محافظ أسوان يشهد حفل التخرج السنوي لمدارس النيل المصرية الدولية    أسامة الأزهري: وجدان المصريين السني رفض محاولة المد الشيعي    مدبولي مهنئا السيسي بعيد الأضحى: أعاهدكم على استكمال مسيرة التنمية والبناء    «التعليم» تحدد حالات الإعفاء من المصروفات الدراسية لعام 2025 الدراسي    عضو لجنة الرقابة الشرعية: فنادق الشركات المقدمة للخمور تنضم لمؤشر الشريعة بشرط    12 يونيو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 12 يونيو 2024    البورصة المصرية تطلق مؤشر الشريعة "EGX33 Shariah Index"    محافظ الغربية يتابع مشروعات الرصف والتطوير الجارية ببسيون    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لشركة «ألف للتعليم القابضة» بقيمة 515 مليون دولار في سوق أبو ظبي للأوراق المالية    محافظ الفيوم يوجه بتشكيل لجنة للمرور على كافة المصانع    إسرائيل تهاجم لجنة تحقيق أممية اتهمتها بارتكاب جرائم حرب في غزة    أ ف ب: لجنة تحقيق أممية تتهم إسرائيل و7مجموعات فلسطينية مسلحة بارتكاب جرائم حرب    الكويت: أكثر من 30 حالة وفاة وعشرات الإصابات في حريق جنوب العاصمة    رئيس الوزراء اليوناني: تيار الوسط الأوروبي لديه الزخم للتغيير بعد انتخابات البرلمان الأوروبي    اليونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة يواجهون خطر الموت أمام أعين عائلاتهم    أيمن يونس: الموهبة في الزمالك بزيادة.. ولدينا عباقرة في المدربين    سر البند التاسع.. لماذا أصبح رمضان صبحي مهددا بالإيقاف 4 سنوات؟    بيراميدز يرد على مطالب نادي النجوم بقيمة صفقة محمود صابر    خلال 24 ساعة.. تحرير 562 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    وصول سفاح التجمع محكمة القاهرة الجديدة لنظر محاكمته وسط حراسة أمنية مشددة    إصابة 34 راكبا إثر انقلاب أتوبيس برأس سدر    الذروة 3 أيام.. الأرصاد تحذر من موجة حارة تضرب البلاد في عيد الأضحى    مناسك (6).. الوقوف بعرفات ركن الحج الأعظم    والدة طالب الثانوية الذي مُنع من دخول امتحان الدين ببورسعيد: «ذاكروا بدري وبلاش تسهروا»    ماس كهربائي.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العمرانية    حسام حبيب يُهنئ شيرين وخطيبها ويهديها أغنية    أفضل أدعية يوم عرفة.. تغفر ذنوب عامين    توقيع بروتوكول تعاون ثنائي بين هيئة الرعاية الصحية ومجموعة معامل خاصة في مجالات تطوير المعامل الطبية    رئيس إنبي: لم نحصل على أموال إعادة بيع حمدي فتحي.. وسعر زياد كمال 60 مليون جنيه    ترتيب مجموعات أفريقيا في تصفيات كأس العالم بعد الجولة الرابعة    بايدن يدرس إرسال منظومة صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا    تفاصيل مشاجرة شقيق كهربا مع رضا البحراوي    تعرف على التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    بدأ مشوار الشهرة ب«شرارة».. محمد عوض «فيلسوف» جذبه الفن (فيديو)    طفرة تعليمية بمعايير عالمية    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    دار الإفتاء: يجوز للحاج التوجه إلى عرفات فى الثامن من ذى الحجة يوم التروية    "مقام إبراهيم"... آيةٌ بينة ومُصَلًّى للطائفين والعاكفين والركع السجود    مصطفى مدبولى يهنئ الرئيس السيسى بعيد الأضحى المبارك    احذري تعرض طفلك لأشعة الشمس أكثر من 20 دقيقة.. تهدد بسرطان الجلد    وزير الصحة: تقديم كافة سبل الدعم إلى غينيا للتصدي لالتهاب الكبد الفيروسي C    أفلام عيد الأضحى تنطلق الليلة في دور العرض (تفاصيل كاملة)    موعد مباراة سبورتنج والترسانة في دورة الترقي للممتاز والقنوات الناقلة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: موقف السيسي التاريخي من العدوان على غزة أفشل مخطط التهجير    ماذا يحدث داخل للجسم عند تناول كمية كبيرة من الكافيين ؟    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    «الزمالك بيبص ورا».. تعليق ناري من حازم إمام على أزمة لقب نادي القرن    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غوص في بحر الأدب.. الدكتور/ أسامة حمدي – الدكتور/ رؤوف النفيس
نشر في الأهالي يوم 12 - 02 - 2022


"قصة الأمس بين كبرياء الكلمات ووقار اللحن"
الدكتور/ أسامة حمدي – الدكتور/ رؤوف النفيس
علي غرار البرنامج الرائع للراحل عمار الشريعي، الذي تكلم عن ابداعات الموسيقى والألحان
كانت كتابات ..الطبيبين الكبيرين والاستاذين الجامعيين …المنصوريين أسامه حمدي و رؤوف النفيس.
———————————
قصة الأمس ليست قصيدة وتمر إنها عصير وجدان شاعر فوق الأوراق، احس بكلماتها بعمق عملاق الموسيقى رياض السنباطي فقدم لحنًا مذهلًا، وغنتها كوكب الشرق بابداع لا يوصف كما لم تغني من قبل. وفهمها جمهورها رغم صدمة كلماتها ولكنها خطت لعصر جديد للمرأة يحفظ كرامتها من أن يلمسها مخادع...وكانت هذه رسالة الفن في عصر عمالقة الطرب.
تعد قصة الأمس علامة فاصلة في تاريخ أم كلثوم بل وفي تاريخ مصر الاجتماعي ككل! فلقد اعتادت أم كلثوم طوال فترة الأربعينات والخمسينيات في تناولها لأمور الحب وفي تفاعلها مع هفوات الحبيب وسقطاته على أسلوب أحمد رامي الذي يتعامل دائما مع الحبيب كالعاشق الولهان، بالحب الخالص، والإخلاص الشديد، وتعمى عيناه تمامًا عن عيوب حبيبه و لا يلمح في تصرفاته أي تقصير أو إهمال. فلا يعاتبه إن هجر ولا يلومه إن خان بل ويختلق له دائمًا الحجج والأعذار. وكانت أغانيها مليئة بالسهد والشجن والرجاء والتضرع والحرمان وكلها علامات على ضعف المرأة وانكسارها وارضاء لرجولة الرجل الشرقي في مجتمع كانت النساء المتعلمات فيه لا تتعدين 10٪؜ من إجمالي النساء قبل الثورة وكما تقول أمثالنا "ضل راجل ولا ضل حيط". ومثال ذلك من أغاني رامي "يا طول عذابي"1939، "رق الحبيب"1944، "حقابله بكره"1946، غلبت أصالح في روحي"1948، "يالي كان يشجيك أنيني" 1949، "سهران لوحدي"1950، "جددت حبك ليه" 1952، "يا ظالمني"1954
...............
ولكن يبدو أن أم كلثوم الذكية والحساسة قد استشعرت تغيرات العصر الجديد وملامحه التي أعطت الكثير من الحقوق للمرأة المصرية وخاصة في التعليم والعمل، فقررت أن تعامل الرجل بالندية المطلوبه في هذا العصر بل وبقسوة غير معتاده وتقتص منه بلا رحمه لقاء جبروته وتحكمه. لجأت أم كلثوم لغير رامي ليحققوا لها ما تريد. وكان لقاؤها الأول والاخير مع أحمد فتحي الذي كتب لها "قصة الأمس" عام 1958، ثم عبد الوهاب محمد الذي كتب لها "حب إيه اللي إنت جاي تقول عليه" عام 1960، وعبد الفتاح مصطفى الذي كتب لها "لسه فاكر كان زمان" عام 1960، ثم عادت لعبد الوهاب محمد ليكتب لها "حسيبك للزمن.. تشكي مش حسأل عليك.. تبكي مش هرحم عنيك" عام 1962. ما هذا التحول الكبير؟ وما هذه الجرأة والجسارة؟ وما هذه القوة والقسوة يا ثومة؟
...............
كانت "قصة الأمس" أولى صفعات أم كلثوم على وجه الرجل الشرقي لتذكره بأن للمرأة في هذا العصر الجديد كلمة فاصلة وموقف صارم فإياك أن تجرح كبرائها أو تفكر حتى أن تلمس كرامتها. والأغنية غنتها أم كلثوم في 6 فبراير 1958، أى في شهر الوحدة بين مصر وسوريا لتكوين الجمهورية العربية المتحدة. وإن كان استقبال الرجل الشرقي المصري في الاقليم الجنوبي لكلمات الأغنية مشوبًا بالحذر فإن الرجل الشرقي السوري في الإقليم الشمالي كان رافضًا تمامًا لها وظهر ذلك واضحًا كما ذكرنا بعد أن غنت أم كلثوم بعدها بعامين في 1960 وبنفس المعنى "لسه فاكر" مما دفع الشاعر السوري نزار قباني ليقدم أولى قصائده المغناه "أيظن" والتي اراد فيها عودة المرأة مرة ثانية ذليلة في حبها عند عتبات الرجل الشرقي المتجبر وثارت نساء مصر على الأغنية واعتبروها إهانة للمرأة الجديدة وطالبوا بمنع اذاعتها.
...............
لنبحر الآن معًا في بحر الكلمات. والسؤال: ماذا تفعل المرأة العصرية إذا وجدت أن حبها الكبير الذي أعطته كل حياتها وقلبها وروحها قد خفت بعيدًا وزال بريقه؟ وما تصرفها إن وجدت حبيبها قد خان حبها وخانها وسقط في غرام جديد؟ هل تتضرع اليه؟ هل تستجديه أن يعود؟ هل تنزوي مكسورة على قلبها وتسكت كما اعتادت؟ هل تتلقى الطعنة وتبقي ساكنة وحبها يتهاوى أمام عينيها؟ هذا ما أراد الشاعر أحمد فتحي أن يقوله على لسانها كأفضل محامي عن حقوق المرأة في عصرها الجديد. لقد قررت وبكل شموخ وإباء ألا تعود اليه مهما استرحمتها دقات قلبها المتيم بحبه. صراع فريد بين العقل الواعي والقلب الرقيق ينتصر فيه العقل على القلب حين يذكر للقلب مبررات موقفه الصارم. فيقول في مقدمة دفاع: هذا الحبيب هو الذي صد هذا الحب الكبير وتملل منه ثم طعنه وخانه!!! هل يا قلب تقبل أن تعود اليه؟ هل ستسترضيه؟ هل ستسترحمه؟ هل ستغفر له؟ الى متى ستبقى ذليلًا خانعًا؟ فيرد القلب "عندك حق" لن أتسامح مع هذا الخائن ولن ألبى دعوته للتصافي....لا...لا لن ألبي!!!!
أنا لن أعودَ اليك مهما اسْتَرْحَمَتْ دقاتُ قلبي
أنتَ الذي بدأ الملالةَ والصُّدودَ.... وخانَ حُبّي
فاذا دعوتَ اليومَ قلبي للتصافي.....لا لن يُلبِّي
...............
وشاعر الكرنك (قصيدة عبد الوهاب الشهيرة) عاش حياة صعبة فيها اليتم والحب والفراق والجيب الخاوي وحتى الادمان ثم الاكتئاب واليأس فقد تعرض في حياته الخاصة لظروف نفسية قاسية ومنها أن زوجته الإنجليزية قد هجرته فجأة وأخذت معها أولادهما ورحلت إلى إنجلترا فذاق الرجل معنى الهجر والغدر والخيانة كما لم يعشهم غيره. لذا فانه حين يتكلم بحرقة عن وهم الحب ومر الخيانة يأسرك بكلماته، فهذه المرأة القوية كانت تحب بكل جوانحها وكان حبيبها أمل دنياها ودنيا أملها، وكيف لا وهو غرامها الأول الذي أفرح قلبها فدق له ومعه لأول مرة. فلقد فَتَحت عيناها بهذا الحب وكان حبيبها هو نورها التي رأت به لأول مرة جمالها وفتنتها، فأصبح روحها وكل حياتها وسر سعادتها ولم تكن تظن يومًا أن يخمد هذا الحب أو ينتهي…
كنتَ لي.....أَيّامَ كانَ الحبُّ لي
أملَ الدُّنيا.............ودُنيا أَملي
حينَ غنَّيتُك........ لحنَ الغزلِ
بينَ افراحِ الغرامِ...........الأوّلِ
وكنتَ عيني.........وعلى نورِها
لاحتْ أزاهيرُ الصِّبا.. والفُتون
وكنتَ روحي....هامَ فى سرِّها
قلبي ولم تُدرِكْ مداه الظُنون
...............
ويستمر محامي العقل في دفاعه ليوضح كيف أخلف هذا الحبيب كل الوعود التي قطعها يومًا، فهو الذي قال أن الحب بينهما هو الرضا به وصفاء القلب له، وهو الذي قال لها أن البعاد بينهما ليس الا بشرى بقرب اللقاء، فاذا به يخلف كل وعوده وعهوده بعد أن وقع في حب جديد أعمى قلبه وأزاغ روحه! لقد ضاع حبها رغم تضرعها لهذا الحب وتوسلها اليه أن يبقى في قلبها، وانتهى برغم انشغالها عليه والسهر حزينة على ما آل إليه. الآن ضاع كل شئ حتى النغمة الباقيه من خيالها وتلهفها وشوقها اليه لم تعد موجودة الآن بعده…..!!!
وعدتني أنْ لا يكون الهوى ما بيننا..الا الرِّضا والصَّفاء
وقلتَ لي انَّ عذابَ النَّوى بُشرى توافينا بقُربِ اللقاء
ثمَّ أخلفتَ وعوداً...... طابَ فيها خاطري
هل توسَّمْت جديداً....... فى غرامٍ ناضرِ؟
فغرامي راح......... يا طولَ ضَراعاتي اليه
وانشغالي فى ليالي السُّهد والوَجْدِ عليه
كانَ عندي وليسَ بَعْدَكَ عِندي
نعْمَةٌ .... من تصوّراتي ووجدي
...............
الآن وقت الندم! لا أعرف ماذا ستقول لنفسك بعد ابتعادي عنك وزهدي فيك. لقد انتصرت لكبريائي أيها المغرور وهذا مما لا شك صدمة لم تتوقعها أو تحسب حسابها. الآن عش كما تبغى قريبًا أو بعيدًا لم يعد يهم! أنا أعرف أني سأعيش مجروحة حزينة على الوعود والليالي التي ضاعت في جحودك، وفي لقائك ووداعك وسأشعر بالوحدة ولكني أبدًا لن أعود اليك!
يا تُرى....ما تقولُ روحُك بعدي
فى ابتعادي.. وكبريائي وزُهدي
عِشْ كما تهوى..قريباً او بعيدا
حَسْبُ ايّامي جراحاً ونواحاً ووعودا
ولياليَّ ...........ضَياعاً...... وجُحودا
ولقاءً ووداعاً.... يتركُ القلبَ وحيدا
...............
وهنا يصل الشاعر الى قمة تعبيره عن الأسى والحزن الذي يدمي القلب معه فهو يصور الحبيبة ساهرة دامعة العينين مع ذكرياتها الأليمة ودمعها قد أخبت الضوء في عيناها! وتخرج من صدرها آه حارقةً كاويةً لقلبها وهى تتذكر كيف عاشت سنينًا في هذا الوهم. والآن رغم أنه أصبح ماضيًا الا أن الذكري تعاودها حينًا بعد حين لتصيبها بالحزن على العمر الذي مر في هذا الخداع. ولأول مرة نرى الكلمات تعبر عن الاكتئاب بصورة لم نعهدها في الشعر وكأن الشاعر يُشَرِّح مشاعره الشخصية حين يقول ما زلت اناجي قصة الأمس وأحلام غدي التي ضاعت والأماني التي كانت يومًا راقصة في معبدي، ولكن ها أنا بماذا انتهيت؟ ليس الا نارًا مشتعلة في مرقدي تقض راحة نومي، فما بقى من قصة الامس سحابات خيال غائمة للأبد جعلتي لا أعرف كيف أخرج منها ومن حزني وإكتئابي! ايها الحب الضائع وداعًا لوهمك وأيها الحبيب الخائن أقولها لك ثانية: أنا لن أعود اليك ....قرارًا لا رجعة فيه بعد اليوم….
يَسْهَرُ المِصباحُ والأقداحُ والذكرى معي
وعيونُ الليل...... يَخبو نورُها فى أَدمُعي
يا لذِكراك التي عاشتْ بها روحي على الوهمِ سنينا
ذهبتْ من خاطري...الا صدى يعتادُني حيناً فحينا
قصّةُ الأَمس أُناجيها وأحلامُ غَدي
وأمانيُّ حسانُ رَقَصَتْ فى مَعْبَدي
وجراحٌ مُشعلاتٌ نارَها فى مَرْقدي
وسَحاباتُ خيالٍ ........غائمٍ كالأبدِ
أنا لن أعودَ اليك مهما اسْتَرْحَمتْ دقّاتُ قلبي
أنتَ الذي.... بدأ الملالةَ والصُّدودَ وخانَ حُبّي
فاذا دعوتَ اليومَ قلبي للتصافي.....لا لنْ يُلبّي
...............
أما عن اللحن فالسنباطي ملحن شديد الحساسية للكلمة، عميق الإحساس بها. لا يرص ألحانا والسلام وإنما يصنع موسيقى تصويرية لكل جملة شعرية فيُطرِب ويُخرِج العمل بإتقان شديد. والسنباطي هو السنباطي، طريقته في التلحين واضحة المعالم. تعدد المقامات عنده لا يخفى على أحد. يعبر عن كل موقف بجملة لحنية مختلفة. إختار السنباطي للقصة مقام النهاوند شديد الوقار والهدوء والإحترام. مقام غير تطريبي، لا يحتوي على نغمات شرقيه (ثلاثة أرباع التون)، مقام يناسب الموقف العصيب الذي يواجه فيه الحبيب المخطئ غضب من كان حبيبه. لم يكن السنباطي نمطيا في بناء الهيكل الأساسي للحن.
...............
مقدمة موسيقية أعقبها المذهب، ثم الكوبليه الأول تسبقه مقدمة موسيقية، ولكنه بعد ذلك لم يلتزم بتقسيم واضح لكوبليه ثاني ولا لكوبليه ثالث بل صنع مقاطع غنائية متعاقبة. خدعنا السنباطي ببدأ المقدمة الموسيقية بجملة رقيقة هادئة بطيئة مخملية الملمس دافئة الإحساس لمجموعة آلات التشيللو لم تستغرق أكثر من عشر ثواني وكأنه يشرح للمستمع لقصته كيف كانت الأمور تسير بين الحبيبين بسلاسة وتوافق وهدوء. ثم بدأت الغيوم تظهر، عزفت الوتريات جملة تمهيدية بسيطة ثم تحولت إلى التريمولي (إهتزاز القوس على الوتر بتتابع قصير وسريع) تعبيرًا عن التوتر الذي ساد الأجواء، بينما أخذ القانون يعزف منفردًا ووراءه هذه الخلفية، ثم إجتمعت الوتريات وعزفت مع القانون لحنًا تصاعديًا إنتهى بدخول إيقاع الواحدة الكبيرة لأول مرة حيث أن كل ما سبق َكان بنظام الإدليب (بدون إيقاع)، وعزفت الفرقة جميعها اللحن الختامي للمقدمة وسلمت الراية لأم كلثوم لتبدأ الغناء.
...............
بدأت أم كلثوم من حيث تنتهي الأبحاث العلمية بالخلاطه conclusion، أي بخلاصة الكلام أو بقرارها الذي أتخذته "أنا لن أعود إليك"!!! وذلك من قبل حتى أن تحكي لنا حيثيات الحكم وبدون أن تستمع لهيئة الدفاع. قالتها بهدوء وثقة وعظمة وكبرياء، ثم توجهت للحبيب الغادر لتنبهه وتحمله مسؤولية ما حدث قائلة. "أنت الذي بدأ الملالة والصدود وخان حبي". وتحولت أم كلثوم من النهاوند للبياتي لتقول للحبيب: "فإذا دعوت اليوم قلبي للتصافي" وتتحول إلى مقام الراست لتختم "بلا.. لا.. لن يلبى". بالله عليكم ركزوا في أداء أم كلثوم لحرف "لا" وكيف قالته من الحلق العميق بحدةٍ وغضب وتصميم على الإمتناع عن أن تلبي.
...............
في العادة يبدأ الملحنون المذهب أو الكوبليه من مقام ثم يدلفون إلى مقامات أخرى ولكنهم يعودون للمقام الذي بدأوا به ويختمون به ولكن السنباطي هنا بدأ من النهاوند وختم من الراست. ثم تمادى وبدأ الكوبليه الأول منه، "كنت لي أيام كان الحب لي" من مقام الراست المبهج المطرب لأن أم كلثوم في المحاكمة أرادت أن تُذكِّر المتهم بأنه كان في البداية أمل الدنيا، غنا سويًا وفرحا سويًا. تدخل الوتريات لتعطي أم كلثوم فرصة لإلتقاط الأنفاس لتكمل بعدها "وكنت عيني حتى تختم بولم تدرك مداه الظنون". ثم تعيد أم كلثوم "أنا لن أعود إليك برعشة" خفيفة، وشجاعةً مصطنعة وبلحن مخالف للحن البدايه لتختم "بلا لن ألبي".
...............
يعود القانون مرة ثانية ليعزف مقدمة الكوبليه التالي مع الوتريات وتغني أم كلثوم بدون إيقاع ومن مقام النهاوند "وعدتني ألا يكون الهوى"، ثم تتحول إلى مقام الماجير (العجم) عند "بشري توافينا بقرب اللقاء". يدخل إيقاع الرومبا ليصاحب لحن "ثم أخلفت وعودًا" حتى "وإنشغالي في ليالي السهد والوجد عليه" وهى قفله حراقة من قفلات أم كلثوم المميزة والتي تنتزع التصفيق والإعجاب.
...............
تدخل الوتريات وتعزف مقدمة رصينة، إدليب من مقام الكرد لتغني أم كلثوم "كان عندي وليس بعدك عندي"، وفي الإعادة تنهي الوتريات الجملة بالركوز على النهاوند لتغني الست "يا ترى ما تقول روحك بعدي؟"، ثم تدلف لمقام النوا أثر وتغني "عش كما تهوى" حتى "يترك القلب وحيدًا". تعزف الوتريات جملة متقطعة وتأتي في نهايتها لتنهيها من مقام البياتي لتغني ثومه "يسهر المصباح والأقداح" لتتحول بعد ذلك لمقام الصبا الحزين وكأنها تندب وتولول "يالذكراك التي عاشت بها روحي". يتوقف الغناء لتردد أم كلثوم عنوان الأغنية بتؤدة و تأمل. "قصة الأمس"، وترد عليها الوتريات بطريقة النبر (قرع الأوتار) ثم تكمل "أناجيها"، فترد الوتريات بنفس الطريقة، ثم تقول: "وأحلام غدي"، فترد الوتريات بعزف طبيعي فتكمل ام كلثوم "وأماني حسان" وتتحول إلى الراست عند "وجراح مشعلات" ويعود السنباطي ويحاورنا ويعود إلى النهاوند في "وسحابات خيال" حتى "للأبد". تختم أم كلثوم الأغنية "بأنا لن أعود إليك" الثانية، حتى تصل إلى "فإذا دعوت اليوم قلبي للتصافي لا لا لن يلبى". بالله عليكم ركزوا مع "لا...لا!" عظيمة بحق يا ثومه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.