جاءت جوائز الدولة هذا العام لتؤكد في معظمها علي مبدأ القيمة والانحياز إلي الإبداع الحقيقي، فكثير ممن حصلوا علي الجوائز يستحقونها بالفعل – حتي وإن جاءت متأخرة – وكان الأحري أن ينالوها وهم في كامل الصحة والعافية أو علي قيد الحياة، كما حدث في «جائزة النيل» في الآداب والتي حصل عليها اسم الروائي الكبير الراحل إبراهيم أصلان، فأصلان واحد من كبار الساردين في العالم العربي، وهو – من وجهة نظري – من أسهل الكتاب المصريين في القراءة وأكثرهم إندماجا مع شخصياته التي يكتب عنها، فقد كان يمارس الكتابة كفعل يومي، من خلال معايشة حية، وهذا ما أكسب رؤيته مرونة ربما لم تتوفر لسواه، فقد كان يتأمل ليستشف الحكمة من مكمنها فيؤرخ للمهمشين بجملة واحدة، باستطاعته أن يختصر التاريخ في قصة قصيرة أن يعبر عن علاقات متشابكة في جملة سردية لا تتعدي سطرا واحدا، ربما يري البعض أنه كان يكتب من منطق بلاغي هو «الإيجاز بالحذف»، وأري أنه بناء قدير، أشبه بمثّال فرعوني في يده إزميل بسيط لكنه قادر علي استنطاق الحجر، لتتوالد صور مبهرة، يزيدها الزمان صلابة وقوة وجمالا وتماسكا. هو سوريالي بارع يحس بموسيقي الأشياء التي تنسكب علي الورق انسكابا، فكل إنتاجه القليل بالمقارنة بأبناء جيله وبالمقارنة برحلته الطويلة مع القلم والتي استمرت لأكثر من أربعين عاما يمثل حلقة فريدة من خصوصية الكتابة العربية بداية من مجموعته القصصية «يوسف والرداء» مرورا بأعماله «مالك الحزين» و«وردية ليل» و«عصافير النيل» و«خلوة الغلبان» و«حكايات من فضل الله عثمان» وغيرها. أما الروائي محمد البساطي – الحاصل علي جائزة الدولة التقديرية – فهو واحد من أهم روائيي الستينيات صاحب اللغة السلسة البسيطة والعميقة في آن، والتي ظهرت جلية في أعماله السردية مثل «التاجر والنقاش» و«المقهي الزجاجي» و«أسوار» و«صخب البحيرة» وغيرها من الأعمال التي أسست لذائقة جديدة في السرد المصري والعربي، وقد اهتم «البساطي» في أعماله بعلاقة الإنسان بواقعه المتغير، بداية من رصده للتحولات العاصفة التي شهدتها القرية المصرية، مرورا بالتعبير عن تجربة المصريين المغتربين في الخارج، كما في روايته البديعة «دق الطبول»، أو التعبير عن حالات انسانية مهمشة تعاني من وطأة الواقع كما في روايته الانسانية «فردوس». تتميز كتابة «البساطي» بالكشف والتعرية لألوان الزيف السياسي والاجتماعي عبر لغة تقترب كثيرا من نبض الشارع. أما الشاعر محمد ابراهيم ابو سنة – الحاصل علي جائزة الدولة التقديرية في الآداب – فهو أحد فرسان قصيدة التفعيلة في جيل الستينيات، صاحب اللغة الرومانسية الشفيفة والتي ظهرت جلية بداية من ديوانه الأول «قلبي وغازلة الثوب الأزرق» مرورا بدواوينه «رماد الأسئلة الخضراء» و«موسيقي الأحلام» و«البحر بيننا» وغيرها، وتتميز اللغة الشعرية لأبوسنة بطابعها الاستشرافي وليس أدل علي ذلك من قصيدته التي كتبها قبل هزيمة يونيو 1967 «نحن غزاة مدينتنا»، وهو أيضا أحد فرسان المسرح الشعري والذي قدم فيه مجموعة من المسرحيات منها «حمزة العرب» و«حصار القلعة» وغيرها. أما الكاتب المسرحي والروائي محمد سلماوي – الفائز بنفس الجائزة – فهو صاحب لغة مسرحية راقية تتميز بنقد شديد لحالات الاستلاب الواقعي كما في مسرحيته «الجنزير»، وتتميز أعماله القصصية والروائية بطابع المقاومة كما في روايته الأخيرة «أجنحة الفراشة» بالإضافة إلي كتبه عن عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، كذلك جهده الملحوظ في العمل الثقافي العام من خلال رئاسته للاتحادين المصري والعربي للكتّاب. أما الكاتب المسرحي البارز محمد أبوالعلا السلاموني الفائز بجائزة التفوق في الآداب فتتميز كتاباته المسرحية بالبحث في التراث المصري من خلال التأكيد علي فكرة الهوية والشخصية المصرية النهضوية تجلي ذلك واضحا في مسرحياته المختلفة ومنها «رجل القلعة» وأعماله التليفزيونية مثل مسلسل «جمهورية زفتي» ومسرحيته الأخيرة التي كتبها عن الثورة المصرية تحت عنوان «الحب في ميدان التحرير». أما الروائية والقاصة هالة البدري – الفائزة بجائزة التفوق – فتنحاز لغتها السردية للبعد الإنساني كما في روايتها «ليس الآن»، وتتميز ببعد فلسفي عميق. أما الشاعر حسن طلب الفائز بجائزة التفوق في الآداب، فهو أحد أبرز شعراء جيل السبعينيات صاحب اللغة الجزلة التي تستفيد من التراث بقدر استفادتها من الواقع. تجلي ذلك – بوضوح – في دواوينه «وشم علي نهدي فتاة» و«لا نيل إلا النيل» و«عاش النشيد» و«سيرة البنفسج» وغيرها، بالإضافة إلي أنه أحد المؤسسين لجماعة إضاءة 77، والتي أسهمت بشكل واضح في تغيير الذائقة الشعرية. أما السيناريست وحيد حامد الحاصل علي جائزة النيل في الفنون فهو أحد أعمدة الدراما التليفزيونية والسينمائية التي تنحاز إلي الشخصية المصرية تجلي ذلك في أعماله «أوان الورد» و«الجماعة» بالإضافة إلي أفلامه مع عادل إمام ومنها «الإرهابي» و«الإرهاب والكباب» و«عمارة يعقوبيان»، وتتميز اللغة الدرامية لوحيد حامد بالصدامية من أجل الكشف عن كل ما يعتري الواقع من زيف، بلغة تزاوج بين السياسي والاجتماعي. وبالمثل تبدو اللغة السينمائية للمخرج محمد كامل القليوبي – الحاصل علي جائزة الدولة التقديرية في الفنون – فهو مخرج مثقف، ومن قادة الحركة الطلابية في جيل السبعينيات، بالإضافة إلي عمله الأكاديمي كأستاذ لمادة الإخراج بأكاديمية الفنون. ويأتي حصول المخرج المسرحي الكبير حسن عبدالسلام علي الجائزة التقديرية تقديرا لدوره في تطوير المسرح الكوميدي في مصر منذ منتصف الخمسينيات حتي الآن. ومن الفائزين بالجوائز الذين يستحقون التحية والتقدير أيضا د. أحمد السيد النجار الباحث الاقتصادي المتميز، ود. عمار علي حسن الروائي والباحث السياسي والاجتماعي صاحب المؤلفات المتعددة. وبعد.. أعتقد أن جوائز هذا العام.. معظمها ذهبت لمن يستحق.