يحاول الكثير أن يعقد مقارنة بين "نجوم" الفن والأدب والرياضة في زماننا الحالي وبين مشاهير الأزمنة السابقة، ويبدو أن معنى "أزمنة " في حاجة إلى توضيح فهو بالطبع نسبيّ؛ فزماننا يعني لكل جيل معنى وتوقيت ويعني لكل مرحلة عمرية معنى ودلالة لكن يبقى المشترك بين الجميع أن الكل يجرفه حنين نحو الماضي وما يمثله من قوة وشاب وانطلاق؛ فكل ما يحيط به جميل ومبهج ومصدر للسعادة ومروره على الذاكرة قادر أن يرسم على الشفاه ابتسامة عريضة ويصنع نظره شاردة نحو ذكريات لا تنسى ولا تذوب في زحام الحياة، لكن الأمر ليس كذلك بالضبط، فأنا أحاول أن أفلت من تلابيب لحظة الحنين بما فيها من "نوستالجيا" لأفتش عن أسباب موضوعيه لتغير طبيعة "النجم" التي جاءت تلبية لتغير طبيعة الجمهور وبعيدا عن نظرية "البيضة والفرخة" الواقع هو من يصنع قوانينه ويحدد مفرداته ومن ثم يترتب على ذلك أوضاع وملامح وشكل علاقات الأطراف بعضها البعض. عندما يستخدم البعض عباره "زمن الفن الجميل" فهم يعنون مرحلة العقود من الرابع حتى السابع من القرن العشرين لما يمثل من إنتاج غزير في الفنون والآداب ولأنهم يعتبرون تلك المرحلة هي الأفضل من حيث نوعية المنتج الثقافي وطبيعته كما أن المجتمع المصري حينذاك كان من وجهة نظرهم أكثر حفاظًا وتمسكاً بالقيم الأخلاقية والترابط المجتمعي بكل ما في ذلك من معانٍ يرون في أم كلثوم المغنيه الأهم في تاريخنا، وفى عبد الوهاب الموسيقار الأروع، ويعتبرون "عمر الشريف أيقونة، و"فاتن حمامة" سيدة الشاشة العربية ويأسرهم عبد الحليم حافظ ويمثل "أحمد رمزي و"صالح سليم" و"رشدي أباظه" نماذج الرجولة المكتملة وسعاد حسنى وهند رستم وناديه لطفى طوفان الأنوثة المتدفقة.. كل هذا صحيح، لكن الأهم أن هؤلاء جميعًا كانوا "نجوما" يسعون للتقرب من جمهورهم من خلال تقديم صورة أناس متواضعين بسطاء يعيشون نفس حياة المواطن ويتحدثون لغته يهتمون بنشر صورهم مع عمال الأستوديو أو مساعديهم في المنزل أو غير ذلك من علامات البساطة والتواضع حتى وإن كان مصطنعا فهو قادر على زيادة شعبيتهم واحترام الجمهور لهم.. هذا عن الماضي… فماذا عن الحاضر؟ المؤكد أن المجتمع المصري شهد تغيرًا كبيرًا جداً– هذا يحتاج إلى دراسات مستفيضة ومفصّلة وعميقة – وهذا التغير الذى بدا مع منتصف سبعينيات القرن العشرين وكان عنيفًا وحادًا في العقد الثاني من القرن الحالي.. أصبح أكثر عنفًا وفرديةً وصار أشد رفضًا للحوار الهادئ العاقل أكثر ميولاَ لفرض الراي ورفض الآخر وتسييد الرؤية الواحدة.. صار المجتمع يجهر بالسوء بشكل غير مسبوق.. يتاجر بعوراته – نمو ظاهرة اليوتيوبر والتيك توكر – يتهافت حول مشاهير بلا مضمون ولا محتوى حقيقي .. فقط محتوى استهلاكي ولحظي يتبخر تأثيره سريعا فقط كل مقوماته أنه خارج عن السياق.. أدرك بعض "نجوم" المرحلة السر في طبيعة الجمهور التي تغيرت واصبح المتلقي – غالبيتهم العظمى من الشاب – لديهم أحلام العصر في الصعود السريع والترقي السهل وساهمت أدوات العولمة في تعزيز تلك النزعات المتزايدة لدى الشباب الذى يعانى من أزمات مركّبة ما بين الاغتراب وغياب الأمل في غد أفضل وما بين صعوبة تحقيق الصعود الاجتماعي بالعلم والعمل لتصبح البدائل المتاحة هو البحث عن صعود على طريقة مشاهير السينما. ومع تغير طبيعة الجمهور نتيجة عوامل سياسية شديدة التعقيد وتردٍّ اقتصاديٍّ وتغيير واضح في أدوات وقواعد الصعود المجتمعي تغيَّرَ بالطبع معيار تحقيق الشهرة وعوامل النجاح وقوة بريق "النجم" أصبح غالبيه الشباب يميلون إلى الإعجاب بهؤلاء الذين يفرطون في استعراض ممتلكاتهم ويبالغون في إظهار ثرواتهم ويتعمدون الكشف عن تعاليهم وربما استفزاز الشباب الذى يبحث عن فرصة عمل تكفى لسد احتياجاته بينما تفتنه الطائرات الخاصة التي يستقلّها ممثل أو ممثلة أو لاعب كرة.. ويدرك الجميع بداياتهم وأصولهم الاقتصادية المتواضعة. الجمهور الذى يعانى بعضهم كى يوفر قيمة تذكرة حفله لنجمه المفضل الذى يطل عليه عاريا بعضلاته المصنوعة بفعل جراحات التجميل، أو تلك النجمة التي تحقق أرباحًا من مشاهدات الملايين لها وهى في جلسه "جيم" ثم تظهر وهى تضع أمتعتها ومستلزماتها ذات " الماركات العالمية " بينما تنشغل فتيات تعانى أسرهن كى توفر لهن الحد الأدنى من العيش.. يتعلق الشباب أكثر بهؤلاء النجوم ويزداد شغف الفتيات بتلك النجمات. كان نجوم الماضي يتنافسون لإظهار تواضعهم عندما كان الجمهور يبحث عن نموذج يشبههم ويمثل مسيرة صعود يتحقق بالجهد ويتسم بالكفاءة أما حين تغير الجمهور وصار يستهويه من يمارسون التعالي ويسعون للتأكيد على تلك الفوارق الطبقية الشاسعة التي نشأت وتتسع يوما بعد يوم فيما بين "النجم" و"المواطن" الذى يجعل بعضهم يتعمد تسريب أجره "الملاييني" كانت الحكمة الشهيرة تقول "الناس أعداء ما جهلوا".. فهل أصبح الناس أسرى لما عجزوا؟