مواجهات عديدة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير أسفرت عن سقوط قتلى فى صفوف المصريين، والكل يطلق عليه لقب شهيد، فاختلط الحابل بالنابل، حتى أصبح البلطجى شهيدًا والثائر شهيدًا.. "اليوم السابع" يفتح هذا الملف الشائك مع عدد من رجال الدين لتوضيح من هو الشهيد. الدكتور محمود مهنا، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أكد أن الشهيد فى سبيل الله أعظم الرتب وأعلاها عند الله و أبهاها، وهم أنواع: شهيد الدنيا والآخرة معًا، وشهيد الدنيا، وشهيد الآخرة، مضيفًا أن شهيد الدنيا والآخرة هو الذى يقتل فى قتال مع الكفار، مقبل غير مدبر؛ لتكون كلمة الله هى العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، دون غرض من أغراض الدنيا، أما شهيد الدنيا فهو من قتل فى قتال مع الكفار وقد غل فى الغنيمة أو قاتل رياءً أو عصبية عن قومه، أو لأى غرض من أغراض الدنيا، ولم يكن قصده إعلاء كلمة الله، فهذا وإن طبقت عليه أحكام الشهيد فى الظاهر من دفنه فى ثيابه، ونحو ذلك، لكنه ليس له فى الآخرة من خلاق، ونحن نعامل الناس على حسب الظاهر فى الدنيا، والله الذى يعلم الحقائق وهو الذى يتولى حسابهم يوم القيامة. وأكد "مهنا" أن شهيد الآخرة هو الذى يكون له أجر شهيد فى الآخرة لكنه فى الدنيا يطبق عليه ما يطبق على الميت العادى، منهم المقتول ظلماً من غير قتال، وكالميت بأنواع من الأمراض ونحو ذلك، وكالغريق فى البحر الذى ركبه وكان الغالب فيه السلامة، بخلاف من ركبه وكان الغالب عدم السلامة، أو ركبه لإتيان معصية من المعاصى ونحو ذلك. أما الاستشهاد فى ساحة القتال فإن أجره عظيم جداً، وهو قمة مراتب الشهادة، ولا يمكن لأى نوع آخر من الشهداء أن يصل إلى هذا المقام، قال الله تعالى: "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ"، وقال صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له فى أول دفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع فى سبعين إنساناً من أقاربه). كذلك من أنواع شهداء الآخرة: من مات بداء البطن والموت بالغرق والهدم لقوله صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة: المطعون -الذى أصيب بالطاعون- والمبطون -الذى قتل بداء البطن ومات بسبب مرض فى بطنه، وأمراض البطن كثيرة ومنها: الكوليرا- والغرق -الذى مات غريقاً- وصاحب الهدم -الذى انهدم عليه بيته، الذى يسكن فيه، أو وقع عليه جدار أو حائط، مات بسبب الهدم، وكثير من الذين يموتون فى الزلازل كذلك- وصاحب الهدم، والشهيد فى سبيل الله). وعن الأحداث الجارية، من كارثة بورسعيد ومحاولة اقتحام وزارة الداخلية، قال "مهنا": إن أمة تفعل مثل هذا الصنيع أمة متأخرة تأخرًا يشمل كل شىء، مضيفًا: "إننى أرى أن هذا غضب من الله علينا جميعًا، لأن الله قال "وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"، مشيرًا إلى أن مصرنا التى لها من الحضارات ما لها أصبح العالم اليوم يتفرج على شبابها، بل إن وكالات الأنباء تصف الشباب المصرى بأنه شباب بعيد عن المنهج وبعيد عن الحضارة. مضيفًا: إن هؤلاء الشباب ليس لهم حكمة الشيوخ، ولو استمروا على هذا النهج لضيعوا الأمة، وأسمع كثيراً من العقلاء يقولون إن حكم الفاجرين مع استتباب الأمن أفضل مما نعيشه الآن، فلا أمن ولا أمان ولا راحة ولا استقرار، ومن ثم ربما ينطبق علينا ما طبق على غيرنا من الأمم، فقد حكى الله عن أمة سبأ فى اليمن بأنها كانت أمة هادئة آمنة مستقرة، إلا أنهم كفروا بأنعم الله، واعترضوا على أحكام الله وأفكار المجتمع الذى كانوا يعيشون فيه، فبعث الله عليهم عذابًا من تحت أرجلهم ومن فوقهم، وذلك بتسليط سيل العرم عليهم لقوله تعالى "لقد كان لسبأ فى مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشىء من سدر قليل، ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى إلا الكفور". وتابع: الله عز وجل بيّن أن المؤمنين الذين لم يظلموا ولم يتهوروا لهم أرفع وسام وهو الأمن "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون"، مضيفًا: "أرى أن ما يحدث الآن إنما هو تهاون من الحاكم وطبطبة لا يأبه لها؛ لأن الواجب عليه أن يؤدب هؤلاء الناس لا أن يتخذهم شهداء، فهؤلاء ليسوا بشهداء ولا يعرفون عن الشهادة شيئًا ولن ينالوها إطلاقًا؛ لأنهم روعوا الأمن وأساءوا إلى مصر، حتى إننى أسمع أن من يموت فى طابور العيش وفى طابور أنبوبة البوتاجاز يسمونه شهيدًا"، مشيرًا إلى أن الشهداء أنواع: "من يدافعون عن الدين وعن الأوطان وعن المصالح الذاتية، فالذى يدافع عن المصالح الذاتية لا يسمى شهيدًا ولا مقربًا إلى الله، بل بعيد كل البعد، فهؤلاء الذين أثاروا تلك الزوبعة ليسوا شهداء. من جانبه قال الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية السابق، إنه يأسف للأحداث، مشيرًا إلى أنه لا يمكن للعقل أن يصدق أن يموت مصريًا بيد مصرى، وللأسف فى مكان فرحة ومكان لهو والمفروض أنها رياضة والرياضة أخلاق، وهو أمر لا يصدقه عقل، واصفًا ما حدث بالانفلات الأخلاقى. وأضاف "واصل" إنه بلا شك يوجد تدخل مرتب ومقصود لوقوع تلك الأحداث، لكن هناك أناساً مهيأة، وهناك نفوس ضعيفة، وشباب لم يكن عنده دين ولا أخلاق، ولم يرب وعنده انعدام دين، مرجعًا ما حدث إلى التهميش فى الجانب الثقافى والدينى لدى الشباب، مفتيًا بأن الإنسان الذى كان يجلس فى المدرجات ومسالمًا وفوجئ بمن ينقض عليه ويقتله فهو بلا شك "شهيد"، مؤكدًا أن الذى قتل وتسبب فى هذا سواء كان بطريق مباشر أو غير مباشر ليس لديه ضمير ولا خلق، ولا يستحق أن يكون مصريًا، متسائلاً: هل هؤلاء هم شباب الثورة؟. من جانبها قالت الدكتورة عبلة الكحلاوى، الداعية الإسلامية، إن الشهادة درجات أعظمها الشهادة فى سبيل الله أمام العدو للدفاع عن الدين والأرض والعرض والنفس، مضيفة أن هناك أنواعًا أخرى للشهادة، وهى ما ذكرها النبى "ص" عندما قال "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد"، وتابعت "الكحلاوى": إن مسألة الشهادة برغم ذلك بها جزء كبير مرتبط بالنية، وكل مواطن تزهق روحه فى أى من هذه الأحداث وهو يلتزم بالسلمية، والحفاظ على حقوقه وحقوق غيره، فهو شهيد. وأضافت أستاذة الفقه بجامعة الأزهر، إن من يلقى حتفه فى موقف يعتدى فيه على حقوق غيره أو منشأة أو مبنى فإنه آثم قلبه، وسيلقى جزاءه أمام من لا تضيع عنده الحقوق، نافية أن تكون قد حكمت على موتى بورسعيد بعدم الشهادة، إلا أنها أكدت فى الوقت ذاته أن من يموت وهو يعتدى على مبنى أو شخص ليس بشهيد. ويقول الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر الشريف، إن الشهادة أنواع، ولها ضوابط محددة، مشيرًا إلى أن أعظمها هو الموت فى سبيل إعلاء كلمة الله، موضحًا أن من أراد أن يفسد فى الأرض بعد إصلاحها فهؤلاء يقول الله تعالى فيهم "فمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْى فِى الدُّنيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ".