بينما كان «م» جالسا يفكر كيف يستعد لترويج صفقة جديدة من السموم البيضاء فى العيد، ربما قد تعيد له اتزانه المالى بعدما تعرض لعدة هزات مالية خسر معها الجلد والسقط، أحبط رجال مباحث كوم أمبو أحلام فتى منطقة إحدى العزب بالقبض عليه متلبسا بحيازة كمية من الحشيش ليقضى أيام العيد خلف القضبان . فى قرية تقع على حدود محافظة أسوان الشمالية عاشت أسرة «م » سنوات عديدة قبل أن تنتقل إلى منطقة واحدة من «العِزب» بكوم أمبو، ومن اسم مسقط رأسه اكتسب لقبه الذى اشتهر به طوال حياته وكان سببا فى أن يعرفه الناس خاصة المدمنين، ووسط أهالى العزبة الطيبين عاش «م» حياة هادئة حتى اصطدم ذات يوم بوفاة والده وهو فى سن مبكرة ليفقد معه السند الذى كان يرتكز عليه . مرت الشهور وطفل العزبة فى حيرة لا يدرى ماذا تخبيء له الأقدار، فالأب الذى كان أمله فى أن يوفر له حياة كريمة رحل عن الدنيا، لذا لم يجد أمامه سوى الخروج ليلاطم أمواج سوق العمل الذى بدأه صبيا فى إحدى الورش الصناعية ومن هذه الورشة تمكن من أن ينفق على أسرته التى تركها العائل الوحيد قبل أن يرحل مرت السنوات وبعدما أتقن « م » مهنته وصار واحدا من الصنايعية المشهورين الذين يتهافت عليهم أصحاب السيارات، استقل فى ورشة خاصة جديدة، ومن الرزق الذى مّن الله به عليه، أكمل الشاب نصف دينه وتزوج بفتاة فى عمر الزهور كانت له الأنس والونس، وبمرور الشهور جاءت البشارة لعريس العزبة بعدما استقبل مولوده الأول وسط فرحة شديدة . دارت عجلة الزمن وأدرك « م » منتصف العقد الرابع من العمر، وفى هذه السن كانت أسرته تتكون من 5 أطفال فى عمر الزهور، ورغم عزوة الأبناء، إلا أنهم كانوا عبئا ثقيلا عليه، خاصة وقد أصبح مطالبا بتدبير احتياجات الأسرة، بالإضافة إلى أمه وإخوته، وبسبب حالته النفسية لجأ إلى إدمان المخدرات لعله ينسى أو يتناسى ماهو مطلوب منه . لعبت السموم البيضاء التى أدمنها « م » دورا كبيرا فى أن يهمل ورشته ، ولأن المال السايب يعلم السرقة، نهبها الصبية فى ظل عدم اهتمامه بالذهاب إليها، وهنا كانت اللحظة الفارقة عند فتى العِزبة الذى استسلم للأمر الواقع ورفع الراية البيضاء أمام وساوس وإغراءات الشيطان الذى نجح وبامتياز فى أن يغرر به ويجذبه نحو مجموعة أخرى مجرمة لا تجتمع إلا للشر والتخطيط للأعمال الإجرامية فى ترويع المجتمع بالسموم البيضاء التى تدمر عقول الشباب . خطوة خطوة بدأ « م » مشوار ترويج السموم من خلال صفقات صغيرة للبانجو والحشيش والأفيون، ووجدها ابن العِزبة سهلة للغاية، خاصة وقد سال المال بين يديه بشكل لم يكن يتوقعه، وبعدما اقترب من تحقيق أحلامه بتكوين ثروة يضمن بها مستقبل أسرتيه الصغيرة والكبيرة، ارتفع سقف طموحه ارتفاعا كبيرا فأعمى الطمع والجشع عينيه ليستمر فى تجارة السموم التى كان رجال مباحث مركز كوم أمبو يتتبعونها لحظة بلحظة . من خلال المعلومات التى توصل لها رجال الشرطة السريين حول نشاط « م « وقيامه بممارسة نشاطه الإجرامى المحظور، كلف المقدم عمرو علام رئيس مباحث مركز كوم أمبو معاونيه بإجراء التحريات اللازمة حول نشاط فتى العِزبة الذى اكتسب صيتا كبيرا وسط المدمنين، وعلى الفور أجرى النقيبان حسين أمين وعمرو أبو النصر تحرياتهما حول نشاط الهدف المطلوب ، حيث توصلا إلى قيامه بإبرام صفقة من مخدر الحشيش استعدادا لترويجها خلال إجازة عيد الفطر. وعقب انتهاء التحريات تم رفعها إلى اللواء أحمد الراوى مدير المباحث الجنائية الذى كلف رجاله بسرعة ضبطه متلبسا تنفيذا لتوجيهات اللواء عصام عثمان مساعد وزير الداخلية ومدير أمن أسوان بتطهير كل مراكز المحافظة من بؤر المخدرات عقب تقنين الإجراءات واستئذان النيابة العامة، وبهدوء وشياكة وضع المقدم عمرو علام رئيس مباحث المركز خطة محكمة استهدفت بؤرة الشبح، حيث توجهت مأمورية أمنية إلى وكر «م» . ومع نسمات فجر يوم جديد، ظهر فتى العِزبة مقبلا دون أن يدرى بأن العيون التى لا تنام ترقبه عن بعد تحينا للحظة المناسبة للقبض عليه، وبالفعل أحاط به رجال المأمورية وهو غير مصدق أنه سقط فى شر أعماله، حيث تم ضبطه متلبسا بمخدر الحشيش وفرد خرطوش ومبلغا ماليا، ليتم اقتياده إلى ديوان المركز ومنه إلى النيابة العامة ليمثل أمام المحقق وشريط سيناريو حياته يمر أمام عينيه التى انهارت منها الدموع ندما لضياع رزق حلال قد أهدره بإهماله، وندما على أسرته التى تركها تلاطم أمواج الحياة ولا يدرى أين سترسو سفينتها .