التفوق الوهمي, وارتفاع درجات تنسيق القبول بالجامعات حطم أحلام الكثير من الطلاب الحاصلين علي مجاميع مرتفعة, لعدم تحقيق طموحاتهم في الالتحاق بكليات يرغبون فيها. إن مفهوم كليات القمة مفهوم خاطئ, فليس هناك ما يسمي كليات القمة, فكل كلية لها تخصص علمي مطلوب بنسبة معينة في سوق العمل, ويجب التعامل مع هذا المفهوم المغلوط علي هذا الأساس. إن كليات الطب والهندسة والصيدلة تعاني من فائض في سوق العمل, وبعضها يعاني من بطالة حقيقية, وفي ضوء ذلك فلقد طالبت النقابات المهنية كثيرا بالحد من أعداد المقبولين فيها, حرصا علي كيان المهنة.. إنه يجب أن يكون هناك توجه مجتمعي واضح بإعادة النظر في هذا المفهوم الخاطئ, حيث يضيف أعباء جديدة لمشكلة البطالة في المجتمع, وحتي علي مستوي التعليم الخاص فإن أغلب الكليات التي تقبل عليها الجامعات الخاصة هي تلك الكليات نفسها التي تعاني من تكدس الطلاب, وتعاني بطالة في الوقت نفسه في خريجيها. إنها يتوجب توعية أولياء الأمور والطلاب بحقيقة الطلب في سوق العمل المتغيرة علي مختلف التخصصات, وتحديد أعداد المقبولين, لا طبقا للأماكن الشاغرة في هذه الكليات, بل طبقا لحركة سوق العمل, والمصلحة الوطنية, بصرف النظر عن تصورات أولياء الأمور ورغباتهم, وأنه من الأفضل أن يلتحق الطالب بتخصص ما حسب ميوله الشخصية, وقدراته الحقيقية, ومؤشرات سوق العمل, يرشح ذلك أن شرائح كبيرة من الطلاب الذين يلتحقون بما يسمي كليات القمة يرسبون, وبعضهم لا يمكنهم الاستمرار في الدراسة, ذلك أن طريق الاختيار بواسطة مكتب التنسيق بصورته الحالية لا يراعي القدرات الحقيقية للطلاب, والمطلوب هو المصارحة وتوضيح الصورة أمام المجتمع بحقيقة الطلب علي التخصصات المختلفة, كذلك إعادة النظر في طريقة القبول للجامعات الحالية, بما يمكن من حسن توجيه الطلاب بصورة تتناسب مع قدراتهم وميولهم الحقيقية. إن التفوق الوهمي هو الوليد الشرعي لامتحانات التحصيل, وثقافة الإيداع والتخزين للمعلومات.. إنه نتيجة منطقية لصناعة قوالب جامدة من المتعلمين, غير المفكرين, لأنهم تدربوا علي الحفظ والاجترار. إن الامتحانات تكرس التذكر والاستدعاء والاسترجاع, وهنا يتساوي جميع الطلاب والخاسر الوحيد هم الطلاب المتفوقون, لأن الدرجات لا تعبر عن تميز الطالب وقدراته الحقيقية, بل تعبر عن أصحاب الذاكرة الحافظة من الطلاب أصحاب فقر الفكر, وأنصاف المتعلمين, الذين يفتقدون العقل الناقد والمبدع. إن هذه الامتحانات التي تفتقد التمييز هي المتهم الأول في حصول الطلاب علي درجات بلا رصيد في مكتب التنسيق, وتزييف الوعي لدي الآباء والطلاب, وتصدير المشكلة من وزارة التربية والتعليم إلي وزارة التعليم العالي, بل إنها تظهر الدولة بمظهر العاجز عن استيعاب الطلاب المتفوقين في التعليم الجامعي, ويصبح التفوق الوهمي شيكا بلا رصيد. إن هذا المسلسل مستمر منذ الثمانينيات من القرن العشرين, بل إن تسييس التعليم يتم بإعادة توزيع درجات السؤال المميز بين مستويات الطلاب, الذي يقابل بهجوم من أصحاب الأقوات المرتفعة إعلاميا, وحيث يتم خفض درجات السؤال المميز تلبية لرغبات الطلاب الضعاف وآبائهم, ويتساوي الطالب المميز مع الطالب المتوسط, ويتم القضاء علي مفهوم تكافؤ الفرص. إننا في حاجة إلي امتحانات تقيس القدرات والميول معا, وفي حاجة لتخصيص15% علي الأقل من الدرجة الكلية للطلاب المتميزين. إن تسييس التعليم بالخضوع لأصحاب الأصوات العالية من آباء الطلاب الضعاف, وإعادة توزيع الدرجات بتخفيض درجة الأسئلة المميزة تحقق التفوق الوهمي, وتزيف وعي الآباء والطلاب علي حد سواء. إن امتحان الثانوية العامة يجب أن يكون معياريا, وأن يكون شرطا أساسيا وليس شرطا كافيا لدخول الجامعة. ان يمثل أحسن تقدير80% من الدرجة الكلية للمجموع, تضاف إليها20% تخصص لقياس القدرات الخاصة والميول والاتجاهات فيصبح دخول الجامعة بالتحصيل والتفكير والقدرات الخاصة والميول معا, وتلك هي قضية كتيبة الإعلام وكتيبة التعليم معا, من أجل تغيير ثقافة التعليم في المجتمع, وحتي يصبح التعليم للحياة وليس للامتحانات. إن التعليم لابد أن يعكس متطلبات سوق العمل المتغيرة, ويلبي مطالب السوق من حيث المهارات والقدرات والإمكانات التي تنشدها سوق العمل من الخريجين, إنه لابد من تعليم جديد لمجتمع جديد, مجتمع ما بعد ثورة يناير2011, تعليم يتطلب توسيع وتجديد التخصصات العلمية والتكنولوجية, وجعل الفكر الأكاديمي لقاعات الدرس في مؤسسات التعليم, وجعل التطبيقات والممارسات العلمية في المؤسسات الإنتاجية في المصانع والشركات والمعامل, وحتي يمتزج الفكر النظري ويتطور بالتطبيق العملي, والتقدم التقني, وحتي يقترن التعليم بالعمل, ويتحول التعليم من خدمة تقدمها الدولة للأفراد إلي استثمار لطاقات وقدرات الشباب, بل لتطويرها وصقلها وتنميتها, وحتي تصبح الجامعة لخدمة المجتمع, ويتحول البحث العلمي الجامعي من بحوث نظرية إلي بحوث تطبيقية لحل المشكلات في المؤسسات الإنتاجية, ولتقديم رؤي إبداعية لتسريع حركة الإنتاج, وزيادة وجودة الإنتاجية, ومعا نحن قادرون علي التغيير.