كان الناس قبل الإسلام يعيشون حياة مادية قاسية. تتحكم فيها الفُرقة والخصام. وتسودها مشاعر الحقد والكراهية. لا تجمعهم ألفة. ولا توحد بينهم كلمة. ولا يدينون بدين الحق. عاداتهم سيئة وأخلاقهم منحلة. وأفكارهم مضطربة وعقائدهم فاسدة. تهلكهم العصبيات الجامحة والتقاليد الكاذبة. حيث لا ضابط من دين. ولا قائد من عقيدة تعلم الناس الخير وترشدهم إلي الطريق المستقيم.. ومن هنا ساءت حياتهم واضطربت القيم فيهم وكانوا في حاجة إلي قيادة تعلمهم الخير وتدعوهم إلي العقيدة الحقة ليتحقق عالم من الناس ينعم بالأمن والسلام ويحيا الحياة السعيدة الجديرة بالإنسان. فمَنَّ الله عليهم بالإسلام. وهو الدين الكامل والنعمة الكبري التي يذكرنا بها ربنا حيث يقول: "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا. وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها" "سورة آل عمران: الآية 103". إن الله جل شأنه جعل التوحيد في العقيدة والوحدة في العبادة هما الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه أمة المسلمين وترتفع به رايتهم. ويجب أن يرد إليه كل شيء في حياتهم. وأن توجه إليه كل جهودهم واتجاهاتهم. فالإسلام دين الوحدة الجامعة والشاملة. والمسلمون أمة واحدة تتكافأ دماؤهم ويسعي بذمتهم أدناهم. وهم يد علي من سواهم. وبهذا يستطيعون أن يصلوا إلي أهدافهم ويحققوا آمالهم. كما تحقق لأسلافهم من قبل.. وصدق الله حيث يقول: "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون" "سورة السجدة: الآية: 24". لقد انتشر الإسلام في ربوع الأرض كلها بسلوك أتباعه الذين تمكنت عقيدة التوحيد من قلوبهم فصاروا إخوة أحبة لبعضهم. رُحماء بينهم. بأسهم شديد علي أعدائهم. وبالتوحيد في العقيدة والوحدة في العبادة وفي الصفوف.. تألفت من المسلمين دولة قوية. يرهبها العدو ويأزر إليها الصديق. ويطمع في برها العائذ. ويستظل بحماها المظلوم.. أمة تهدي إلي الحق وإلي طريق مستقيم. تحمل للناس أكرم ما في الحياة من مبادئ. وأسمي ما تصبو إليه الإنسانية من مُثُل. أمة آمنت بربها وشعرت بأخوتها وحاربت الطغيان. ونبذت.. "كلكم لآدم وآدم من تراب. أكرمكم عند الله أتقاكم. وليس لعربي فضل التفاخر بالأحساب والأنساب والأموال". وجاء في الأثر أن جماعة كانوا يتفاخرون بأنسابهم. وسلمان الفارسي رضي الله عنه فيهم فقال قائل منهم: ابن مَن أنت يا سلمان؟!.. فقال: أنا ابن الإسلام. أنا ابن الإسلام.. فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبكي وقال: وأنا ابن الإسلام. وأخذ يكررها والدمع ينهمر من عينه. ما ترك الإسلام رافداً من روافد الخير إلا ودعا إليه ولا قناة من قنوات القوة إلا أمر بالاستمساك بها. وعلي رأس هذه وتلك التمسك بكل ما يدعو إلي الوحدة. ونبذ كل ما يسبب التمزق والفرقة.. دعا إلي الحب فقال "صلي الله عليه وسلم": "لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه".. ودعا إلي العدل والإحسان فقال جل شأنه: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" "سورة النحل. الآية: 90".. ودعا إلي الإخوة. فقال تعالي: "إنما المؤمنون إخوة" "سورة الحجرات. الآية: 10". ويقول رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "كونوا عباد الله إخواناً". ودعا إلي إصلاح ذات البين فقال تعالي: "لا خير في كثير من نجواهم إلا مَن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس" "سورة النساء. الآية: 114".. وأمرنا أن نتخلي عن أسباب التفرقة فنهانا عن الأنانية وحب الذات. ونهانا عن الظلم فقال جل شأنه في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرَّمت الظلم علي نفسي. وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا". ونهانا أن نقطع الصلات بيننا بالتفرق والاختلاف علي أنفسنا. فقال تعالي: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذب عظيم" "سورة آل عمرا. الآية: 105".. كل ذلك من أجل إيجاد أمة مترابطة في كيان واحد قلبه التوحيد وروحه الوحدة. وهذا ما كان عليه أسلافنا من قبل. فأثبتوا وجودهم وفرضوا علي العالم احترامهم. وحققوا أهدافهم. إنها الوحدة التي تحققت بها الانتصارات المذهلة. وترامت أطراف الدولة المسلمة حتي كانت لا تغيب عنها الشمس. وهي وحدة ملأت الأرض عدلاً وعلماً ومعرفة وحكمة. وأورثت المسلمين العزة والكرامة والرفعة والسؤدد. واستحق بها أسلافنا وعد الله بالتمكين في الأرض والأمن والأمان.. وصدق الله حيث يقول: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فؤلئك هم الفاسقون" "سورة النور. الآية: 55".