شهدت مصر علي مر تاريخها المعاصر أكثر من موجة من الجدل والنقاش حول أهمية بل وضرورة تنظيم وتقنين جمع وتوزيع الزكاة التي قدر البعض ما يمكن ان يجمع من خلاله لما يزيد علي الملياري جنيه بل بالغ البعض وقال انه يصل لملياري دولار . الأمر الذي قابله البعض بتخوفات بالغة من أن تلتهم ميزانية الدولة المصرية بسطوتها المعهودة في ذلك الوقت . وروي الدكتور محمد عبدالحليم عمر . المدير السابق لمركز الاقتصاد الاسلامي . ل ¢عقيدتي¢ كيف أن شيخ الأزهر السابق الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي حضر بنفسه الي مكتبه بمجرد علمه بأن مشروعاً بقانون يجري إعداده من قبل المركز والذي شارك في اعداده وقتها . رئيس مجلس الشعب الأسبق . المرحوم صوفي أبوطالب الي جانب نخبة كبيرة من خبراء القانون والفقة والاقتصاد الاسلامي في خطوة حماسية قاربت علي الانتهاء ليأخذ شيخ الأزهر وقتها كل ما يرتبط بمشروع القانون من أوراق ليجهض هذه الخطوة في مهدها كما أجهض خطوة سبقتها لمفتي الديار المصرية الاسبق الدكتور نصر فريد واصل حين طرح ذات القضية علي الرئيس الاسبق محمد حسني مبارك في اول مقابلة جمعتهما إذ قدم الزكاة وأموالها كحلي سحري لكل أزمات مصر الاجتماعية والاقتصادية من فقر وتوفير مساكن لمحدوي الدخل وتمهيد طرق وانفاق علي البحث العلمي والتعليم والاعانات الاجتماعية والاغاثة الانسانية والانفاق علي الايتام والفقراء الأمر الذي راق لمبارك كثيرا وطلب منه ان يتحرك وبقوة. العمل مستمر ورغم الاتهامات الكثيرة التي لاحقت شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي من أنه كان يحافظ علي استمرار عمل لجنة جمع الزكاة بالازهر . وغير ذلك من الأمور التي طالته شخصيا الي أن مقربين منه وقتها نقلوا عن جلسات خاصة جدا معه . رحمه الله. تخوفه الشديد حينها من أن تضع الدولة يدها علي أموال الزكاة كما فعلت مع أموال الوقف وتبتلعها ثم ينعكس ذلك علي أداء عامة المسلمين للزكاة لعدم ثقتهم في الحكومة وصرفها للزكاة في مصارفها الشرعية . وبهذا المنطق يكن الرجل في ذلك . رحمه الله. ان صدقت الرواية. حصيفا حكيما حمي أموال الزكاة من ان تلتهمها الدولة وتضيع في ثنايا الفساد المقنن آن ذاك . ويختلف العلماء ومسئولو العمل الخيري في مصر حول أهمية تنظيم وعشوائية جمع الزكاة إذ يري العلماء والخبراء أهمية كبيرة للتنظيم بقانون وهو الأمر الذي تحمس له مفتي الديار المصرية الحالي الدكتور شوقي علام حينما أعلن الاسبوع الماضي أنه سيصدر قريبا تشريع ينظم جمع وصرف الزكاة في مصر ليجدد موجة من الجدل حول الامر برمته . من جهته يري أستاذ الاقتصاد الاسلامي المعروف الدكتور حسين شحاتة أن مؤسسات الزكاة كيانات قانونية تقام تحت إشراف الدولة تتولي جمع الزكاة وإنفاقها في مصارفها المختلفة وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية اقتضتها ظروف التطبيق المعاصر لفريضة الزكاة . وقد تكون في شكل صندوق أو بيت أو لجنة أو مؤسسة أو جمعية أو نحو ذلك . وحول مشروعية إنشاء مؤسسات الزكاة يري أن مؤسسات الزكاة تعتبر من البنيات الأساسية للنظام المالي الإسلامي في ظل الدولة الإسلامية التي تطبق شرع الله تطبيقاً شاملاً . وتعتبر الزكاة المورد الرئيسي لسد حاجات الأفراد المحتاجين في المجتمع الإسلامي . كما أنها الوسيلة الأساسية لتحقيق التكافل الاجتماعي. ولا يتحقق ذلك إلاّ من خلال العمل المؤسسي للزكاة حيث أن هناك كثيراً من المحتاجين لا يعلمهم الكثير من الأفراد . وهؤلاء لا يسألون الناس إلحافا . كما أن هناك الكثير من المصارف العامة التي تصرف فيها جزءاً من حصيلة الزكاة لا يستطيع الأفراد تقديرها مثل مصرف في سبيل الله. ويقول الدكتور حسين شحاتة : كان تطبيق فريضة الزكاة في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين من بعده عملاً مؤسسياً تقوم به الدولة. حيث كانت تجمع حصيلة الزكاة وتوزعها في مصارفها المختلفة. وكان يخصص لبيت الزكاة ميزانية مستقلة عن الميزانية العامة. وذلك لأن للزكاة موارد معينة ومصارفخاصة بها لا يجوز خلطها بالموارد والمصارف العامة الأخري للدولة. أضاف :ومما يضفي علي أهمية وجود مؤسسات للزكاة أن جزء من حصيلة الزكاة يحصل موسمياً مثل زكاة الزروع والثمار . وجزءاً آخرا يحصل في نهاية الحول. وهذا الحول يختلف من مكلف لأخر فقد يكون هجرياً أو ميلادياً. في حين أن حاجات الأفراد والمجتمع والتي يتم تمويلها من خلال حصيلة الزكاة مستمرة طوال العام وهذا كله يستلزم إنشاء مؤسسات للزكاة تتولي جمعها من الأفراد في مواعيدها ثم يقوم بتوزيعها علي مصارفها الشرعية خلال العام. ويري الدكتور شحاتة أن الكثير من المسلمين يحتاجون إلي من يحثهم علي دفع الزكاة بكافة السبل والوسائل والطرق . ويعاقب من يمتنع عن الأداء شرعاً . ومنهم من يحتاج إلي من يساعده في حساب تلك الزكاة . وهذا كله يتطلب وجود مؤسسات للزكاة تحت إشراف ولي الأمر والمؤسسات الشعبية التي يدخل في مقاصدها أعمال البر. ويقول : من المبررات السابقة يتبين ضرورة وأهمية إنشاء مؤسسات الزكاة لأن في ذلك تطبيقاً لسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ولتحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع .ولإمكانية سد حاجات مستحقي الزكاة طوال العام. ولإمكانية تمويل بعض الحاجات العامة التي غالباً ما يغفل عنها الأفراد . ويشير الدكتور مصطفي مراد . استاذ الاديان بجامعة الازهر. أن مؤسسات الزكاة تتولي مهمة جمع الزكاة من المكلفين بأدائها وتوزيعها علي مصارفها المختلفة التي حددها الله عز وجل في كتابه الكريم إعداد سجلات للمكلفين بأداء الزكاة من الأفراد والشركات وغيرهم حتي يتسني للعاملين علي الزكاة الاتصال بهم لحساب وتحصيل الزكاة منهم. وإعداد سجلات لمستحقي الزكاة حتي يمكن توزيع حصيلة الزكاة عليهم. والمعاونة في حساب زكاة الأفراد والشركات في ضوء قواعد وأسس محاسبة الزكاة والنماذج المصممة لذلك من خلال المحاسبين والخبراء في حساب الزكاة. وتحصيل الزكاة من المكلفين بأداء الزكاة حسب أنواع الأموال والأنشطة الخاضعة للزكاة في ضوء اللوائح التنفيذية لذلك. أضاف : كما تتولي تلك المؤسسات توزيع حصيلة الزكاة علي مصارفها الشرعية في ضوء فقه الأولويات الإسلامية الضروريات فالحاجيات . وتستعين مؤسسة الزكاة في هذا الصدد بملفات مستحقي الزكاة وسجل المستحقين. والقيام بالتوعية اللازمة لحث المسلمين علي أداء الزكاة في مواعيدها. ومن وسائل ذلك: الكتيبات والنشرات والمحاضرات والندوات والمؤتمرات والإعلام في الوسائل المسموعة والمرئية ونحو ذلك من وسائل الإعلام الإسلامي. وكذا القيام بكافة أعمال الخير والبر العام بما يحقق مقاصد الزكاة حسب مقتضيات العصر. والإجابة عن استفسارات المسلمين بخصوص الزكاة وذلك من خلال هيئة الفتوي الشرعية. وتنظيم الدورات التدريبية المختلفة لرفع كفاءة العاملين في مجال التوعية الزكوية وفي حساب الزكاة.. مشيرا الي ان تنظيم جمع وتزيع الزكاة مهم أيضا لأن تلك المؤسسات تتولي أيضا نشر الفتاوي الشرعية في المسائل المعاصرة الجديدة في مجال الزكاة وذلك من خلال هيئة كبار العلماء أو الهيئة العليا لفتاوي الزكاة "الهيئة الشرعية العالمية للزكاة". ووضع الخطط والبرامج والميزانيات والتقارير المتعلقة بالزكاة علي فترات دورية لتقدم إلي مجلس إدارة مؤسسة الزكاة لاتخاذ القرارات اللازمة. مشاكل التحصيل من جانبه يري الدكتور عصام أبوالنصر . أستاذ الإقتصاد الاسلامي بجامعة الازهر. أن وجود أزمة ثقة بين المكلفين بأداء فريضة الزكاة وبين القائمين علي تحصيلها يؤدي إلي تدني تحصيلها . وأن وجود العديد من المشاكل التي تواجه الدولة في تحصيل الزكاة ومنها المشكلات التشريعية الموجودة في القانون وكذلك المشكلات الإدارية الناجمة عن أزمة الثقة بين المكلف والجهات المخولة بتحصيلها إلي جانب مشاكل تدني الوعي بها وفي آليات تحصيلها. أضاف : الثقة هي نقطة الارتكاز الاساسية في تنظيم جمع وتوزيع الزكاة إذ إن الجمعيات الخيرية تجمع مليارات من المزكين لثقتهم فيها ورؤيتهم رؤي العين لما تقوم به تلك الجمعيات والمؤسسات من أعمال خير وبر بعضها مبتكر يحقق نفعا للمجتمع. ويري رئيس جمعية الصفوة الاسلامية الخيرية سعيد علي بحيري أن الابقاء علي الجمعيات الخيرية في دورها المجتمعي الكبير في جمع وتوزيع وصرف الزكاة مهم للغاية لأن من يقوم عليها هم قيادات طبيعية بالمنطقة التي تعمل بها ويعرفون الأغنياء فيطلبون منهم زكاتهم وصدقاتهم . ويعرفون الفقراء فيوجهون لهم الزكاة في مصارفها الشرعية. ويلتزم القائمون علي الجمعيات صغرت أو كبرت علي بالحفاظ علي مصداقيتهم أمام العامة اللذين يعملون معهم وبالتالي فالجمعيات تقوم بدور أهم وأكبر من اية مؤسسة. ويري الشيخ مغاوري الزهار. وكيل وزارة سابق بالأزهر الشريف. أن الموازنة بين عمل الدولة وعمل المجتمع الأهلي في جمع وتوزيع الزكاة في مصارفها الشرعية ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها. فالعامة يمنحون زكاتهم لمن يستريحون اليهم. ونخشي ما نخشاه ان تضع الدولة يدها علي الزكاة فتنزع رغبة الناس في اخراجها. ولو حدث ذلك لأصبحت كارثة. ورجح الزهار استمرار عمل الجمعيات مع تطوير فكرها كما ظهر جليا في الفترة الأخيرة في تجارب مصر الخير. ورسالة. وبنك الطعام. وبنك الشفاء. والاورمان وغيرها من المشاريع الانسانية الاجتماعية الهائلة التي انعكست بشكل كبير علي المجتمع وسد احتياجاته الهائلة.