عندما تحسست طريق مشاعري ناحية الكتابة اعتبرت اللغة نوعاً من العزف علي بيانو نستمتع به لذاته . فمارست رقابة موسيقية شديدة علي تشابك الحروف والكلمات لتحافظ علي الوزن والرنين. لكن فيما بعد تخلصت من هذه الأفكار. وكسرت حواجز الحدود بين ما أكتب وما يقوله الناس. فالجمال لا يطلب لذاته وإنما يطلب لنفعه وإلا صرنا عبدة أوثان منحوتة من الكلمات . أما الكلمة التي توقفت عندها طويلاً وشعرت بأنها مثل فرس جامح تصعب السيطرة عليه فهي كلمة ¢ بدعة ¢ إنها الكلمة التي تفتح أبواب الجدل والشجار بين المسلمين وتجعلهم في حالة نفور دائم وكأنهم في حالة مزمنة من حالات الحرب الأهلية. فكل من أراد أن يحرم علينا شيئاً وصفه بالبدعة . وكل من أراد أن يجعلنا نمشي علي الأشواك والمسامير والزجاج المكسور وصف ما نفعل بأنه بدعة. ولأن الناس يحرصون بشدة علي دينهم ويتفانون فيه فإنهم يخشون علي أنفسهم من البدعة . كل ما لم يكن معروفاً في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام اعتبرناه بدعة .. وخشينا علي أنفسنا منه. فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ¢ إياكم ومحدثات الأمور فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ¢ وقوله صلي الله عليه وسلم : ¢ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ¢ أي مردود عليه . لقد استخدم هذا الحديث الشريف في إخراج المسلمين من العصر الذي نعيش فيه . فبدأ بعضنا ونحن في عصر الفضاء والإنترنت والكمبيوتر وكأنه ينتمي إلي عصر الكهف. وقد راح كل منا يناقش كل مظهر من مظاهر هذا العصر علي أنه بدعة. وتورطنا في تفاصيل كل شئ علي حدة . فتاه الناس وتهنا معهم . وضاع الناس ولحقنا بهم . فقد خلت المناقشة من تعريف للبدعة نقيس عليه كل ما يصادفنا من مظاهر . خلت من القانون والقاعدة . والميزان. وللحديث بقية.