كما ذكرنا في المقال السابق أن موسي وطارق رجعا إلي دمشق بأمر من الخليفة( الوليد بن عبد الملك) وخلف علي الأندلس ابنه عبد العزيز بن موسي بن نصير أواخر عام95 ه/714 م. وأن عبد العزيز بن موسي فتح شرق الأندلس, وكانت المقاومة في هذه المنطقة قد تركزت في كورة تدمير وقاعدتها الحصينة( أوريولة). وقد سميت هذه الولاية بهذا الاسم نسبة إلي اسم صاحبها الأمير القوطي( ثيودرمير) الذي حصل من عبد العزيز بن موسي علي شروط حسنة ضمنت له استقلاله بولايته مقابل جزية سنوية. وتنص المعاهدة علي أن سكان هذه الإدارة آمنون علي أرواحهم وممتلكاتهم, وأن لهم الحرية التامة في القيام بشعائرهم الدينية في كنائسهم, وفي مقابل ذلك يتعهد أميرهم( ثيودرمير) بألا يخفي علي المسلمين أخبار الأعداء, وأن يدفع كل فرد من رعاياه كجزية سنوية مبلغ دينار نقدا إلي جانب مقدار من العصيد والقمح والشعير والعسل, بينما يدفع العبيد نصف هذا المقدار. أما الركن الشمالي الغربي, وهو الإقليم المسمي( أشتوريش) في منطقة( حليقية أو غسالية). فإن المسلمين لم يفرضوا سلطانهم تماما علي هذه الأماكن لوعورة مسالكها وبرودة مناخها, لذا فقد أهملوها استهانة بشأنها. ولهذا استطاعت بعض فلول الجيش القوطي المنهزم بزعامة( بلاي)737 م. وهو قائد لهم أن تعتصم بالجبال الشمالية في هذه المنطقة, والتي يسميها الأسبان( بقمم أوروبا) وهي عبارة عن ثلاثة جبال شاهقة, القمة الغربية منها تسمي( أونجا) وبها مغارة تعرف( بكهف أونجا) أو( كوفادونجا) ويسميها العرب( صخرة بلاي) لأنه اختبأ فيها هو وأصحابه حينما حاصرهم المسلمون وعاشوا علي عسل النحل, والمصادر الإسبانية تجعل انسحاب المسلمين عن( كوفادونجا) نصرا عسكريا وقوميا كبيرا للإسبان, بل وتذهب إلي أن العناية الإلهية تدخلت في لمصلحهم, فالمهم أن هذه البؤرة الصغيرة( كوفادونجا) فيها نشأت دولة إسبانيا الصغيرة ونشأت معها حركة المقاومة الإسبانية التي نمت واتسعت حتي استولت علي مدينة( ليون), وسيطرت علي جميع المنطقة الشمالية الغربية التي أصبحت بعد ذلك تعرف( بمملكة ليون) والتي أحاطت نفسها بسلسلة من القلاع والحصون لحماية نفسها من هجمات المسلمين. وقد عرفت هذه الحصون في المصادر العربية باسم( منطقة القلاع). وكان أمراء هذه القلاع تابعين لملوك ليون, رغم تمتعم بالاستقلال الذاتي كي يتمكنوا من محاربة المسلمين. كما أن أنظمتهم الإدارة كانت بعيدة عن النظام الإقطاعي السائد في مملكة ليون نفسها. وفي القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي اتحدت هذه القلاع بزعامة أقوي أمرائها( فرنان جو ثالث) واستقلت مملكة ليون وصارت تعرف بإمارة( كستلا) وعربا المسلمون إلي( قشتالة). ثم أخذت هذه المملكة تتسع تدريجيا علي حساب جيرانها المسلمين والمسيحيين سواء حتي سيطرت علي جميع أنحاء إسبانيا.