بعد أيام قليلة يستقبل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها العام الهجري الجديد 1436 . الذي لا تطبقه بشكل رئيسي إلا دولة وحيدة في العالم هي المملكة العربية السعودية . وقد أثبتت الدراسات الميدانية .. ويؤكد الواقع الحياتي الذي نعيشه أن الغالبية العظمي من المسلمين من مختلف الأعمار والمستويات التعليمية يجهلون هذا التقويم الهجري الذي يعد احد مقومات التعبير عن هوية الأمة .. من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي نلقي فيه الضوء علي تاريخ التقويم الهجري وأهميته وكيفية معالجة القصور الحالي في التعريف به ودور الأسرة في ذلك باعتبارها المحضن الأول للأجيال؟ في البداية يوضح المؤرخ الإسلامي الدكتور مجاهد الجندي . أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر .أن التقويم الهجري القمري أو التقويم الإسلامي يعتمد علي دورة القمر لتحديد الأشهر. ويستخدمه المسلمون في كل مكان خصوصاً في تحديد المناسبات الدينية وقد أنشأه الخليفة عمر بن الخطاب حيث جعل هجرة رسول الله صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة في 22 ربيع الأول الموافق 24 سبتمبر عام 622 ميلادية . مرجعاً لأول سنة فيه ولهذا سمي بالتقويم الهجري. أول يوم هذا التقوم الجمعة 1 محرم 1 هجرية الموافق 16 يوليو عام 622ميلادية . وقد اعتمد هذا التقويم بعد سنتين ونصف السنة من خلافة عمر بن الخطاب . في ربيع الأول من عام 16 للهجرة. وكان يوم 1 المحرم من عام 17 للهجرة بداية أول سنة هجرية بعد اعتماد التقويم الهجري. وأشار الدكتور الجندي .إلي انه علي رغم أن التقويم أنشئ في عهد المسلمين إلاّ أن أسماء الأشهر والتقويم القمري كان يستخدم منذ أيام الجاهلية حيث يتكون من 12 شهرا قمريا أي أن السنة الهجرية تساوي 354 يوما تقريباً. والشهر في التقويم الهجري إما أن يكون 29 أو 30 يوماً وذلك لأن دورة القمر الظاهرية تساوي ¢29.530588 يوم¢. وبما أن هناك فارق 11.2 يوما تقريبًا بين التقويم الميلادي الشائع والتقويم الهجري فإن التقويمين لا يتزامنان مما يجعل التحويل بين التقويمين أكثر صعوبة. وكشف الدكتور الجندي أن اجتماع العرب لتوحيد الأشهر كان في سنة 412م . أي قبل البعثة النبوية ب 150 سنة . وكان ذلك بمكةالمكرمة حيث تجمع رؤساء القبائل أو الوفود في حج ذاك العام أيام كلاب بن مرة جد رسول الله صلي الله عليه وسلم الخامس. لتحديد أسماء جديدة للأشهر يتفق عليها جميع العرب وأهل الجزيرة العربية بعد أن كانت القبائل تسمي الأشهر بأسماء مختلفة. فتوحدوا علي الأسماء الحالية وهي : - محرّم : "مُحَرَّم الحَرَام" وهو أول شهور السنة الهجرية ومن الأشهر الحرم: سمي المحرّم لأن العرب قبل الإسلام كان يحرّمون القتال فيه. - صفر : سمي صفراً لأن ديار العرب كانت تصفر أي تخلو من أهلها للحرب وقيل لأن العرب كان يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صفر المتاع. - ربيع الأول : سمي بذلك لأن تسميته جاءت في الربيع فلزمه ذلك الأسم. - ربيع الآخر أو الثاني: سمي بذلك لأنه تبع الشّهر المسمّي بربيع الأول. - جمادي الأولي : كانت تسمي قبل الإسلام باسم جمادي خمسة. وسميت جمادي لوقوعها في الشتاء وقت التسمية حيث جمد الماء وهي مؤنثة النطق. - جمادي الآخرة أو الثانية: سمي بذلكَ لأنّه تبع الشّهر المسمّي بجمادي الأولي. - رجب : وهو من الأشهر الحرم. سمي رجباً لترجيبهم الرّماح من الأسنة لأنها تنزع منها فلا يقاتلون. وقيل : رجب أي توقف عن القتال. ويقال رجب الشيءَ أي هابه وعظمه. - شعبان : لأنه شعب بين رجب ورمضان. وقيل: يتفرق الناس فيه ويتشعبون طلبا للماء. وقيل لأن العرب كانت تتشعب فيه -أي تتفرق- للحرب والإغارات بعد قعودهم في شهر رجب. - رمضان : سُمّي بذلك لرموض الحر وشدة وقع الشمس فيه وقت تسميته. حيث كانت الفترة التي سمي فيها شديدة الحر. ويقال: رمضت الحجارة. إذا سخنت بتأثير الشمس. - شوال : لشولان النوق فيه بأذنابها إذا حملت ¢أي نقصت وجف لبنها¢. فيقال تشوَّلت الإبل: إذا نقص وجفّ لبنها. - ذو القعدة : وهو من الأشهر الحرم . وسمي ذا القعدة لقعودهم في رحالهم عن الغزو والترحال فلا يطلبون كلأً ولا ميرة علي اعتباره من الأشهر الحُرُم. - ذو الحجة : وفيه موسم الحج وعيد الأضحي ومن الأشهر الحرم. وسمي بذلك لأن العرب قبل الإسلام يذهبون للحج في هذا الشهر. أهمية التقويم أكد الدكتور عبد الرحمن العدوي . عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر . أن إرادة الله شاءت بجعل التقويم الهجري أمراً مميزاً لهذه الأمة تعرف به أوائل شهورها وانقضاء سنواتها وهو ما ذكره عز وجل في قوله: ¢يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج¢ .وقد جعلت مواقيت ليس في العبادة فقط وإنما أيضا في أمور الدنيا المتعلقة بالدين مثل عدة النساء ومدة الحمل ووقت الدَين وغيرها أشار الدكتور العدوي إلي أن بعض المفسرين اجتهدوا في الاستدلال بالتحويل بين التقويمين الهجري والميلادي حيث ورد بالقرآن في سورة الكهف قول الله تعالي :¢ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةي سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ¢ وفي تفسيرها: عند أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية وهنا ذكر ثلاثمائة قمرية والتفاوت بين الشمسية والقمرية في كل مائة سنة ثلاث سنين فيكون في ثلاثمائة تسع سنين فلذلك قال الله تعالي :¢ وَازْدَادُوا تِسْعًا ¢ . لاختلاف في حساب السنين الميلادية والهجرية. أي باختلاف سني الشمس والقمر لأنه يتفاوت في كل ثلاث وثلاثين وثلث سنة سنة فيكون في ثلاثمائة تسع سنين. دور الأسرة تحث الدكتورة سامية الجندي . أستاذ علم الاجتماع بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر . الأسر المسلمة علي ضرورة تربية أبنائها وبناتها علي معرفة التاريخ الإسلامي منذ الصغر لأن التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر . وبالتالي إذا تم الاهتمام بالتربية الدينية فإن الأجيال ستكون علي معرفة تامة بالتقويم الهجري بل والاعتزاز به باعتباره جزء من هوية الأمة. وطالبت الدكتورة سامية الجندي . مختلف المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية الاهتمام بإبراز التقويم الهجري بنفس اهتمامها بالتقويم الميلادي كنوع من تعبير أبناء الأمة عن أنفسهم ووجودهم . ولا تعارض بين تعليم الأسر أبنائها وبناتها التقويم الهجري مع الميلادي وخاصة أن مصر تعتز بنسيجها الإسلامي المسيحي. وأنهت الدكتورة سامية كلامها . بدعوة الأمهات والآباء إلي إعادة تقييم أسلوب التربية الخاطئة التي يهملون فيه تعريف أبنائهم القويم الهجري وغيره من مقومات الثقافة الإسلامية . لأن الاعتراف بالخطأ فضيلة ولابد أن يصاحب ذلك تصحيح للخطأ والرجوع إلي الحق.