ما أحلي الرجوع إلي الله سبحانه وتعالي وما أمتعه للنفس المطمئنة المؤمنة التي ترجو الخير في الدنيا والآخرة وتراقب الله تعالي في سلوكها وتصرفاتها وتستشعر هيبته وعظمته وتستحضر قدرته وسلطانه عليها وتحس بوجوده وكماله كمالاً مطلقاً إحساساً يملؤها ويستولي عليها.. وتحافظ علي حقوق عباد الله التي فرضتها الشريعة الإسلامية وكفلها المجتمع الإسلامي الكريم وتؤدي واجبها كاملاً في كل أمر من الأمور وتعمل علي إقرار المحبة والوئام بين الناس. إن النفس البشرية بطبيعتها تميل إلي التحرر من التكاليف والانطلاق في رغباتها وشهواتها ولو كان في ذلك اعتداء علي حقوق الغير وتقصير في الواجبات التي أمر بها رب العالمين وارتكاب للمحرمات التي نهي عنها الله ورسوله. يقول جل ذكره "إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي" أي أن طبيعة النفس أن تأمر بالشر وتنهي عن الخير إلا من أدركها الله تعالي برحمته وفضله فهداها سواء السبيل وسلك بها طريق الخير والسعادة. ولقد حذَّر المولي سبحانه وتعالي النفس البشرية في كتابه الكريم من سوء تصرفاتها وأنها يوم القيامة تجد ما عملته من السوء والشر حاضراً ماثلاً ومكتوباً مسجلاً قال تعالي: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" وانها تود حينذاك أنها لم تعمل السوء وتتمني أن لو كان بينها وبين ذلك اليوم الشديد زمن طويل حتي تتدارك فيه هذا السوء وتنفيه عنها بالتوبة والعمل الصالح. وبيَّن سبحانه وتعالي أن هذا التحذير رأفة منه بعباده وذلك قوله تعالي: "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد". وكانت رحمة الله تعالي بعباده رحمة تامة عامة بإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلاح. مبشرين ومنذين ومعلمين وهادين وأيدهم بالمعجزات القدسية وأمدهم بالإمدادات الروحية وأنزل عليهم الكتب السماوية فيها الخير والحكمة والهدي والنور فأخذوا ينشرونها بين الناس يفتحون بها القلوب المغلقة ويهدون بها النفوس الحائزة. وقد جاهدوا في ذلك جهاداً طويلاً مريراً وأبلوا فيه بلاء حسناً وقامت بهم الحجة لله تعالي علي الناس كما قال جل ذكره "رسلاً مبشرين ومنذين لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً". ويقول جل ذكره في آية أخري: "كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون" وهذا فضل من الله تعالي وحكمة وعدل "إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون". ومن المقاصد السامية العليا التي جاءت بها الرسالات السماوية التوبة إلي الله تعالي والرجوع إلي رحابه سبحانه وهذا الرجوع نفسه رحمة من الله تعالي بعباده وتفضل منه سبحانه عليهم. فالعبد إذا صحا من غفوته وعاد إلي رشده وهجر المعاصي ورجع إلي ربه وتاب إليه وداوم علي فعل الطاعات فاز فوزاً عظيماً وكان من المنعم عليهم المحشورين في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقاً. ولقد حث المصطفي صلي الله عليه وسلم علي التوبة حثاً شديداً ودعا إليها وأمر بها أمراً أكيداً. يقول صلوات الله وسلامه عليه : "توبوا إلي الله فإني أتوب إليه كل يوم مائة مرة" فانظر إلي هذا القول من سيد الأنبياء وخاتم المرسلين الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهذا العدد ليس للتحديد وإنما هو للتكثير يعني أنه صلي الله عليه وسلم يتوب إلي الله ويرجع إليه كثيراً في كل يوم وهذا الرجوع متعة للنفس وتجلية للروح. والتوبة إلي الله تعالي إذا كانت من عامة الناس فإنها من الذنوب وإذا كانت من خواصهم فإنها من غفلة القلوب وإذا كانت من خواص الخواص فإنها من الالتفات إلي ما سوي الله تعالي الذي هو أكبر من كل ما سواه فلا يصح الالتفات إلي غيره سبحانه.