أحيانا يكون لديك ملاكمان يصعدان إلي حلبة الملاكمة أحدهما ضخم ولديه عضلات بارزة والآخر أصغر حجما لكنه رشيق الحركة ولديه أسلوب قتال أفضل. هكذا بدأت مجلة فورين أفيرز مقالها لتوضح أنه حتي وقت قريب كانت واشنطن وحدها هي الوجهة التي يذهب إليها زعماء العالم لكن هذه القوة الأمريكية تشهد تراجعا ملحوظا في الوقت الراهن ليطرق هؤلاء أبواب الكرملين أملا في أن يؤمن لهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصالحهم ويعالج مشاكلهم وهذا ما يفسر التدفق المتواصل لزوار الشرق الأوسط لموسكو وآخرهم الملك السعودي سلمان. ويأتي الصعود الروسي في وقت أصبح فيه صناع القرار الأمريكي مشغولين بآسيا ويشعر الجمهور الأمريكي بالملل من الحروب في الشرق الأوسط وهو ما اعترف به أوباما وترامب, حيث يقول دينيس روس المبعوث الأمريكي الأسبق للسلام في الشرق الأوسط والذي عمل مستشارا لعدد من الرؤساء بداية من بوش الأب حتي باراك أوباما: إن التدخل العسكري الروسي غير الواقع وقلب موازين القوي ونجح بوتين في جعل روسيا لاعبا قويا في الشرق الأوسط. لقد كانت موسكو قوة رئيسية في الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة حيث كانت تسلح الدول العربية ضد إسرائيل لكن نفوذها انهار مع انهيار الشيوعية. ومع انحسار خيار تغيير النظام في سوريا تبدلت الأولويات وبات السعوديون وبقية دول الخليج يدعون روسيا إلي تقليل دور إيران في سوريا وأرسل حزب الله وميليشيات شيعية أخري مدعومة من إيران قوات هجومية لمساعدة عمليات الأسد الهجومية. ويقول عبد الخالق عبد الله المحلل السياسي: إنه من الأفضل ألا تنحاز روسيا إلي طرف بعينه ويضيف: ها هو الملك السعودي الذي يمثل دول الخليج ويتمتع بثقل سياسي كبير يزور روسيا لذا يتعين علي روسيا أن تأخذ هذا الأمر في الاعتبار لكن بوتين لن يغير موقفه من إيران تلبية للأماني السعودية وفقا لما يقوله شخص مقرب من الكرملين. نتنياهو الذي زار روسيا أربع مرات خلال18 شهرا وجد صعوبة في تغيير موقف الزعيم الروسي. لقد أخبر نتنياهو بوتين أن الوجود الإيراني المتنامي في سوريا مرفوض كما صرح نتنياهو لشبكة سي إن إن بأن الإيرانيين يحاولون استعمار سوريا بهدف تدميرنا وغزو الشرق الأوسط. لكن روسيا رفضت طلبه بإقامة منطقة عازلة داخل سوريا هدفها إبعاد قوات إيران وحزب الله عن الحدود الإسرائيلية وعرضت روسيا منطقة عازلة طولها5 كم. ورفضت روسيا أيضا طلبا أمريكيا بتحويل نهر الفرات إلي خط فاصل بين قوات الحكومة السورية والقوات المدعومة من أمريكا في شرق سوريا هذا الأمر أشعل سباقا للسيطرة علي الأراضي الخاضعة لقوات تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة الغنية بالنفط شرق سوريا. ونجحت روسيا في إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع جميع الأطراف من إيران حتي السعودية ومن حركة حماس وصولا إلي إسرائيل. وبالرغم من أن روسيا رفضت مطلب إقامة منطقة عازلة فإنها تحتفظ بتفاهم ضمني مع إسرائيل يسمح للأخيرة بتنفيذ غارات جوية ضد حزب الله في سوريا. وتقوم روسيا بجهود وساطة مع مصر لدعم المصالحة بين حركتي فتح وحماس ودعا بوتين فصائل ليبية متنافسة لزيارة موسكو عقب فشل سلسلة جهود السلام التي قامت بها دول أخري وباتت روسيا مستثمرا رئيسيا في إقليم كردستان العراق وكانت من بين القوي الدولية القليلة التي أحجمت عن إدانة الاستفتاء علي استقلال الإقليم. واقتصاديا يبدو السباق علي النفوذ غير متكافئ حيث يفوق الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة نظيره الروسي بمقدار13 مرة وتظل واشنطن هي القوة التي لا غني عنها في المنطقة لكن التزامها تجاه حلفائها التقليديين يضعف وهذا ما دفع قادة المنطقة إلي تأمين رهاناتهم من خلال روسيا.