أصبح المواطن البسيط عرضة لنصب مصانع (بير السلم) التي اقتحم الكثير منها مجال المستلزمات الطبية والأدوية دون توافر ضوابط أو ضمانات للجودة، بخلاف ما تتسبب فيه هذه المصانع من خسارة الدولة مليارات الجنيهات تنفقها علي علاج الأمراض التي تتسبب فيها هذه الأدوية المغشوشة. كشفت دراسة حديثة عن »صناعة الأدوية في مصر« أعدتها الدكتورة إيمان العيوطي، »الباحثة بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية« أن مصر تستحوذ علي نسبة 7٪ من حجم الأدوية المغشوشة في العالم، وأن مصر من أكثر الدول التي تنتشر بها مصانع (بير السلم) لصناعة الأدوية المقلدة. وأوضحت الدراسة التي أعدتها العيوطي أن القيمة المضافة للناتج القومي المصري من عائد الصناعات الدوائية، تتراوح بين 5 و6٪ فقط، من إجمالي الناتج، وهي نسبة ضئيلة جدا، مقارنة بالدول الأخري المهتمة بصناعة الأدوية، كما أن العمالة في سوق صناعات الدواء المصري تبلغ نسبتها 3.5٪ من إجمالي حجم العمالة في البلاد، في وقت يصل فيه حجم تصدير الدواء إلي 3٪ فقط من إجمالي الصادرات. وأظهرت الدراسة أيضاً أن مصر تأتي في ذيل قائمة الدول من حيث حجم الإنفاق علي البحث العلمي في مجال الأدوية، وأن نسبة الإنفاق لا تتجاوز .23٪ من الميزانية، فيما تنفق إسرائيل علي الأبحاث الدوائية 4.5٪ من ميزانيتها سنويا. ولمعرفة أسباب استحواذ مصر علي 7٪ في نسبة الأدوية المغشوشة في العالم: هل ضعف الرقابة علي المصانع التي تسعي للكسب علي حساب صحة المواطنين؟ ومتي تنفق وزارة الصحة من ميزانيتها علي صناعة الأدوية حتي نكون في مصاف الدول الأوروبية وإسرائيل ولمعرفة الأسباب وراء ذلك كان في التحقيق الآتي.. تعليقا علي الدراسة يقول د. إبراهيم مصطفي مساعد وزير الصحة للتأمين الصحي إن الوزارة تضع علي رأس أولوياتها الاهتمام بصحة المواطنين من خلال المراقبة الدوائية في صناعة الدواء ومدي مطابقته للمواصفات العالمية والمسجلة موضحا أن مصر تستحوذ علي 7٪ من الأدوية المغشوشة في العالم فهذه أرقام غير صحيحة وأحيانا تتم المبالغة فيها، والسبب في هذا يرجع إلي مصانع بير السلم التي نأمل أن نواجهها في المرحلة القادمة بالضرب بيد من حديد علي كل من تسول له نفسه اللعب بصحة المواطنين، مطالبا اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور بوضع مادة تجرم من يقوم بالاتجار بالأدوية المغشوشة وخاصة لأصحاب مصانع "بير السلم ". يتفق معه في الرأي د. سيف الله إمام (وكيل نقابة الصيادلة بالقاهرة) مؤكدا أن هذه النسبة مبالغ فيها وأحيانا تأتي من جهات غير رسمية في الدولة، مشيرا إلي أن النقابة تقدمت باقتراح إلي اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور يقضي بإضافة مادة تجرم غش الأدوية. من جانبه يقول د. أمنحتب أمين ميخائيل، (الخبير بالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء): انتشار ظاهرة غش الأدوية يرجع إلي ضعف الرقابة علي المصانع، والفوضي الأمنية، مما أدي إلي انتشار مصانع (بير السلم) وزيادة عددها بشكل مخيف، مشيراً إلي أن النظام السابق تعمد إهمال البحث العلمي في مجال صناعة الأدوية، مما أتاح الفرصة لمافيا الدواء المغشوش لفرض سيطرتها علي الأسواق. فيما يري د. ثروت بيومي (صيدلي ورئيس مجلس إدارة إحدي شركات الأدوية): إن العديد من الإجراءات تتخذها الشركات العالمية لمنع غش الأدوية الطبية، غير أن هناك من يحترف الغش، خاصة في ظل غياب الوعي من جانب المريض وحاجته لهذا النوع من الدواء، الأمر الذي تستغله مافيا الأدوية المغشوشة. مشيرًا إلي المرضي الذين لا يذهبون إلي الطبيب في حالة شعورهم بالتعب، ويعتمدون علي نصائح الصيدلي وبعض الأدوية. مؤكدًا خطورة مثل هذا الفعل، إذ إنهم يصبحون في هذه الحالة صيدًا ثمينًا للأدوية مجهولة المصدر. موضحًا أن بعض الشركات تقوم بطبع علب جديدة بتاريخ حديث، لوضع أدوية. وتؤكد سعاد الديب (رئيس الجمعية الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك بالاتحاد العربي للصناعات) أن المستلزمات الطبية هي السبب الرئيسي في زيادة معدلات الأدوية المغشوشة في "مصر" بسبب أسعارها الزهيدة. موضحةً أن بعض المواطنين يتحملون السبب في رواج هذه النوعيات المضرة بالصحة، والتي تفتح الباب أمام شركات الغش بكميات أكبر. وقالت: "هذه المستحضرات المغشوشة تحتوي علي نفس المواد الفعالة الموجودة في الدواء الحقيقي، ولكن بتركيز أقل أو قد تكون منتهية الصلاحية تمامًا، مما يؤدي إلي تعرض المريض لأضرار بالغة قد تؤدي إلي الوفاة والسبب الرئيسي وراء انتشار ظاهرة الأدوية المغشوشة يتمثل في بعض الصيادلة الذين يتعاملون مع جهات غير مصرح لها وشركات غير معروفة أو معتمدة. بالإضافة إلي أن شركات الأدوية غير مُلزَمة بأخذ الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات، وهو ما يسمح لأصحاب الصيدليات الذين يسعون للربح غير المشروع ببيع الدواء منتهي الصلاحية. من جانبه، يشير الدكتور "محمود عبدالمقصود" الأمين العام السابق لنقابة الصيادلة إلي أن هناك بعض الشركات التي تستورد ماكينات لتعبئة الأقراص الدوائية بكميات كبيرة دون مراعاة شروط السلامة، مؤكدًا أن ظاهرة الأدوية المغشوشة هي ظاهرة عالمية، وأن الاستثمار فيها يتزايد بشكل بالغ. موضحًا أن بعض المرضي يجدون في إعلانات الفضائيات التي تخدعهم أدوية رائعة، في حين أن معظم هذه الأدوية التي تسوَّق من خلال الفضائيات أو شبكة الإنترنت مغشوشة وتحتوي أحيانًا علي مواد خطيرة علي حد قوله؛ حيث يتم تصنيعها بطرق غير شرعية، ولا تمر علي الجهات الرقابية، ولا تخضع للقوانين أو الضوابط التي تحكم تصنيع الأدوية. ويحذر الدكتور . "خليل القتيمي"- رئيس مجلس إدارة جمعية لرعاية مرضي الكبد- من استخدام مواقع الإنترنت في الحصول علي الأدوية الصالحة لعلاج مرض ما، أو استخدام الأعشاب وبيعها عن طريق الإنترنت. مؤكدًا أنها عمليات نصب تضر المريض الذي يتعمد عدم الذهاب إلي الطبيب واستخدام الإنترنت في معرفة الدواء المناسب له. كما نبّه إلي ضرورة تجنب تناول الأعشاب مجهولة المصدر والتي تعلن عنها الفضائيات ومواقع الإنترنت. وقال: إن الخطورة تتمثل في بعض الأدوية المغشوشة التي تستخدم فيها مكونات كيميائية غير المركب الأصلي مثل بودرة الطباشير والطوب والأسمنت والمعادن والدهانات وملصقات الأثاث، والتي تُعد أخطر الوسائل في تجارة الأدوية المغشوشة لما تحتويه من مواد عالية السمية. علي الجهات الرقابية السيطرة علي "مافيا الغش" في الوقت الذي أكّد فيه مسئولو شعبة المستلزمات الطبية بالاتحاد العام للغرف التجارية - في البيان الصادر عن الشعبة الشهر الماضي- تسليم الجهات الرقابية مستلزمات مغشوشة العام الماضي تصل قيمتها إلي 10 ملايين جنيه- طالب المواطنون والصيادلة الحكومة المصرية بالتشديد علي الصيدليات، ووضع رقابة صارمة عليها، وعلي الموزعين والمخازن المغشوشة، وتكثيف الزيارات التفتيشية للصيدليات، خاصة في الأماكن الشعبية.