إحساس المؤمن بحفظ الله له، ويقينه أنَّ الله معه؛ يَسمعه إذا شكا، ويُجيبه إذا دعا، ويأخذ بيده إذا كبا، ويمدُّه إذا ضعُف، ويعينه إذا احتاج، ويلطف به إذا خاف، كلُّ ذلك من أسباب ارتياح النفس وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب وتيسير الأمر، وطيب العاقبة فى العاجل والآجل. يقول الدكتور حمادة القناوى من علماء الأوقاف: ثقة العبد بربِّه ويقينه بأنه - سبحانه - المتولى لأموره، وأنه - تعالى - سائقُ كلِّ خير، وكاشفُ كل ضر - لا تتركه نهبًا للوساوس والأوهام، ولا تلقيه فى بيداء اليأس من روح الله، أو ظلمة القنوط من رحمة الله؛ بل تجعله يضرع إلى الله - تعالى - عند كلِّ نازلة، ويستجير به عند كل مصيبة، ويشكره ويذكُره، ويحمده عند كلِّ نعمة ورحمة، فيتَّجه إلى الله فى سائر أحواله، داعيًا متضرعًا موقنًا بالإِجابة، منتظرًا للفرج من الله، لا يتَّجه إلى غيره، ولا يُنزل حاجتَه بسواه:?أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ? [النمل: 62]، فيتذكَّر ربَّه فى كلِّ أحواله ذاكرًا وشاكرًا على السرَّاء، وصابرًا ضارعًا منتظرًا للفرج عند الضرَّاء، ويسأل الله أن يجود عليه بحفظ النعماء، والعافية من البلاء، واللطف فى القضاء. فمن حفظ حدود الله عز وجل وحفظ أوامره ونواهيه كان الله عز وجل معه، وهذه هى معية التأييد والنصرة والتسديد وإجابة الدعاء، وهى المعية الخاصة، قال تعالي: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]. وكما قال عز وجل لهارون وموسي: {إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَي} [طه:46]، أي: بتأييدى ونصرى وبسماع دعائكما. وهذه المعية الخاصة بخلاف المعية العامة: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7]، هذه هى كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لما قال له أبو بكر: (لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا، فقال: ما ظنك باثنين الله ثالثهما). المعية العامة فالجميع تحت سمع الله عز وجل وتحت بصره، وهذه المعية العامة تستوجب من العبد الحذر من الله عز وجل والخوف منه ومراقبته، أما معية التأييد والنصرة والتسديد فتستوجب من العبد أن يستغنى بالله عز وجل، وأن يتقوى ويستأنس بالله عز وجل، يذكر أن أحد العلماء كان يجلس وحده ويكثر من الخلوة، فقيل له: ألا تستوحش وحدك؟ قال: كيف ذلك وهو يقول: أنا جليس من ذكرني؟ فهذه هى المعية الخاصة معية الأنس ومعية التأييد ومعية النصرة. وقال إن وسائل معية الله، فإن الإيمان بالله جل وعلا يعد مفتاح كلّ خير، ومغلاق كل شر، وهو الطريق المؤدى إلى الله، ويتطلب الالتزام بالفرائض كأداء الصلوات الخمس فى مواعيدها، والحفاظ على ورد يومى من القرآن مهما طال أو قصر، وصوم رمضان، وإيتاء الزكاة، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والاقتداء بسنة الرسول وصحابته والتابعين، ومما يعين على ذلك الصحبة الصالحة، وكذلك قيام الليل يعنى قضاء الليل أو جزء منه فى طاعة الله، وتكمن لذته فى أنّ الناس نيام، والعمل خالص لله جل وعلا بعيد عن المراءاة المباهاة، وهذا يوجد فى النفس خشوعاً وراحةً واطمئناناً. ويضيف القناوى: يعتبر الدعاء همزة وصل لا تنقطع بين العبد وربه، فهو متاح فى جميع الأوقات ولا يشترط لصحته وقبوله الطهارة، أو استقبال القبلة، أو الكلام الفصيح الموزون، بل للعبد أن يرفع يديه أنى شاء ويطلب الفرج والرزق والتوفيق وكل ما يتمني، والله عنده سر الإجابة فإما أن يحقق له مراده كما هو، أو يصرف عنه بلاءً ما، أو يدخره له يوم القيامة، وقد حث الله عباده على دعائه فقال فى كتابه العزيز: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْإِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60]، ومن لم يسأل الله فإنّه يغضب عليه لأنه استغني، والمسلم يستغنى عن كل شيء إلا خالقه لأنه هو الغنى وهو المغني. ويقول الدكتور عبد الله أبو الفتح، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين جامعة الأزهر، إن الله – عز وجل – محيط بخلقه لا يخفى عليه شيء من أحوالهم، قال تعالى: [وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير]، لكن معيته – جل شأنه – تكون على قسمين: أولهما: هى المعية العامة وتكون بالسمع والبصر والعلم لجميع المخلوقات فهو سبحانه لا يحجب عنه سماء سماء ولا أرض أرضا، ولا جبل إلا يعلم ما فى وعره، ولا بحر إلا يعلم ما فى قعره، يعلم عدد ما فى الجبال والتلال والرمال والبحار والقفار، قال – عز وجل - : [ ألم تر أن الله يعلم ما فى السماوات وما فى الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا]وقال – عز من قال - : [وما تكون فى شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا]. وأما القسم الثانى: فهى المعية الخاصة وتكون تلك المعية للمؤمن الحق الذى يتقى الله تعالى ويخافه فى السر والعلن فيستحق بذلك أن يكون الله – عز وجل – معه؛ يحوطه برعايته ويحرسه من نزغات نفسه وضلالات الشياطين، قال الله تعالى: [ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون] ومعنى الذين اتقوا: أى تركوا المحرمات، والذين هم محسنون أى فعلوا الطاعات، فهؤلاء الله يحفظهم ويكلؤهم وينصرهم ويؤيدهم ويظفرهم على أعدائهم ومخالفيهم أى معهم بتأييده ونصره ومعونته وهديه وسعيه، ومن هذه المعية أيضا قوله تعالى: [إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا]، وقوله – عز وجل - لموسى وهارون: [لا تخافا إننى معكما أسمع وأرى] أى لا تخافا من فرعون، فإننى معكما أسمع كلامكما وكلامه، وأرى مكانكما ومكانه، لا يخفى على من أمركم شيء، واعلما أن ناصيته بيدي، فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش إلا بإذني وبعد أمري. وأنا معكما بحفظي ونصري وتأييدي.