أوكرانيا تحاول الحفاظ على المدينة خوفًا من فقدان العمق الدفاعي فى وسائل الإعلام وعلى وسائل التواصل الإجتماعى ظهرت بوادر مشجعة توحي باقتراب استسلام مدينة باخموت الواقعة فى دنيتسك بالدونباس. لكن وفق شهادة مؤسس "الشركة العسكرية الخاصة" فاجنر، يفجينى بريجوجين، الوضع بعيد عن التفاؤل الذى يتحدث عنه قطاع عريض من الشعب، مشيرا إلى أن المعركة للسيطرة على المدينة الروسية القديمة باخموت فى أوج عنفوانها، أو كما وصفها بأنها «مفرمة»، الجانب الأوكرانى بصفة دائمة يدخل قوات جديدة كل يوم ويقاوم بعنف وبقوة، ولذلك فإن السيطرة على المدينة فى وقت قريب غير متوقع. وحسب كلام بريجوجين تدور الآن معارك عنيفة فى باخموت، والعدو "الجانب الأوكرانى" ليس لديه أى نية للاستسلام أو الانسحاب، فحسب قوله كل يوم تدفع أوكرانيا بحوالي 300 – 500 جندى جديد إلى باخموت ونيران المدفعية تزداد قوة كل يوم، كل يوم تدور معارك فى شمال المدينة فى منتهى العنف، ولا يوجد حتى الآن أى مؤشر لإمكانية حصار العدو فى الشمال. حرب الشوارع وتحدث مؤسس فاجنر بشكل أكثر تركيزًا ووضوحًا عندما قال نحن نقاتل من بيت لبيت ومن متر لمتر، وتدور معارك فى منتهى العنف، ولا أدرى من أين يأتي البعض بالحديث عن حصار المدينة وأشياء أخرى لا أدرى، وهو هنا ربما ينتقد وسائل الإعلام الروسية الرسمية. وأشار إلى أن باخموت لن تتم السيطرة عليها غدًا، فالمعارك فى منتهى العنف، باختصار ما يحدث فيها هو "مطحنة" أو "مفرمة"، ولكى تعمل "المفرمة" من غير الممكن أن نأخذها فجأة ونبدأ الاحتفال، هذا الاحتفال لن يكون فى المستقبل القريب. وقال إن البعض يعطى إيحاء بأن أوكرانيا كلها هربت وأصبحت البلاد فارغة، وأننا هنا نقوم بقزقزة اللوز. أدعو الجميع اعملوا معنا، أدعو جميع من يرغب للانضمام إلينا ليأخذ البندقية وإلى المعركة، ولنأخذ العدو المحاصر من مؤخرته، هنا هو يدعو من يدعون حصار الأوكران فى باخموت، إن كانوا صادقين فيما يقولون. تصريحات بريجوجين مؤسس فاجنر تختلف كثيراً عن تلك المنتشرة فى وسائل الإعلام مؤخراً. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التفاؤل لم يأت من فراغ، وبعد أن استطاعت فاجنر السيطرة على "سوليدار" فى بداية يناير، تحركت خطوة بخطوة قاطعة خط الاتصال مع باخموت، ورغم استمرار الهجوم لأكثر من شهر إلا أنه لم يهدأ، وفى الأيام الأخيرة سيطر "الموسيقيون"، هكذا يسمون فاجنر أحياناً، على قرية "كراسنايا جورا" وأن الخطوة القادمة قرية باراسكوفييكا، وكلتا القريتين قريبتين من شمال باخموت. فى الرابع عشر من فبراير 2022، أعلن أن "الأوركسترا"، أيضاً اسم آخر لفاجنر الذي تسمى باسم موسيقار نمساوي شهير، سحق الدفاعات الأوكرانية على أرض مقبرة تقع جنوبالمدينة (باخموت)، فى الواقع استطاع مقاتلو فاجنر الضغط على العدو من الجنوب والشمال فى وقت واحد متجنبين الدخول للمدينة، والحركة استمرت مع الإعلان عن خسائر جسيمة تكبدها العدو، صاحب ذلك مبارزة وعوامل نفسية على خلفيتها جرت بين بريجوجين وكما تصفه وسائل رئيس الرايخ الأوكرانى لتشبيه الرئيس زيلينسكى بهتلر أوكرانيا. حينها دعا رئيس فاجنر الرئيس الأوكرانى أن يعطى أمرا بتسليم مدينة باخموت، حيث أعلن الرئيس زيلينسكى حينها عن أن هناك من يطلبون منا ترك مدينة باخموت، لكنه اعتبر هذه المدينة محور الحرب. مقدمة للانسحاب وفى التاسع من فبراير أعلن الرئيس الأوكرانى فى مقابلة مع مجلة "دير شبيجل" الألمانية أنه غير متفق مع ما هو منتشر فى الغرب على نطاق واسع بأنه من الأفضل للقوات الأوكرانية الانسحاب من باخموت، وعلق بريجوجين على مقولة الرئيس الأوكرانى باستهزاء عندما قال "يبدو أن المهرج (يقصد الرئيس الأوكرانى) قرر أن يحتفظ ببخاموت المدمرة حتى أخر جندى". لكن المحللين الغربيين لهم وجهة نظر أخرى وهم يشاهدون بانوراما المعارك والمساجلات، ويقولون "إن منع سفر المتطوعين لباخموت "أرتيومفسك الاسم الروسى لها"، يشى بأنه قد يكون مقدمة لتركها من قبل القوات الأوكرانية، ووفق نيويورك تايمز، فقد منعت أوكرانيا العاملين فى المجال الإنساني من دخول المدينة. فى واقع الأمر حديث بريجوجين المتشائم كان رداً لإحدى وسائل الإعلام عن معلومات ظهرت على وسائل التواصل الإجتماعى، تشير الأنباء إلى حصار حوالى 1500 من الجنود الأوكران فى باخموت، لكن إذا كان رجال فاجنر يتقدمون بالفعل وتتكبد القوات الأوكرانية خسائر فادحة، فإن زيلينسكى يجب أن يسأل عن أهمية الاحتفاظ بباخموت فى ظل الخسائر الفادحة بين قواته، وسيكون عليه الإجابة ليس فقط أمام قيادة الجيش الأوكرانى ولكن أيضاً أمام الممولين الغربيين. أين المشكلة المشكلة فى أن شركة خاصة بمفردها (فاجنر) تقود الهجوم فى باخموت فى مواجهة الجيش الأوكرانى، وهذا لا يعنى أن القوات المسلحة الروسية لا تفعل شيئا، فهى تقوم بقصف العدو فى قطاعات واتجاهات أخرى. لكن الهجوم الأكبر والأعنف تدور رحاه فقط فى منطقة باخموت، ليس فى "أوجلدار" أو خاركوف، حيث لم تستطع القوات الروسية إحداث اختراق هناك حتى الآن، بحيث تسبب للجيش الأوكرانى مشاكل لا يستطيع إنكارها، لهذا تمتلك القوات الأوكرانية إمكانية للمناورة باحتياطيها وتجدد دماء قواتها بشكل يومى تقريباً فى باخموت (ما تحدث عنه بريجوجين 300 500 جندى يومياً غير مجهدين) ورغم أن مجموعة الاقتحام مكونة من المساجين (مجندى فاجنر) والمحترفين المتعاقدين من العسكريين المدعومين من كافة أنواع الأسلحة الأخرى سواء الدبابات أو المدفعية أو قاذفات القنابل وحتى الطائرات القاذفة، فإن الجيش الأوكرانى يلقى بلحوم الجنود بلا ثمن. أهمية المدينة معركة باخموت هى عبارة عن معركة طاحنة فى أبهى صورها، ورغم أن الخبراء العسكريين قد أقروا بأن فقد أوكرانيا للمدينة لا تعتبر هزيمة مهمة فى المعركة، لأن القوات الأوكرانية يمكنها الانسحاب إلى خط دفاع آخر، يمر بمدن سلافيانسك – كراماتورسك – دروجكوفكا. وبالنسبة لروسيا كذلك السيطرة على المدينة لا تعتبر نجاحًا أو هدفًا استراتيجيًّا فى حد ذاتها، غير أنه بالنسبة لأوكرانيا أو لروسيا الانتصار فى هذه المعركة مع عمليات الشحن المعنوى أصبحت مسألة مبدأ، أو عض أصابع بين الطرفين المتحاربين. كل ما فى الأمر أن عام يمر على بدء العملية العسكرية فى أوكرانيا وكل طرف من طرفى النزاع يريد أن يحصى نجاحاته وإخفاقاته، المسألة ببساطة نفسية، هكذا السلوك الإنساني، والمتمثل فى أننا من آن لآخر يجب علينا النظر للخلف لتقييم المرحلة التى مررنا بها، ومن هنا فإنه لأوكرانيا من المهم، ألا يكون لدى روسيا نجاحات مهمة، أما روسيا فيهمها أن يكون لديها انتصار طازج على أعتاب مرور عام فهذا بلا شك يرفع من معنويات القيادات العسكرية، وهذا يفسر "المفرمة" التى تدور رحاها فى باخموت وحولها. انسحاب أوكرانيا وهنا يطرح سؤال مهم نفسه، وهو لماذا لا يسمح الرئيس الأوكرانى لقواته بالانسحاب إلى خط دفاعي احتياطى؟ خاصة أن المدينة لا أهمية إستراتيجية لها، وهنا يقول الخبراء العسكريون إنه لا يريد أن تكون مهمة قواته صعبة، وهو كذلك يريد أن يترك لقواته مساحة للمناورة والدفاع عن البلاد بعد ذلك فكل تخلى عن أرض يضيق المساحة المناسبة للدفاع خلف القوات الأوكرانية، ويقرب القوات الروسية من العاصمة والمدن الأوكرانية الكبرى مرة أخرى. لكن سر التفاؤل الذى اجتاح وسائل الإعلام الروسية بخصوص باخموت كان مرجعه هو سيطرة القوات الروسية على سيفيردنيتسك وليستشانسك وسوليدار، كل هذه المدن تركها الجيش الأوكرانى بعد أن أصبحت محاصرة من ثلاث جهات ولم يعد أمامها مفر، وعلى أى حال المعارك فى المدن تختلف عن الحرب فى الأرض المفتوحة، الحرب فى المدن حيث المبانى مسألة معقدة للغاية، ومن دروس الحرب الوطنية العظمى وعلى وجه الخصوص معركة ستالينجراد، نجد أن الدفاع عن منزل بافلوف استمر على مدى شهرين، فى الوقت الذى كان فيه قوات ألمانيا النازية تقوم بمحاولة اقتحامه مرتين كل يوم، ورغم ذلك استطاع المدافعون عن البيت الصمود لمدة شهرين. حصار باخموت ولهذا فإن على المتابعين الروس للعملية العسكرية ألا يفرطوا فى التفاؤل، ويجب على المواطنين الروس ألا ييأسوا وهم يتابعون الأخبار وألا ينتظروا أكثر ما هو مأمول وأن يتحلوا بالصبر، ويقول بريجوجين وهو يده فى العملية، إن السيطرة على باخموت على الأقل قد تكون فى مارس أو أبريل القادمين، ولكنه عاد وقال إن هذا غير مؤكد. وهاجم قيادة الجيش التى وصفها بالبيروقراطية وهو ما يفسره البعض بخلاف حاد بين الشركة الخاصة، والقيادات فى القوات المسلحة، واشتكى رئيس فاجنر من تأخر إمداده بالذخيرة والدعم اللوجستى، بل ذهب الجيش الروسى ووزارة الدفاع إلى أبعد من ذلك عندما تواترت أنباء عن أن الجيش هو من سيجند المسجونين ويتعاقد معهم، ورفض الجيش إمداد شركة بريجوجين بأفراد جدد، ويبدو لى أن الصراع المكتوم بين وزارة الدفاع الروسية وشركة فاجنر قد بدأ يطفو على السطح، وهو وإن كان ضارا فى فترة صراع وعملية عسكرية، إلا أنه أعاد الأمور إلى نصابها الصحيح، فمن غير المعقول أن تحتل شركة خاصة محل الجيش الروسى صاحب أهم انتصار فى القرن العشرين على ألمانيا النازية. رئيس فاجنر فى أخر حديث له قال إن باخموت يمكن حصارها فى شهر مارس أبريل، وأضاف إن الوقت ممكن أن يتأخر عن ذلك بسبب الأسلحة الثقيلة التى سيرسلها الغرب لأوكرانيا. وأضاف أن التنبؤ الآن صعب، وقال إنه سيدمر الدبابات ليوبارد التى سترسلها ألمانيا بنسبة 100%. تحدث رئيس فاجنر كذلك عن أنه كان يمكن السيطرة على باخموت قبل حلول عام 2023، لكن ما أعاق هذا بيروقراطيتنا العسكرية.