إن من أخطر ما يواجهنا اليوم في مصر والعالم العربي هو انهيار اللغة العربية, ليس فقط بسبب انتشار المدارس الأجنبية والتي بالتالي تنشر ثقافاتها المتنوعة والمختلفة لتقسم الجيل كله الي ثقافات عديدة; وليس فقط لأن الأهالي لم يعودوا يهتمون بتعليم أولادهم العربية حتي في المنازل, بزعم أن الإنجليزية أفضل, بغض النظر عن أن اللغة العربية من أهم لغات العالم وهي لغة مدرجة في الأممالمتحدة; ولا بسبب تدهور المدارس الحكومية والمصرية ليس في المناهج بقدر ما هو في أسلوب التعليم نفسه; وليس بسبب لجوء معظم الشباب علي كل المستويات الي الحروف والأرقام اللاتينية لكتابة كلمات عربية. ولكن الخطورة تكمن في أن علي مستوي المتعلمين والمثقفين في بلادنا, بدأت تنتشر اللغة العامية في الكتابة سواء في الكتب الأدبية أو المقالات في الصحف الرئيسية, ليس فقط في مصر, ولكن في مختلف دول العالم العربي. ومع تراجع اللغة العربية الفصحي علي المستويين الثقافي والإعلامي نأتي الي المرحلة الأخيرة في تقسيم الوطن العربي عامة وشعوب كل دولة علي حدة خاصة. فإن استخدام اللغة العامية في الكتابة يعني أن الكاتب يوجه كلامه الي فئة محدودة من القراء, هؤلاء الذين يعيشون في مدينته, بل في محيطه, بل في أحياء محددة. فقد قرأت مؤخرا رواية لكاتب كويتي, كتب الحوار فيها بالعامية الكويتية, فكانت بالنسبة للقارئ المصري علي سبيل المثال غامضة علي الفهم في الكثير من تعبيراتها. وعندما يكتب مصري قاهري مقالا بالعامية فمن المحتمل ألا يفهمها أي قارئ من الجنوب في نفس البلد; ناهيك عن أن يفهمها قارئ لبناني أو جزائري أو سوداني. فالعامية في كل دولة اختلطت بلغات عديدة أخري, سواء كانت لغات المستعمر الذي حكمها عشرات السنين, أو أعراق عاشت فيها وتتحدث لغة مختلفة فاختلطت كلماتها وتعبيراتها باللغة العربية; كما أن لكل شعب تعبيراته التي يصعب فهمها شعوب من دول عربية أخري حتي وإن كانت تتحدث نفس اللغة. أما اللغة العربية الفصحي فهي لغة عالمية, يفهمها أي شخص تعلم العربية سواء كان عربيا أم أجنبيا; يتحدث بها أكثر من370 مليون نسمة في أنحاء العالم العربي, ناهيك عن عدد من يتحدث بها خارج العالم العربي; وهي لغة اعترفت بها كل المحافل الدولية مثل الأممالمتحدة واليونسكو; وأدرجت بين لغات المنظمات الدولية مثلها مثل الإنجليزية والفرنسية والأسبانية. لذا فليس هناك أي سبب يجعل أي أب أو أم أن تخجل من أن ابنها يتحدث بالعربية; وليس هناك أي سبب يجعل المثقفين من الكتاب والإعلاميين والصحفيين اللجوء الي اللغة العامية لنقل أفكارهم التي لن يقرأها إلا عدد محدود من القراء. ليس هناك سبب في تجاهل اللغة العربية إلا أننا بجهل شديد نساعد الغرب في مخططهم في تقسيم العالم العربي, وإنهاء ما عرف في الماضي القريب بالعروبة والوحدة العربية, ليس فقط جغرافيا ولكن أيضا ثقافيا وهذا أخطر لأنه لا تراجع فيه. بقي أن نعرف أن إسرائيل عندما قررت إقامة دولة من لا شئ, ومناشدة يهود من كل أنحاء العالم الهجرة اليها لتكوين شعب اسرائيلي, لم تلجأ الي اللغة الإنجليزية لتوحيد شعبها في لغة مشتركة, بل لجأت الي اللغة العبرية التي كانت لغة ميتة لا يتحدث بها إلا رجال الدين في المعابد اليهودية, قررت إسرائيل إحياء لغة من العدم لتوحيد يهود العالم; بينما نعمل نحن في العالم العربي علي هدم وحدتنا من خلال هدم لغتنا التي أعترف بها العالم كله.