زوجتي.. نعم هي زوجتي.. لكنني أحاول أن أبحث عن المشاعر القديمة، فلا أجدها.. فأين ذهبت؟ وكيف لي أن أستعيدها؟ وكيف انهار بناء الحب الشامخ وخُسفت الأرض من تحته خسفاً؟.. سيدتي.. هذه هي قصتي... طالما بحثت عن الاستقرار منذ كنت شاباً أدرس بالجامعة، نعم أريد الحب لكنني لم أكن »واحداً من هؤلاء« الذين يهوون اللعب ببنات الناس، واختلاق قصص غرامية وهمية تتعلق بها البنات ثم تنتهي إلي لا شيء بالنسبة له، ودموع وآهات بالنسبة لها. لذلك عندما أحببت فعلت ذلك بصدق وتفان، أحببت إنسانة رائعة وتزوجتها بعد عزمنا نحن الاثنين علي أن نكلل حبنا الجميل بمظلة الارتباط الرسمي، كنا مثل روميو وجولييت، شعارنا في تعامل كل منا مع الآخر الحب والحنان والتضحية، وعشنا معاً أجمل سنوات الشباب، لم نقض شهر عسل واحد وإنما قضينا سنوات عسل ملؤها الإخلاص والاحترام، وطبعاً الحب. رزقنا الله بأولاد كانوا فلذات أكبادنا، شجيرات صغيرة كبرت مع الزمن، وكان من الطبيعي أن يزيد أولادنا الرابطة بين أبيهم وأمهم، بحكم الرغبة في تكوين أسرة متماسكة تقف في وجه عوامل الزمن الهدامة، وقد كان. مع كل طفل كنا نرزق به كان الرباط بيننا يشتد أكثر وأكثر، والحب بيننا يشتد عوده بشكل رائع، لكن عندما بدأ أولادنا يكبرون ويبتعدون عنا نسبياً كلٌ في طريق شق مستقبله حدثت المفاجأة في علاقتنا الجميلة. لم أعد أشعر بأحاسيس الرجل تجاه امرأته! فقط هناك علاقة امتنان وعشرة وصداقة أقرب إلي الأخوة! فجأة حدث ذلك، وهي أيضاً كانت تشعر بي، وتتألم وحدها دون أن تخبرني، لكنني أقرأ ذلك في عينيها، وأحاول أن أظهر لها عكس ما أشعر به، لكنني لا أنجح للأسف في رسم القناع الكاذب طول الوقت مع زوجتي. سيدتي.. لا أقصد هنا العلاقة الحميمية بين الزوج وزوجته، وإنما أقصد أعماق قلوبنا، ساد الفتور وأطفأ زهوة حب الشباب بعد أن وجدنا نفسينا بمفردنا في البيت في معظم الأوقات، بلا ولد يملأ علينا البيت ويغيّر لنا من روتين حياتنا. إن هذا الحوار الصامت بيننا يؤلم كلينا ولا يحل المشكلة، أخشي أن أصارحها بمشاعري فتكون صدمتها أكبر، وفي نفس الوقت أجهدتني محاولات التمثيل والفشل فيها في معظم الأحيان. سيدتي.. كيف لي أن أنهي آلامي وآلام زوجتي؟ الخالي من المشاعر: »ب« الكاتبة: أقدر ما تعانيه - سيدي - فهي مشاعر طبيعية تواكب هذه المرحلة العمرية الصعبة.. أقصد منعطف »منتصف العمر« إنه المنعطف الأخطر الذي تعبره عربة حياتنا بسرعة جنونية فتكاد تنقلب بنا، وتعصف بكل ركابها! إنها المرحلة التي تبدأ الحياة بكل زخمها ووهجها. ضجيجها وزحامها تنسحب تدريجياً من ثنايا مشاعرنا، وأرقام أيامنا. المرحلة التي تشهد استقلال الأولاد وانشغالهم بحياتهم ومستقبلهم بعيداً عنا، بعد أن كانوا يحتاجون إلي دعمنا المادي، والعاطفي سنوات طوال. كذلك نتصور في تلك المرحلة أن دورنا في الحياة قد تراجع أو تجمد بفعل الزمن.. وهنا ننسحب إلي الداخل، ونعيش في قوقعة الأفكار السلبية والاستسلام أن كل شيء قد انتهي.. وأننا نعيش فترة انتظار لكلمة النهاية! وللأسف فإن هذه الأزمة تتصاعد بالأوهام أكثر منها بالحقائق، والدليل علي ذلك أن الشخصيات التي تواجه تلك المرحلة الصعبة من العمر بتفاؤل، وقوة مدعومة بالثقافة العميقة، والفهم الناضج لفن الحياة وكيفية التعامل الذكي مع كل مرحلة من مراحلها بثقة وحب وتفاؤل. تلك الشخصيات تعيش منتصف العمر بسعادة وتفهم، وربما تتحول تلك المرحلة العصيبة إلي واحدة من أجمل سنوات عمره أو عمرها. المهم - سيدي - كيف نتعامل مع مشاعرنا الغامضة، الملتبسة خلال تلك الفترة. فأنت تتحدث عن حياتك التي كانت تغمرها السعادة، وتطفو فوق أيامها البهجة عندما كنت وزوجتك أبوين لأطفال صغار مثل أشجار صغيرة تنمو بمياه حبكما، وتكبر بدفء رعايتكما وعطائكما. وعندما استقل الأولاد، دخلت حياتكما من الهدف »من وجهة نظرك« غرقت في بحور الخوف من الزمن، وشدتك دوامة منتصف العمر بسحبها الكثيفة، وضبابها الكئيب! مع إنك - سيدي - لو كنت فكرت قليلاً كيف تؤهل نفسك لهذه المرحلة ببرنامج جديد للحياة تضع فيه مشروعات أحلامك المؤجلة، وتحدد فيه خططاً زمنية لتحقيق وتنفيذ أكبر قدر منها. قد تكون في حياتك أشياء حلمت كثيراً بتنفيذها كالسفر إلي بلاد معينة قرأت عنها وشاهدت معالمها علي شاشة التليفزيون أو الكمبيوتر، قد تكون تمنيت أن تعود إلي قريتك لتعيش بها جزءاً من وقتك، وتلقي بنفسك أثنائها في أحضان الطبيعة. قد.. قد.. قد. من المؤكد أن لكل منا عشرات الأحلام المؤجلة التي لم تمكنه مسئولياته الكثيرة في شبابه المبكر من تنفيذها. فبين العمل، ومحاولة زيادة الدخل، وبين بناء أسرة وبيت وأولاد. كانت أحلامنا الشخصية تائهة ومؤجلة. الذكاء - سيدي - أن تبحث في حقيبة حياتك وأفكارك وأحلامك، وتخرج منها أوراقاً سحرية من شأنها أن تغير حياتك مائة وثمانين درجة. وتجعلك تعيش أزمة منتصف العمر كأجمل فترات حياتك. حاول.. جرب.. ولن تندم..!