حرية تحولت إلي فوضي إعلامية، لاوجود لضوابط تحكم العمل الإعلامي ولا محاسبة لمروجي الشائعات، لتنضم وسائل الإعلام إلي قائمة الأسباب التي تصيب المصريين بأمراض الضغط والسكر وتتفنن في إدخال الكآبة علي نفوسهم. صارت الفضائيات وسيلة لنشر البلبلة والشائعات وآخر تلك الكوارث ماحدث الأسبوع الماضي في أحد البرامج الحوارية التي استضافت أحد شيوخ السلفية (لايمثل أيا من التيارات الإسلامية ولا يوجد علي رأس أي منصب قيادي) وتم السماح له بالحديث لمدة ساعة كاملة علي الهواء مباشرة، أباح من خلالها هدم الأهرامات وأبو الهول، لتسجل البورصة في اليوم التالي خسائر كبيرة إضافة إلي السمعة السيئة التي نقلت عن مصر في الخارج وتأثير ذلك علي قطاع السياحة. ومن أشهر الحوادث التي ارتكبها الإعلام وتسبب في كارثة مافعله التليفزيون الرسمي أثناء أحداث ماسبيرو ونشره تحريضا صريحا ضد الأقباط الذين تظاهروا أمام مبني اتحاد الإذاعة والتليفزيون. وقع العاملون في التليفزيون في خطأ فادح حينما زعموا بأن هناك أقباطا قتلوا ثلاثة من جنود الجيش وهو ماجعل عددا كبيرا من الإسلاميين المتشددين ينزلون إلي الشوارع لتحدث فتنة طائفية وكارثة راح ضحيتها أكثر من 02 مواطنا. واستخدمت وسائل الإعلام وتحديداّ الخاصة أبواقها في الفترة الأخيرة لخدمة مصالح بعض رجال الأعمال الذين يمتلكونها وضاعت المصلحة العليا للبلاد وسط الكثير من المصالح الشخصية فضلا عن ظهور إعلانات النصب علي المواطنين باسم الدين بجانب انتشار الإعلانات التي تروج للجنس دون أي مراعاة لمشاعر الأسرة وهو مادفع مجموعة من أساتذة الإعلام لتشكيل جمعية حماية المشاهد والمستمع. وقال الدكتور حسن علي رئيس الجمعية أنه يقوم حالياّ بتجميع جميع الإخطاء والكوارث التي وقعت فيها القنوات الخاصة وتحديدا برامج التوك شو لتقديم بلاغات ضدها إلي النائب العام مشيرا إلي أنه تم حتي الآن رصد 52 قناة وقعت في أخطاء بالغة الخطورة ونشرت العديد من الأكاذيب والشائعات وخلال الأسبوع المقبل سنعلن أسماءهم وسنتخذ جميع الإجراءات القانونية ضدهم. وأكد أن نسبة كبيرة من الإعلانات التي تم بثها خلال شهر رمضان الماضي وغيرها مما يتم عرضه حاليا خدشت مشاعر وحياء ملايين المشاهدين، الأمر الذي يعد مخالفة صريحة للقوانين والمواثيق الإعلامية، وكذا للشريعة الإسلامية مشيرا إلي أنه تقدم بالفعل بعشرة بلاغات إلي النائب العام ضد القنوات التي خالفت مواثيق الشرف الإعلامي في الإعلانات. وأشار رئيس الجمعية إلي أن برامج التوك شو أصبح هدفها الأساسي الإثارة بعيدا عن المصداقية وأصبحت تستضيف الشخصيات التي تضمن لها أن تجلب الإعلانات دون مراعاة للمصلحة الوطنية مشيرا إلي أن أغلب مذيعي برامج التوك شو أصبحوا يستضيفون العاهات والتي تخالف جميع معايير البرامج المحترمة وتحدد معايير أهمية الضيف الذي يتم استضافته. وهاجم علي مذيعي برامج التوك شو ووصفهم بالأراجوزات موضحا أن برامجهم تخدم أجندات خاصة لصالح رجال الاعمال أو قيادات سياسية أو تيارات دينية فهناك قنوات تخدم الكنيسة وأخري تخدم الإخوان وثالثة تخدم الفلول والكل يتحدث بعيدا عن المصداقية. وعن ظاهرة انتشار القنوات العربية الخاصة بالشأن المصري مثل "الجزيرة مباشر مصر" و(روتانا مصرية) (أم بي سي مصر) قال: إن ظهور تلك القنوات سببه ضعف مهنية الإعلام المصري فلو كنا نملك إعلاما قويا لما كان تجرأ أحد علي ذلك موضحا أن تلك القنوات من الممكن أن تعمل لمصالح دولية وهو أمر في غاية الخطورة. وعن حادثة إيقاف بث قناة دريم من خارج استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي أكد علي أن الدولة محقة فيما فعلته فالعقد المبرم أعطي للقناة حق البث من خارج مدينة الإنتاج الإعلامي لمدة 6 سنوات وتم إنذارهم منذ ثلاث سنوات ولكنهم لم يستجيبوا مشيرا إلي أننا في عهد يجب أن تنتهي فيه الاستثناءات. وأضاف بأنه أنه تم تقييم 02 قناة فضائية حكومية وخاصة وعامة ومتخصصة ودينية وثقافية ومنوعات، منها 6 قنوات حكومية، وكان التليفزيون المصري الأكثر التزاما بالكود الدولي ومواثيق الشرف، ولم تسجل مخالفات إعلانية إلا في قناتي (نايل لايف) و(كايرو دراما) بقطاع قنوات النيل المتخصصة. وأضاف أنه تم رصد 6 قنوات دينية إعلانية تجمع بين القرآن الكريم بأصوات المشاهير من القراء وبين الإعلان المكتوب أو المصور علي رول متحرك، وهي العراب وجنة وكنوز والطبية الدوائية وماجيك وجرين لايف، ارتكبت تجاوزات ببث إعلانات لأدوية ومقويات جنسية غير مرخص بها من وزارة الصحة أو من أية جهة حكومية في المنطقة العربية"، موضحا أن الجهاز يُعِدُّ بلاغا بمخالفاتها. وأشار إلي أن الباقات الإعلانية التي اتبعتها كثير من الشبكات والقنوات أدت إلي انخفاض حاد في أسعار الإعلانات، ترتب عليه تراجع كبير في عوائد الإعلانات بالتليفزيون الحكومي، الأمر الذي يزيد من الأزمة المالية لاتحاد الإذاعة والتليفزيون. وأوضح أن هذا النظام أدي إلي تكثيف الحملات الإعلانية خلال شهر رمضان عبر الإلحاح المستفز والتكرار المبالغ فيه، واقتحام المسلسلات والبرامج والأفلام، والقطع علي المسلسل دون مبرر، مما أفسد متعة المشاهدة، كما برزت ظاهرة لا تليق بمصر، وهي "إعلانات التبرع"، والتي انتهزت روحانية الشهر الكريم رمضان واستعدادات الناس لفعل الخيرات، فهوجم الجمهور بعدد ضخم من الإعلانات. ورغم طيب المقصد وحسن النية إلا إن هذه الإعلانات حولت شعبا بأكمله إلي متسولين، وكأن مصر ليست دولة بها حكومة ترعي شعبها، كما تحول المفتي وبعض شيوخ الأزهر إلي نجوم إعلانات، وهو ما لا يليق بجلال مناصبهم. .وأشار إلي أنه بجانب إعلانات الأدوية غير المرخصة هناك إعلانات مكثفة حول أغذية ال(فاست فود) التي تسبب السمنة للأطفال، وتلح علي المشاهدين من خلال الفضائيات بشكل يومي. ومن جانبه قال الدكتور محمد سعد إبراهيم وكيل كلية إعلام بجامعه الأهرام الكندية أن المشكلة الأساسية للعديد من برامج التوك شو تكمن في عدم وضوح السياسات الإعلامية لجميع القنوات الفضائية الخاصة وطالبها بالإعلان عن ميزانيتها وسياستها بكل وضوح حتي تستطيع الدولة محاسبتها علي أدائها الإعلامي. وأكد أن أغلب القنوات الفضائية إما ممولة من قبل رجال أعمال ينتمون إلي النظام السابق أو رجال أعمال يريدون الترويج للنظام الحالي مشيرا إلي أن اللغط الذي يحدث سببه الخلط بين الأجندات الخاصة والأجندات الإعلانية فهناك من يهدف إلي إحراج النظام الحالي والهجوم عليه أو محاولة إحراج رئاسة الجمهورية ومحاولة إبراز التصريحات السلبية لرئيس الجمهورية وجماعة الإخوان المسلمين مشيرا إلي أن هذا هو الاتجاه السائد في أغلب القنوات. وطالب سعد أن يكون هناك برامج تدريبية للمذيعين بالإضافة إلي أن يكون هناك رقابة من المجلس الوطني للإعلام والمزمع إنشاؤه في الدستور الجديد علي القنوات التي تخالف مواثيق الشرف الإعلامي ونشر الشائعات. ووجه سعد هجومه إلي المذيعين الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا النظام السابق وأنهم كانوا مع الثورة موضحا أن الخطاب الثاني لمبارك فضح كل هؤلاء المتلونين والذين طالبوا المعتصمين بميدان التحرير أن يفضوا اعتصامهم وان يعودوا إلي بيوتهم. واشار إلي أن هناك بعض الأصوات التي تنادي بانسحاب تلك الوجوه والتي كشفتها الثورة عن الساحة الإعلامية ولكني ضد هذا الإجراء ولكن لابد أن يلتزم الجميع بمواثيق الشرف الصحفي والإعلامي. وأوضح أن هناك بعض الكوارث التي تم نشرها في وسائل الإعلام وتسببت في خسائر هائلة سواء علي المستوي الاقتصادي أو علي مستوي سمعة البلد في الخارج وكان آخرها حادثة الشيخ السلفي والذي أفتي بهدم الأهرامات وأبو الهول والتركيز علي حالات العنف ضد الأطفال والتركيز عليها وتضخميها في حين أن الإعلام لم يذكر لنا كم عدد حالات الاعتداءات علي الأطفال خلال الثلاثة أشهر الماضية موضحا أنه طالما أن الإعلام يعمل علي إثارة الفتن وقلب الحقائق فلا يمكن لهذا البلد أن يتقدم أبدا ولن تستقر البلاد. وأضاف "نأمل أن يخرج لنا الدستور الجديد برقابة اكثر علي وسائل الإعلام ليس من أجل التضييق عليها ولكن من أجل القضاء علي حالة الفوضي الإعلامية مشيرا إلي أن تشكيل مجلس وطني للإعلام يشكل من أساتذة وخبراء الإعلام من كافة الاتجاهات ليحل محل وزارة الإعلام هو الحل الوحيد للقضاء علي تلك الفوضي. وتري الدكتورة نجوي كامل أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن هذه البرامج والقنوات لا تعبر عن أحوال الوطن وظروفه وإنما تعبر عن أهواء ومصالح شخصية لأصحابها وعن توجهات رأس المال ومالك المحطة. وأشارت إلي أن سخونة البرامج وشعور أصحابها بالتوهج لا تأتي بكسر القواعد المهنية ولا بالسير في الطريق الخطأ بل بالالتزام بالحدث وتحليله بدقة ووعي وعدم الانزلاق وراء أهواء ضيوف يتنقلون من ستوديو إلي آخر لبسط أفكار معظمها مريض ولها أغراضها، وهؤلاء يحتاجون لثورة توقف أفكارهم السوداء، التي تقلب موازين عقل ووجدان المواطن وتشوش حتي علي مشاعره، فهل ستفيق تلك البرامج التليفزيونية من غفوتها وتتخلص من الشياطين، التي تحيط بها وترتدي عباءة تمثيل طوائف الشعب، وهي تعبث بأفكار مقدميها ومعديها.