ستكمل ما بدأناه في العدد الماضي حول المسيرة المباركة للجمعية الشرعية فنقول : في هذه الفترة الحالكة. وأمام هذه السياسة المضللة الظالمة. والقوة القاهرة التي لم تقابلها قوة رادعة. استسلم بعض الساسة. وتبعهم المنافقون. وبدأوا يسيرون في فلك المستعمر ينادون بالإصلاح علي طريقة الغرب ومناهجه وحضارته. متخذين من قوته العسكرية. وتقدمه المادي حجة في ضرورة السير خلفه حذو النعل بالنعل. وظهر من منهجه بالإصلاح وفق المنهج الغربي علي خطوات ممنهجة: الخطوة الأولي منها توحيد القضاء المصري علي القوانين الفرنسية. وتركيز مناهج كليات الحقوق علي دراسة القانون الفرنسي وتهميش الشريعة الإسلامية بحيث تقتصر دراستها علي المواريث والأحوال الشخصية. والخطوة الثانية والتي لم تتحقق حتي الآن- وندعو الله ألا تتحقق- توحيد التعليم وإلغاء الأزهر. وتطوير المناهج التعليمية علي النسق العلماني الذي يفصل الدين عن واقع الحياة وتربية الأجيال. أما الخطوة الثالثة فتجفيف منابع الإرهاب علي أن الإسلام هو دين الإرهاب لهم إذا قوي أتباعه. كيف الخلاص؟: وكان من رحمة الله بهذا الشعب المؤمن أن قيض له من العلماء الفاقهين من رأي أن المسلمين يُدفعون دفعًا إلي نفق مظلم تنطفئ فيه أنوار السماء وتساق الرعية فيه مغمضة الجفون بلا إرادة إلي أن يكونوا عبيدًا يسامون من أسيادهم سوء العذاب. ويستخدمونهم في أغراضهم الدنيئة: ينهبون خيراتهم. ويستنفدون طاقاتهم في خدمة أسيادهم ويشيعون الفاحشة بين شبابهم وفتياتهم ويفتحون أبواب الدعارة علي مصراعيها جهارًا نهارًا. ويمارسون عليهم ما تدعو إليه أحقادهم الدفينة التي توارثوها من أسلافهم المهزومين من صلاح الدين ومن قبله من الخلفاء الراشدين. وكان من رأي الحكماء أن ما حدث لم يكن ممكنًا حدوثه لولا ما أصاب المسلمين من وهن وضعف في إيمانهم. وما شاب هذا الإيمان من بدع وخرافات التصقت بالدين. وصرفت همم المسلمين عن اتخاذ أسباب القوة التي كانت كفيلة بصد هذه القوي الخارجية. وسحق هؤلاء الخونة المنافقين الذين ساعدوهم وآزروهم. واتجه هذا الفريق إلي التربية الدينية الصحيحة. وتنحية البدع والتقاليد والخرافات التي ألصقها المغرضون بشعائر الإسلام من أيام الفاطميين الذين استهدفوا صرف طاقات المجتمع وهممه في مجال يُشغلون به عن التفكير في المظالم التي يرتكبونها في حق الأمة. ومن هذا الفريق المصلح الملهم المجدد الراشد والعالم الفاقه الإمام الشيخ: محمود محمد خطاب السبكي الذي تكاملت عنده الرُّؤي. وفقه الواقع. مع ما حصله من علوم الدين- بعمق وأصالة- من معينه الصافي حينذاك في الأزهر الشريف. وما تميزت به شخصيته من تطبيق كل ما تعلمه من أحكام شرعية علي نفسه أولا. ثم علي أهل بيته وأحبابه وزملائه منذ بدأ طلب العلم. فكان بذلك أهلاً لأن يلهمه الله أن يكوّن جمعية دعوية مستقلة. تحمل علم التعاون في بناء الشخصية المسلمة السوية علي منهج السلف الصالح» إيمانًا منه بأنه ¢لا يُصلِح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها¢. وسماها ¢الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية¢ إشارة واضحة وشعارًا ملزمًا يحتم علي المنتمين إليها أن يتجهوا إلي العمل الجماعي القائم علي الشرعية والالتزام بأحكام الشرع الحنيف واستصحاب توجيهاته وأحكامه في أي تحرك إصلاحي سواء كان دعوة إلي الله أم كان عملاً صالحًا يسد ثغرة. أو يرفع حرجًا. أو يضيف إلي قوة البنيان لبنة. ثم هي جمعية تتبني التعاون بين القوي الفاعلة والنفوس الصافية ممن حوّل الأقوال إلي أفعال. وممن نجا من الازدواجية بين ما يعتقده وما يباشره في دنيا الواقع. أي ممن رضي بالإسلام دينًا وبالقرآن منهجًا ودليلاً. وبمحمد صلي الله عليه وسلم سراجًا منيرًا. ذلك أنه ما أخر المسلمين وما أضعف كيانهم إلا كثرة الكلام وقلة العمل. وكم من عالم أحاط بتعاليم الإسلام وحقائقه ولم ترتفع همته إلي تطبيق ما تعلمه. ودعوة غيره إلي ما استبصره. لذا أصر الشيخ المؤسس علي أن يتضمن اسم الجمعية هدفها ليتنحّي عن مسيرتها أصحاب الشعارات الرنانة والجذابة ثم لا تري منهم إلا كلامًا معسولاً لا يصدقه جهد مبذول. أو عمل راشد مقبول. تأسست هذه الجمعية المباركة في غرة المحرم من العام الواحد والثلاثين بعد الثلاثمائة والألف من هجرة المصطفي صلي الله عليه وسلم. الموافق للحادي عشر من ديسمبر من العام الثاني عشر بعد التسعمائة والألف من ميلاد المسيح عليه السلام. فكانت بذلك أول جمعية منظمة تدعو إلي إحياء السنة وإماتة البدعة. فاستحق مؤسسها بأن يطِلق عليه أتباعه ¢إمام أهل السنة¢.