يأخذنا اليوم الأديب الليبى خالد خميس السحاتى فى رحلة عبر الزمن والمكان ليستعيد ذكريات شهر رمضان فى ليبيا لاسيما فى طفولته قائلا :«لشهر رمضان المُبارك فى بلدنا طعمٌ خاصٌّ، ونَكْهَةٌ مُمَيَّزةٌ، وذكريَاتٌ جَمِيلَةٌ لاَ تُنْسَي، إنَّهُ شَهْرُ البِرِّ والإِحْسَانِ، شَهْرُ الخير والبَرَكَةِ وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، تَجْتَمِعُ فِيهِ الأُسْرَةُ كُلُّهَا، لَيْسَ كَأَيِّ اجْتِمَاعٍ آخَرَ فِى السَّنَةِ، فَلَمَّةُ شهر رمضان لها خُصُوصيَّتُها، حَيْثُ يظهرُ فيها التَّرابُطُ الأُسريُّ، والمَوَدَّةُ والتَّواصُلُ والتَّرَاحُمِ، يَعْبِقُ أريج رمضان فى البيُوت الدَّافئة، العامرة بذكر الله تَعَالَي.. يَسْتَشْعِرُ الجَمِيعُ عِظَمَ عبادة الصِّيَامِ، وَعُمْقَ الحِكْمَةِ مِنْ وراء فَرْضِهِ علينا». ويستكمل السحاتى حديثه عن الشهر المبارك قائلاً: « تتوقُ النُّفُوسُ بَعْدَ يَوْمِ الصِّيام إلى شُرْبَتِنَا اللذيذة، المَعْرُوفَةِ فِى كُلِّ البيُوت الليبيَّة «الشربة العربيَّة»، ومعها البطاطا المُبطنة، والمُقبلاتُ الأُخْرَي..، مَعَ مُشاهدة بَرَامِجِ «المائدة» فى التليفزيُون الوطنيِّ، والتى كان منْ أشهرها البرنامجُ الفُكاهيُّ السَّاخِرُ: «حكاياتُ البسباسي»، الذى كان والدى -رحمهُ الله- يحُبُّ مُتابعتهُ كُلَّ يومٍ فى الشهر الفضيل؛ لِمَا فِيهِ منْ تناوُلٍ مُمْتِعٍ وسَاخِرٍ لكُلِّ ما يُهِمُّ النَّاس.. ولابُدَّ أنْ يكُون ذلك مع «عالة الشاهي»، وهى من المورُوث الليبيِّ العريق، وتعني: اجتماع العائلة، وجُلُوسهُم لشُرب الشاى «خُصُوصاً الأخضر»، الذى يتمُّ إعدادُهُ على (موقد غازٍ صغيرٍ)، وتقديمُهُ مع النَّعناع و«التيه» المعرُوف باسم"الميرميَّة" فى بعض الدُّول العربيَّة.. بعد ذلك يحينُ وقت صلاة العشاء والتراويح، وتتعطَّرُ مساءاتُنا الرَّمضانيَّة بذكر الله سُبحانهُ وتعالي، وقراءة القُرآن الكريم فى شهر القُرآن. ويتابع خالد السحاتى :«بَعْدَ ذَلِكَ: يتبادلُ النَّاسُ الزِّيارات العائليَّة فى هذه الفترة المُفضَّلة لدى الجميع، وتزدحمُ الشَّوارعُ، وتشهدُ المحلاَّتُ والأسواقُ حركةً نشطةً، ويحلُو السَّمرُ فى شهر رمضان مع: «السفنز» و«الزلابية»، و«الكنافة» و«القطائف»، وأطباق المحلبيَّة، وأكواب «قمر الدِّين».. مُسامراتٌ لا تَنْتَهِي، ودفءٌ لا يخبُو سناهُ، وذكرياتٌ مُمتدَّةٌ بلا انتهاءٍ، لأنَّ شَهْرَ رمضان ذاكرةٌ يقظةٌ للزَّمَانِ والمكان لا تشيخُ وتهرمُ، ذاكرة مليئة بالصور والأحداث ومحطات الزمان الماضي، على أمل أنْ يكُون القادمُ دائماً أجمل».