في العصر الحديث شاهدنا نماذج عديدة للمدرس في الدراما بدءاً من نجيب الريحاني استاذ حمام المدرس الفقير المعدم الذي تنجح ابنة الباشا في خداعه واستغلاله. ثم فؤاد المهندس في احدي مسرحياتة. ووصولا الي رمضان مبروك ابو العلمين حمودة. حيث اعتمد الفيلم علي السخرية من مبالغات المدرس التي اصبحت غريبة في هذا العصر. ولكن ما لايعرفه هذا الجيل ان رمضان مبروك ابو العلمين حمودة هي الصورة التقليدية الجميلة لمدرس الارياف الذي تعلمنا وتربينا علي يديه. المدرس الذي لا تشغله الدروس الخصوصية ويهتم بكل تفاصيل الطالب ويحرص عليه وعلي مستقبله. هذه الصورة التي افتقدناها الان في مدارسنا بعد ان اصبحنا نري المدرس يقول للطالب ¢هات سيجارة يالا¢!!. ذكر العلماء أن من آداب الطالب أن يجلس أمام معلمه باحترام ولا يرفع صوته رفعا بليغا من غير حاجة ولا يضحك ولا يكثر الكلام من غير حاجة ولا يعبث بيده ولا بغيرها ولا يلتفت يمينا ولا شمالا من غير حاجة بل يكون متوجها إلي أستاذه مصغيا إلي كلامه. بعد انتهاء الدرس لابْنَي الخليفة هارون الرشيد الأمين والمأمون تسابق الولدان نحو حذاء معلمهما ليحملانه ويضعانه أمام المعلم » وكان هارون الرشيد يري المنظر من قُرب. فدنا من المعلم يسأله: من أكرم الناس في بلادنا ؟ فردَّ المعلم علي الخليفة: لا أجد من هو أكرم منك. فقال الخليفة ¢ هارون الرشيد ¢ أكرم الناس من يسرع أبناء الخليفة نحو حذائه ليضعوه أمام قدميه حُبَّاً له وتكريماً لعلمه وشخصيته. في الشعر العربي الحديث نري أمير الشعراء أحمد شوقي من أوائل من اهتموا بالمعلم في أشعارهم. فله قصيدة خص بها المعلم. وتحدث فيها عن التعليم وواجب المعلم. وضرورة أن يحترمه تلاميذه ويوفونه التبجيل والتقدير. وفيها يضع المعلم في منزلة عالية.. إنها منزلة الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله لتعليم البشر وهدايتهم. والمعلم رسول يحمل رسالة العلم إلي النشء. فنجده يقول في مطلع قصيدته: قم للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا أعلمت أشرف أو أجل من الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولا؟ سبحانك اللهم خير معلم علمت بالقلم القرون الأولي أخرجت هذا العقل من ظلماته وهديته النور المبين سبيلا وطبعته بيد المعلم تارة صدئ الحديد وتارة مصقولا أرسلتَ بالتوراةِ موسي مُرشداً وابنَ البتولِ فعلَّمَ الإنجيلا وفجرتَ ينبوعَ البيانِ محمّداً فسقي الحديثَ وناولَ التنزيلا والعلماء.. هم ورثة الأنبياء. وخزَّان العلم. ودعاة الحق. وأنصار الدين. يهدون الناس إلي معرفة الله وطاعته. يوجهونهم وجهة الخير والصلاح. قال تعالي: ¢ "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتي وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرى" "11" سورة المجادلة¢. حينما ولي الخلافة عمر بن عبدالعزيز. وفدت الوفود من كل بلد لبيان حاجاتها وللتهنئة. فوفد عليه الحجازيون. فتقدم غلام هاشمي للكلام. وكان حديث السن. فقال عمر:- لينطلق من هو أسن منك.فقال الغلام:-أصلح الله أمير المؤمنين. إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه. فإذا منح الله عبداً لساناً لافظاً. وقلباً حافظاً. فقد استحق الكلام وعرف فضله من سمع خطابه. ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك هذا منك. فقال عمر:- صدقت. قل ما بدا لك.فقال الغلام: - أصلح الله أمير المؤمنين. نحن وفد تهنئة لا وفد مرزئة. وقد أتيناك لمنَّ الله الذي منَّ علينا بك. ولم يقدمنا إليك رغبة أو رهبة. أما الرغبة فقد أتيناك من بلادنا. وأما الرغبة فقد أمنا جورك بعدلك. فقال عمر: عظني يا غلام. فقال: أصلح الله أمير المؤمنين. إن ناساً من الناس غرهم حلم الله عنهم وطول أملهم وكثرة ثناء الناس عليهم فزلت بهم الأقدام فهووا في النار. فلا يغرنك حلم الله عنك وطول أملك وكثرة ثناء الناس عليك. فتزل قدمك. فتلحق بالقوم. فلا جعلك الله منهم. وألحقك بصالحي هذه الأمة. ثم سكت. فقال عمر: كم عمر الغلام. فقيل له: ابن إحدي عشرة سنة. ثم سأل عنه فإذا هو من ولد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهم. فأثني عليه خيراً. ودعا له. وتمثَّل قائلاً: تعلم فليس المرء يولد عالماً وليس أخو علم كمن هو جاهلُ فإن كبير القوم لا علم عنده صغير إذ التفت عليه المحافلُ * ومن احترام المعلم أن: تبدأه بالسلام والتلطف في مناداته وعدم رفع الصوت عليه وتبجيله والإنصات إليه. * قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ¢ من حق العالم عليك أن لا تكثر عليه السؤال ولاتفشين له سرا ولا تغتابن عنده أحدا ولاتطلبن عثرته وإن ذل قبلت معذرته وعليك أن توقره وتعظمه لله مادام يحفظ أمر الله ولاتجلسن أمامه وإن كانت له حاجة سبقت القوم¢. * قال أبو معاوية الضرير:استدعاني الرشيد إليه ليسمع مني الحديث. فما ذكرت عنده حديثا إلا قال: صلي الله وسلم علي سيّدي. وإذا سمع فيه موعظة بكي حتي يبل الثري. وأكلت عنده يوما ثم قمت لأغسل يديّ. فصب الماء عليّ وأنا لا أراه. ثم قال يا أبا معاوية: أتدري من يصب عليك الماء؟ قلت: لا. قال: يصب عليك أميرُ المؤمنين. قال: أبومعاوية فدعوت له.فقال: إنما أردت تعظيم العلم. * قال رسول الله صلي الله عليه وسلم من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم علي العابد كفضل القمر ليلة البدر علي سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم.فمن أخذه أخذ بحظ وافر"صحيح سنن أبي داود 3641". وسئل الإسكندر: لِمَ تُكرم معلمك فوق كرامة أبيك فقال: إن أبي سبب حياتي الفانية ومعلمي سبب حياتي الباقية. ومن علمني حرفا صرت له عبدا.