المغالاة في المهور أصبحت ظاهرة لدي كثير من الناس, حيث تمثل مشكلة كبيرة وسببا رئيسيا في تأخر سن الزواج في الوطن العربي عامة وفي المجتمع المصري خاصة, فهي من المشكلات الكبيرة والمعقدة التي تبحث عن حل ولا بد لها من حل, فإن هناك دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن نسبة غير المتزوجين من الشباب من الجنسين تمثل29.7% للذكور و28.4% للإناث وأن هذه المشكلة يعاني منها كثير من أهالي دول المنطقة كلها وكأنها عدوي وانتشرت بينهم أنتشار النار في الهشيم. يقول الشيخ السيد عمارة من علماء الأوقاف حث الإسلام علي الزواج وجعل النبي صلي الله عليه وسلم ترك الزواج لغلاء المهور والهروب من تحمل مسئوليات الزوجات والأولاد ليس من سنته صلي الله عليه وسلم, وكفي بذلك توبيخا وتقريعا وتنكيرا, فقوله تعالي:( وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) أي: لا تتركوا أحدا بلا زواج. ويقول أبو بكر رضي الله عنه: عجبت لمن ليس بمتزوج, ومن كان فقيرا كيف لا يتزوج, وقد ضمن الله له الغني في الزواج! وقد قال صلي الله عليه وسلم:( ثلاثة حق علي الله تعالي أن يعينهم: الناكح يريد العفاف, والمجاهد في سبيل الله, والمكاتب يريد الأداء), فالزواج أمرك الله تعالي به وأعانك عليه, وضمن لمن يريد الزواج تحصينا لنفسه, وطاعة لربه, والفقر ليس بعلة. إن الغلاء في المهور منكر وبدعة; بسبب التأثير السلبي علي طرفي العملية( الأولاد والبنات), فإن سألت الشباب لماذا لا تتزوجون؟ يقول أحدهم: ذهبنا نخطب فلانة فطلب أبوها منا كذا وكذا وهذا ليس باستطاعتي حتي ولو بعد حين, والنبي عليه الصلاة والسلام لم يمنع هذا الشاب الذي طلب منه أن يزوجه كونه لم يملك حتي خاتما من حديد, فلم يقل له: أنت لست قادرا علي الزواج, وأمثالك لا يتزوجون, وهذا دليل علي أن عدم القدرة علي الزواج ليس في المال; لأن الله قد تعهد لمن يريد أن يتزوج ويرجو العفاف بالمال, قال تعالي:{ إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله....}, النور:32]. إذا: قوله عليه الصلاة والسلام:( يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج) معناه: القدرة البشرية, فلا يكون عنينا ولا ضعيفا ولا مشغولا بقتال ولا طالب علم, والشباب الذين تزوجوا بقصد التعفف والتحصين, والله تعالي استجاب لهم, وصدق الله إذ قال:{ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}, فصلت:42]. وأضاف أن الزواج شرعه الله تعالي وهو أحد أركان بناء المجتمعات, والحفاظ علي النوع البشري عن طريق إنجاب الأطفال وتكوين اللبنة الأولي ونواة المجتمع( الأسرة), وهو وسيلة لإشباع حاجات الإنسان العضوية والأمومة والاستقرار والشعور بالانتماء, حيث إن حرمان الفرد منها يؤدي إلي الكبت والاضطراب النفسي, وقد حثنا الدين الإسلامي علي الزواج وإكمال نصف الدين وحفظ النفس من النزوات والانحراف. فتيسير الزواج للشباب من شأنه صونهم من الانحراف والوقوع في المعصية والتأسيس لأجيال متقدمة, لكن تلك التقاليد العمياء التي تفرض مهورا باهظة وتتبع مراسيم أعراس بتكاليف مفزعة من شأنها تعكير عملية الزواج وإدخال الشباب في قوافل الضياع, فهذه العادات المفروض أنها تأكلت منذ زمن وعلي نحو تدريجي, فالبذخ والإسراف في الاحتفاء بالأعراس منذ القدم دفع بالعائلات لطلب مبالغ خيالية من المتقدمين لخطبة بناتهم, للقدرة علي مجاراة مراسيم الوسط المجتمعي. علي أي حال يواصل الشيخ السيد عمار كلامه أن المغالاة في المهور لا تولد سوي الكوارث والخراب, ففعلا هي مشكلة صادمه جدا, ومخلة بالتوازن البشري, وما لا ندركه حقا أن الارتفاع الجنوني لتكاليف الزواج يسبب مشكلات اجتماعية جمة, فبالإضافة الي الانحراف والضياع الذي تحدثه, تحدث أضرار نفسية جسيمة تؤدي إلي اليأس وخيبة الأمل, فلا شيء يفتك بالنفس بقدر خيبة الرجاء والسقوط في اليأس والضغوط وكراهية الدنيا, هكذا يبدو من منظر شاب أنتظر سنوات طوالا الالتقاء بنصفه الآخر, فكيف بشاب لا يعمل يطلب منه كل هذه التكاليف. ويوضح الشيخ السيد عمارة أن هناك أسبابا لهذه الآفة وهي التمسك بالموروث التقليدي في تأدية مراسيم الزواج وما يترتب عليه من إسرف وبذخ في شراء الأطعمة والهدايا والحلي والمجوهرات للعروس بخلاف تأسيس البيت أو الشقة. وكذلك الجشع المقيت الذي وصلت إليه العائلات في بعض المجتمعات في طلب مبالغ تعجيزية مهور لبناتهم, وأيضا التعامل مع أن الإناث كسلع تباع وتشتري, والوقوع تحت تأثير الرجعية, إضافة إلي ارتفاع معدل الأمية والجهل بالحقوق الفردية, وكذلك قصور الإرشاد الديني والتوعية تجاه الأسر. وقال إن هناك بعض المقترحات للحد من هذه المشكلات منها استخدام كل الوسائل المتاحة جعلها منابر للتوعية المجتمعية, وحشد الجهود ولطاقات للخروج بمواثيق شرف إما رسمية أو مجتمعية علي الأقل لتحديد ضوابط للمهور والمغالاة فيها, وتشجيع ودعم إقامة الاعراس الجماعية ومساندة الجمعيات والمشاريع الخيرية في ذلك للتخفيف علي الشباب, ورعاية الشباب عبر برامج الدعم النفسي والمعنوي لتطوير فكرهم والقدرة علي حل مشكلاتهم بأنفسهم وللحد من انجرارهم إلي سبيل الانحراف, واتباع هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم في هذا الأمر. ويقول الشيخ عبد الحميد عراقي من علماء الأوقاف انتشرت آفة في مجتمعاتنا العربية لم يسلم منها غني ولا فقير إلا وهي المغالاة في المهور وتكاليف الزواج فلم يصبح الأمر( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير), كما أوصي رسولنا الكريم صلي الله عليه سلم. بالإضافة من يطلب مهرا مبالغا فيه وطلبات لا حصر لها وكل هذا غير الزفاف الباهظ التكاليف, ونجد من يستدين ليحضر كماليات لا حاجة ولا ضرورة لها قد تمر عليها سنون ولا تستخدم ولا تمسها يد إلا لتنفض غبار الزمن عنها ثم ترجع مكانها ولم يسلم من هذا الآمر لا زوج ولا زوجة فنري والد الفتاة يدفع كل ما يملك في شراء أشياء ما لها أهمية الا كونها أصبحت من عادات المجتمع وتقاليده البالية, وليت الأمر يتوقف عند دفعه ما يملك فقط, فقد يستدين ليكمل ما لم يكف ماله لشرائه, ونري الزوج وهو يبحث عن أحدث الديكورات لتزيين حوائط بيته ودفع مبلغ طائلة في ما يمكن الاستغناء عنه بسهولة ومع شكوي هذا وذاك من تكاليف الزواج نجدهم لا يريدون التنازل عن هذه المظاهر فقط, حتي لا يتحدث عنهم الناس, وحتي تكون الفتاة قد أحضرت أكثر من غيرها, والفتي أنفق أكثر من غيره. ويوضح الشيخ عبد الحميد عراقي أن هناك بديلا بسيطا لكل هذه الأموال التي ترمي في المظاهر الكاذبة وهو أن نترك الناس وما يقوله الناس وراء ظهورنا, وأن نبحث عمن نرضي دينه وخلقه ومن سيزين بيته بتقوي الله, وأن تأخذ الفتاة معها دينها وعفتها وتقواها لله عز وجل, وندع الناس وما يقوله الناس, ونتخذ رسول الله( صلي الله عليه وسلم) وصحابته رضوان الله عليهم وتابعيهم, قدوة لنا فعن سهل بن سعد الساعدي( رضي الله عنه) قال: جاءت امرأة إلي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) فقالت يارسول الله جئت أهب لك نفسي, فنظر إليها رسول الله( صلي الله عليه وسلم) فصفد النظر فيها وصوبه( أي رفع نظره فيها وخفضه ليتأملها) ثم طأطأ رسول الله( صلي الله عليه وسلم) رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست. فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول الله( صلي الله عليه وسلم) إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال( فهل عندك من شيء) فقال لا والله يا رسول الله فقال( اذهب إلي أهلك فانظر هل تجد شيئا) فذهب ثم رجع فقال لا والله ما وجدت شيئا فقال رسول الله( صلي الله عليه وسلم) انظر ولو خاتما من حديد فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ولكن هذا إزاري قال سهل ما له رداء فلها نصفه فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء, فجلس الرجل حتي إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله( صلي الله عليه وسلم) موليا فأمر به فدعي فلما جاء قال( ماذا معك من القرآن) قال معي سورة كذا وكذا عددها فقال تقرؤهن عن ظهر قلبك( أي غيبا من حفظك) فقال نعم قال اذهب فقد ملكتكها( أي زوجتكها) بما معك من القرآن.