عشر سنوات مرت على نجاح المصريين فى فرض إرادتهم .. منذ أن خرج الملايين يهتفون فى إجماع غير مسبوق «يسقط … يسقط حكم المرشد»، فقد كانت الصرخة مدوية كافية لإسقاط حكم الجماعة وسد الطريق أمام محاولاتها تغيير الهوية الوطنية والعبث فى مكوناتها المستقرة منذ قرون من الزمن. صرخات الرفض لم يكن محركها الوحيد هو الدافع السياسي ضد جماعة "لا ترى سواها " وتسعى منذ اللحظة الأولى للسيطرة على مقدرات شعب وتبديد مكونات هويته الراسخة. شعب منذ قدم التاريخ متعدد الألوان والأطياف لذلك خرج الملايين يعلنونها قوية " لن تحكمنا جماعة تزدرى الوطن وتراه مجرد " حفنة من تراب عفن " .. كما رفض المصريون محاولات المرشد والجماعة فرض وصايتهم على مجتمع علم البشرية قيمة التسامح والتعايش عشر سنوات مرت على هذا الحدث العظيم الذى غير وجه مصر وأنقذها من محاولة اختطاف أمة بأكملها من ضوء النهار إلى دهاليز الظلامية. كان التناقض جذريا وصارخا وأساسه ثقافيا وحضاريا فلم تتمكن قادة الجماعة من خداع المصريين كثيرا وسرعان ما كشفوا عن وجوههم الكارهة للحياة و للوطن المنحازة للجماعة وهذا ما كشف عنه الباحث والكاتب طارق البشبيشى وهو باحث متخصص فى شئون الجماعات الإسلامية أحد أبرز المنشقين عن جماعة الإخوان – فى كتاب مهم وكاشف صدر حديثا بعنوان «كنت إخوانيا وأصبحت مصريا – خواطر من واقع تجربة ذاتية » الصادر عن دار نفرتيتي للنشر، يتناول الكتاب الأقرب لسيرة ذاتية لمؤلفه وعلاقته بالجماعة منذ صباه وبداية شبابه ويوضح عبر ستة فصول من القطع المتوسط وهى "هكذا جندوني " و" مع القيادات التربوية " و" نبذة عن محاور عمل الجماعة وأقسامها " و" سنوات في القسم السياسي " و" الأسس الخمسة لصياغة العقل الإخوانى " وأخيرا " الاستيقاظ من الوهم " ويتناول " البشبيشى " فى كتابه كيف يتم تجنيد الشباب في سن مبكرة وكيف ترى الجماعة الوطن ورموزه وحكامه والأهم كيف ينظرون لأنفسهم باعتبارهم جماعة معصومة لا تخطئ وترى ذاتها فوق الوطن بل هى الوطن ذاته . يكشف الكتاب عن العقيلة التي تحكم الجماعة مما يفرض علينا ضرورة الإسراع بمشروعنا المؤجل وفريضة الثورة الغائبة والتى تأخرت كثيرا عشر سنوات مرت على نجاح ثورة30 يونيو فى إسقاط حكم الجماعة ووصاية مرشدها على وطن كان هو فجر الضمير للإنسانية .. ودفعت مصر ثمنا ليس بسيطا لتصدى شعبها لمخطط " أسلمة" منطقة الشرق الأوسط وتصدى لمحاولات الغرب تسييد النموذج "التركي" عبر جماعة الإخوان التي يراها الغرب هى البديل الافضل لأنظمة الحكم التي سقطت خلال الربيع العربي . وأعتبر الغرب أن نموذج الإسلام السياسي – المرن – هو الذى سيحافظ على مصالحها ويستجيب لشروطها ولا يصطدم بسياساته فى المنطقة. وواجهت مصر حربا شرسة من فلول الجماعة وأنصارها أملا فى استعادة عرش المعزول" مرسى " لكن صلابة الشعب تحدت وقاومت وصمدت حتى تراجع الإرهاب وسكتت قنابله الجبانة إلى حد كبير . وخلال السنوات العشر الماضية تصدت مصر بشجاعة لطلقات الإرهابيين فهل واجهت الإرهاب وأفكاره وبيئته الحاضنة؟ هذا السؤال لم يجد إجابة حتى الآن رغم مرور عقد على الثورة العظيمة ما تزال خطواتنا – الرسمية والشعبية – بطيئة وأقل كثيرا مما يجب فى مواجهة الأفكار المتجذرة في التربة المصرية وأرى أن بعضنا بقصد أو بدون قصد يغض الطرف عن صناع التطرف فى وادينا الطيب أحيانا لاعتبارات سياسية وتوازنات الحكم وأحيانا أخرى لغياب الجراءة اللازمة والمطلوبة فى مواجهة مناخ شديد التردي والظلامية …مناخ صار سائدا سوى من مساحات ضوء قليلة هنا وهناك .. مناخ يصعب معه لكل مصادر الاستنارة أن تتنفس بحرية لتخطو نحو مساحات أكبر فى ظل تلوث يحيط بالجميع ويسيطر على الجميع ويعبق الفضاءات ويمارس إرهابا فكريا يوميا ويجعل من التفكير مغامرة ومن التنوير جريمة . وتأتى ضرورة إثارة الجميع هذا الأمر الجلل الآن بمزيد من الجسارة والشجاعة من أجل الوطن ودفاعا عن الشعب الذى ثار بالملايين فى مواجهة مشروع الجماعة ذات المرجعية الدينية التي سعت لإقامة دولة دينية حتى وإن اعتقد البعض عكس ذلك. قد نكون تمكننا من مواجهة جحافل الإرهاب وقدمنا في سبيل ذلك أرواحا طاهرة ودماء ذكية من خيرة أبنائنا وتضحيات شعب عظيم لم يفرط فى الدفاع عن عرضه وأرضه فى أي لحظة عبر التاريخ .. لكننا لم نواجه بعد الأفكار التي خلقت من آلاف الشباب متطرفين وقتلة بعد أن تم حشو أدمغتهم بأفكار شيطانية تستحل دماء الآخرين لمجرد اختلافهم معهم مستخدمين تفسيرهم القاصر والمنقوص للنصوص الدينية. ولم نجفف بشكل كامل البيئة الحاضنة لتلك الأفكار سواء اقتصادية أو اجتماعية رغم أننا خضنا معركة عظيمة وتاريخية فى مواجهة الإرهابيين. ومرارا كانت الفريضة الغائبة والواجب المؤجل والمطلب المؤجل وهو سرعة تبنى الدولة مشروعا ثقافيا وطنيا من خلال جبهة وطنية واسعة تضم كل رموز الثقافة والفكر والفن من مختلف الأجيال والمدارس لوضع تصور متكامل ومستدام بدعم رسمي حقيقي وجاد على كل المستويات يمكنه أن يواجه تلك الخفافيش والأفكار المختبئة تحت جلد المجتمع والتي تم دسها خلال عقود طويلة منذ أن استقبل " الرئيس المؤمن " مرشد الجماعة في القصر الرئاسي ومنحه الضوء الأخضر للعبث في عقل الوطن من خلال الجامعات المصرية فصار التطرف مدعوما وأصبحت الظلامية مناخا رسميا ….واكتوى الجميع بنيران التطرف ومن بينهم الرئيس المؤمن ! هى مهمة واجبة ولا تحتمل التأخير أكثر من ذلك وهذا يتطلب أن يكون القائمون على أمر هذا البلد جميعهم مؤمنين بضرورة المواجهة الشاملة حماية لغد قد تتغير فيه المعادلات السياسية فنصبح على ما فعلنا نادمين حين يخرج "عفريت " التطرف من القمقم حينها لن ينفع الندم ولن يسامحنا التاريخ على إهدار تلك الفرصة. والمؤكد أن أى حديث عن دولة مدنية ديمقراطية حديثة سيظل معلقا فى فضاء الحلم حتى تصبح مواجهة التطرف – فكريا – فرض عين لا مناص منه .