة أثناء قمة الناتو فى يونيو الماضى فى ليتوانيا، والجانب الروسى يتحدث عن إزاحة تركيا من صفقة الحبوب على الرغم من أن الرئيس بوتين سيزور تركيا، وفى اعتقادى أن هذه الصفقة ستكون على رأس جدول الأعمال. وفى الوقت الذى تعتبر فيه روسيا أن اتفاق ممر الحبوب فشل، وأن روسيا خسرت، وأنها كانت خطأ من الدبلوماسيين الذين مددوها، وإذا كانت المملكة العربية السعودية تريد أن تشغل مكان تركيا فمرحباً بها وفق بعض الخبراء الروس، وإن كنت لا أتصور أن تتدخل الرياض فى أمر كهذا فتغضب تركيا التى عمقت العلاقات معها منذ وقت قريب من ناحية ومن ناحية أخرى الحديث فى جدة سيدور بالدرجة الأولى لمناقشة خطة الرئيس الأوكرانى للسلام، والذى أعلن عن قمة عالمية تضم كل دول العالم التى ترغب فى تحقيق السلام والتى ترغب كييف فى أن تنعقد فى أوروبا والتى يجب أن تحضرها روسيا. وإذا تكلمنا بمنطق نظرية المؤامرة فإن الخبراء الروس بمنطقة الشرق الأوسط يؤكدون أن المملكة العربية السعودية لن تفعل شيئا خلف ظهر روسيا، وبرر عدم دعوة روسيا لقمة جدة بأن الرياض تريد دراسة وجهة نظر الجانب الأوكرانى دون حدوث مناوشات واشتباكات كلامية بين روسيا والحكومات الغربيةوأوكرانيا نفسها. على أى حال عقدت القمة على مستوى مستشارى الأمن القومى، لكن الأهم أن الصين حضرتها بوفد برئاسة المسئول عن أوروآسيا بالخارجية الصينية، وهو ما اعتبرته أوكرانيا تحولًا نوعيًا فى سياسة الصين. أما أهم ما توصلت إليه القمة التى كانت جلساتها مغلقة فلم يصاغ فى بيان كما كان يتوقع المراقبون، وإن كانت السعودية قبيل القمة وعدت بإبلاغ روسيا بنتائج القمة، التى كما أعلن الجانب الأوكرانى هى تهدف بالدرجة الأولى لتعريف العالم بصيغة أوكرانيا لتسوية النزاع. وسائل الإعلام الروسية تحدثت عن فشل المؤتمر الذى وصفته بأن الهدف منه كان اجتذات الدول المتعاطفة مع روسيا من دول جنوب الكرة الأرضية، وفرض حل لا يتناسب مع مصالح روسيا. فيما تحدث البعض الآخر عن أن القمة لم تدع روسيا ليس بمبادرة من الدولة المستضيفة بموقف أمريكى، واستهجن البعض عقد المؤتمر فى حد ذاته وأشاد بمؤتمر كوبنهاجن رغم أن عدد من حضرة حوالى ثلث من حضر هذا المؤتمر. أوكرانيا والانسحاب أما صحيفة "وول ستريت جورنال" فقد كشفت أن أوكرانيا تخلت عن فكرة ضرورة الانسحاب الكامل للقوات الروسية، بينما توافق أنه فى جوهر أى تسوية يجب النص على "احترام وحدة وسلامة الأراضى الأوكرانية" وسيادة ميثاق الأممالمتحدة، على أى حال هذا تقدم مهم فى الموقف الأوكرانى الذى كان يصمم فى أى لقاء على ضرورة انسحاب القوات الروسية أولا قبل أى وقف لإطلاق النار أو التفاوض، وهذا منطقى من الجانب الأوكرانى، قبيل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر القادم. ومن ناحية الهيمنة أشارت بعض وسائل الإعلام الروسية "موقع 360 تى فى. رو" ، فى تعليقها على نتائج القمة، إلى أن هيمنة الغرب انتهت، وأن هذه القمة هى بداية عالم جديد تتحدد ملامحه الآن. أما موقع "تسارجراد تى فى" الروسى الأوسع انتشارًا والمؤيد للرئيس بوتين فقد أشار إلى أن القمة فى جدة اعتبرها البعض "ضربة خيانة" لروسيا لكن هذه الضربة أصابت الغرب. بعض الساسة الروس مثل ليونيد سلوتسكى رئيس الحزب الليبرالى الديموقراطى الروسي وصف القمة بأنها فكرة حقيرة. لكن صحيفة الإزفيستيا الروسية الشهيرة تشاءمت من نتائج القمة واعتبرتها دليلًا على أن الغرب يسعى لإطالة أمد النزاع لأنه ناقشه دون حضور أحد أطرافه وهى روسيا، واعتبرت أن القمة كان الفشل مقدراً لها، واعتبرت أن محاولة جمع المشاركين بدون روسيا، جعل الكثير يحجم عن المشاركة باعتبار أن روسيا غير ممثلة فى القمة، واعتبرت الصحيفة أن المملكة العربية السعودية تدافع عن مصالحها فى هذه القمة. أوكرانيا المستقلة لكن ولعل التصريح الأهم والأبرز جاء على لسان الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى عقب القمة عندما قال "إن أوكرانيا المستقلة يجب أن تبقى فى حدودها التى كانت موجودة فيها عام 1989، ونفس التصريح أطلقة ممثل الصين فى القمة فيي تشجايون المسئول عن قسم أوروآسيا بالخارجية الصينية، بينما أعلن الجانب الأوكرانى انه لم يسألهم أحد عند إعلان نتائج المؤتمر، والبعض يتحدث عن أن هناك إجماعًا فى المؤتمر على أن أوكرانيا المستقلة فى حدود 1989 هذا هو مكانها الطبيعى على خريطة العالم. على أى حال المؤتمر لا يمكنه أن يفرض حلولاً على طرف ومن ثم هو كما قلت من قبل لا يعدو أن يكون عملية لحشد مؤيدين للموقف الأوكرانى، وكل ما أرجوه أن يعقد مؤتمر دولي لمناقشة الأزمة الأوكرانية – الروسية فى نهاية العام وألا تدعى روسيا إليه، هذا سيكون نوعًا من العبث. المبادرة السعودية جيدة ودعمت دور المملكة الدبلوماسى على الساحة الدولية وفى اعتقادي أن الرياض مرشحة لدول أكبر فى تسوية الأزمة الأوكرانية كطرف محايد علاقاته ممتازة بطرفي النزاع.