الخراب والدمار وأطلال المنازل المحترقة والمنهارة، مشاهد تذكرنا بما يحدث في قطاع غزة على أيدي قوات الاحتلال الصهيونية، لكن الحقيقة المفجعة أن تلك المشاهد هنا على أرض مصر في محافظة أسوان الهادئة، بين أبناء أهلها الطيبين. شجار عادي وبسيط بين شباب متهور أدى لمعركة بين قبيلتي "الدابودية"، و"بني هلال" خلفت 26 قتيلاً، وعشرات المصابين. "بوابة أخباراليوم"، نجحت في الوصول لمنطقة "زرزارة" التي كانت مسرحاً لمعركة دارات رحاها لعدة أيام، واجهتنا تحذيرات أمنية شديدة خوفاً على حياتنا. مع الساعات الأولى لصباح أمس الخميس 10 إبريل، انطلقنا مستقلين سيارة رفض صاحبها في البداية اصطحابنا لمجرد ذكر رغبتنا في الوصول ل"زرزارة"، لكننا استطعنا إقناعه بعد محاولات طويلة. مسافة تتجاوز 15 كيلو متر عن مدينة أسوان تؤدي للجبل، ومظاهر الخوف والرعب تحيطنا من كل اتجاه، ناس لا نعرفهم يلوحون لنا بأيديهم بعدم الاستمرار بالسير، وكأننا في منطقة ألغام يخشى الأهالي علينا من أن تنفجر فينا. وكلما تحركنا صوب الهدف زاد الرعب من تلك التحذيرات، والخوف من المصير المجهول، وبعد 15 دقيقة استطعنا الوصول للهدف المنشود "زرزارة". (رائحة الموت) رائحة الموت تنبعث من المنازل المحترقة، وآثار طلقالت الرصاص تخترق النوافذ والأبواب، منازل نهبت عن آخرها بما تحويه من تجهيزات لعرائس كانوا يستعدون للزفاف. رائحة جثث الحيوانات المتفحمة، تزكم الأنوف، وتنبعث منها روائح كريهة لا يستطيع بشر تحملها، استخدمنا كمامات ترحمنا من تلك الروائح، خلال جولتنا في موقع الأحداث. امتدت رحلتنا لأكثر من ثلاث ساعات، ووسط تلك المشاهد المأساوية وجدنا عجوزاً تجلس في مدخل منزل تبكي حالها وسط الأنقاض، وفور رؤيتها لنا هرولت لتروي همومها ومأساتها قائلة: "اسمي سعاد عبدالحميد محمود، 60 سنة، فقدت اثنين من أبنائي، وألطم خدودي يومياً حينما أتذكرهم، وأبكي بحرقة على فراقهما". تابعت: "اتقتلوا غدر في نص الليل، ملهمش ذنب يموتوا في عز شبابهم، تركوني وحيدة في الدنيا دون أحد يرعاني وتركولي أطفالهم يتامى أحدهم ترك طفلاً لم يمر على مولده 3 أيام". جذبتنا سعاد لداخل المنزل، لتطلب من زميلنا المصور، أن يلتقط صوراً لما تبقي من حطام لأساس المنزل، تشير بأصبعها لطلقات الرصاص، وتقول: "استيقظت من نومي على أصوات طلقات الرصاص التي اخترقت النوافذ والأبواب من كل اتجاه، خرج ابني الأكبر مهرولاً بملابسه الداخلية لاستطلاع الأمر فلقي حتفه متأثراً بوابل من الرصاص اخترق جسده النحيف، في الوقت الذي أسرع فيه شقيقه الأصغر لإنقاذه فلقي مصيره محتضناً أخيه أمام عيني". تضع السيدة العجوز يدها على رأسها قائلة: "آه علي حالي، حرقوا داري، ويتموا أحفادي"، وتدخل في نوبة بكاء لم نستطع بعدها تهدئتها. واصلنا جولتنا لرصد منازل هجرها الأهل فارين من جحيم المعركة تركوا الأموال والبيوت هرباً بحياتهم وحياة من يعولون فمنهم من نجح، ومنهم من لقي حتفه فور خروجه للشارع. (عظام محترقة) وصلنا أحد حظائر المواشي التي احترقت أبوابها وتنبعث منها رائحة كريهة، التقطت الكاميرا صوراً لعظام المواشي، بعد أن آكلت النار لحمها، وفحمت عظامها، خرجنا مسرعين غير متحملين الرائحة. استمرت جولتنا لتفقد آثار الدمار الذي لحق بالمنازل، لعب أطفال تركوها لينجوا بحياتهم، وتجهيزات عرائس وعرسان كانوا يستعدون لزفافهم، سيارات محترقة لم يتبقى منها إلا هياكلها الحديدية. البوم الصور "مجزرة " أسوان /images/images/small/4201411164939.jpg 1. "مجزرة " أسوان 2. "مجزرة " أسوان 3. "مجزرة " أسوان 4. "مجزرة " أسوان 5. "مجزرة " أسوان 6. "مجزرة " أسوان 7. "مجزرة " أسوان