قال تعالي في شأن مارية( من سورة التحريم): ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم(1) قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم(2) وإذ أسر النبي إلي بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير(3) إن تتوبا إلي الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير(4) عسي ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا(5)( التحريم). الشرح من تفسير الامام ابن كثير لهذه الآيات قال: اختلف في سبب نزول صدر هذه السورة, فقيل: نزلت في شأن( مارية) وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم قد حرمها فنزل قوله تعالي( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك).الآية روي النسائي عن أنس ان رسول الله صلي الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتي حرمها فأنزل الله عز وجل( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك)؟ إلي آخر الآية, وروي ابن جرير عن زيد بن زسلم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أصاب أم ابراهيم في بيت بعض نسائه, فقالت: أي رسول الله في بيتي وعلي فراشي؟ وهي حفصة ابنه عمر بن الخطاب وكانت عند أبيها في أمر ما فجعلها عليه حراما فقالت: أي رسول الله كيف يحرم عليك الحلال فحلف لها بالله لا يصيبها, فأنزل الله تعالي( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك)؟ وعن مسروق قال: آلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وحرم, فعوتب في التحريم, وأمر بكفارة اليمين, وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس كان يقول في الحرام يمين تكفرها, وقال ابن عباس( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة, يعني أن رسول الله صلي الله عليه وسلم حرم جاريته, فقال الله تعالي:( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) إلي قوله( قد فرض الله لكم تحله أيمانكم) فكفر يمينه فصير الحرام يمينا, ومن هنا قال بعض الفقهاء وجوب الكفارة علي من حرم جاريته أو زوجته, أو طعاما أو شرابا, أو شيئا من المباحات وهو مذهب الإمام أحمد.. وذهب الشافعي إلي أنه لا تجب الكفارة فيما عدا الزوجة والجارية إذا حرم عينيهما وأما إن نوي بالتحريم طلاق الزوجة أو عتق الأمة نفذ فيهما. والآية نزلت في تحريمه العسل كما روي البخاري عن عائشة قالت: كان النبي صلي الله عليه وسلم يشرب عسلا عند( زينب بنت جحش) ويمكث عندها فتواطأت أنا وحفصة علي أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير؟ إني أجد منك ريح مغافير قال: لا ولكني شربت عسلا عند زينب بنت جحش, فلن أعود له, وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا( تبتغي مرضات أزواجك) وقد انضمت سودة إليهما إلا أن الواقع أن هذا التحريم كان بخصوص مارية وتحريمها عليه ولكن الله رد عليه يمينه وكفر عنه. أما عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما فهما المتظاهرتان وهو ما سوف نذكره بعد ذلك. ومارية هي أم ابراهيم ابن رسول الله صلي الله عليه وسلم وهي ملك اليمين أهداها المقوقس حاكم مصر إلي رسول الله مع اختها شيرين التي أهداها رسول الله صلي الله عليه وسلم لحسان بن ثابت مقابل ضربة من صفوان ابن المعطل الذي اتهم مع عائشة رضي الله عنها زورا وبهتانا في حديث الإفك, كما أرسل معها هدايا أخري. وحينماأنجبت مارية ابراهيم عليه السلام استمرت غيرة أزواج رسول الله صلي الله عليه وسلم خاصة عائشة وحفصة مما أدي إلي التظاهر ضده لزيادة النفقة فاعتزلهم رسول الله صلي الله عليه وسلم شهرا ثم عرض عليهن الاختيارين الزهد وما أراده الله ورسوله صلي الله عليه وسلم لهن, وبين الدنيا وقناعها والتسريح بإحسان فأخترن كلهن الله ورسوله ورضين بما أراد الله لهن.