د. عزة رضوان صدقي تكتب احتدت الصراعات التجارية والتكنولوجية والسياسية بين الصينوالولاياتالمتحدة حتى قبيل تولى الرئيس السابق ترامب منصبه، ثم تفاقمت بشدة فى عهده. الآن بعد أن تغيرت الإدارة الأمريكية ما هو المسار الذي سيتخذه الرئيس الحالي، جو بايدن، تجاه الصين وماذا سيترتب على هذا المسار؟ وصلت الحرب التجارية بين الصينوالولاياتالمتحدة إلى ذروتها خلال إدارة ترامب، وتكاثرت الجولات المشحونة بينهما. وكان أمل الولاياتالمتحدة إرغام الصين على الرضوخ لطوعها حتى يتسنى لها تقليل العجز التجارى بينهما، وتعزيز الصادرات الأمريكية، وإنهاء ما وصفه ترامب ب «السياسات التجارية غير العادلة» التي تنتهجها الصين، لكن الصين حذت نفس الحذو واستجابت برفع الرسوم الجمركية بالمثل على المنتجات الأمريكية.
خلال إحدى الجولات فرضت الولاياتالمتحدة تعريفة بنسبة 10% على أكثر من 5000 منتج صينى بقيمة 250 مليار دولار، وهو ما يقرب من نصف البضائع التي تستوردها الولاياتالمتحدة من الصين. فردت الصين بفرض رسوم جمركية على أكثر من 5000 سلعة أمريكية، أعقب ذلك عدة جولات تصاعدية انتقامية بين العملاقين التجاريين وصلت إلى مستوى كارثى اتهمت الصين فيه الولاياتالمتحدة بشن أكبر حرب تجارية في التاريخ الاقتصادي. أضر هذا بالولاياتالمتحدة مكلفة إياها 245 ألف وظيفة. بينما ارتفع الفائض التجاري للصين بنسبة 27% في عام 2020 مقارنة بالعام الأسبق. إن حيطة الولاياتالمتحدة من عنفوان الصين التجاري والسياسي وقدرتها على الهيمنة على العالم أمر منطقى ومتوقع، لأن الصين أصبحت بالفعل قوة لا يستهان بها وهى على وشك أن تحل محل الولاياتالمتحدة كقوة رائدة مهيمنة فى مجالات عديدة مثل التكنولوجيا، وأملها أيضا إسقاط النظام المالى الأمريكى المقوّم بالدولار. كما أنها تحكم من خلال نهج يستلزم دعم الشركات الصينية وحمايتها من المنافسة وهو أسلوب معاكس للأسلوب الأمريكى فى إدارة الأمور. وتستمر الصين فى التقدم مع تخلف الولاياتالمتحدة عن الركب على الرغم من جهود الولاياتالمتحدة لكبح جماح التقدم المزدهر للأول. ومن الأمثلة على ذلك هو شركة هواوي، عملاق الاتصالات، التى بذلت الولاياتالمتحدة قصارى جهدها للحد من وصولها إلى الأسواق الأمريكية والأوروبية. ومع ذلك تمتلك هواوى أكثر من 56000 براءة اختراع وهى على حافة التقدم إلى المركز الأول وأصبحت أكبر مورد لمعدات الاتصالات ورائدة التقنيات الحديثة. يتساءل العالم عن نهج الرئيس بايدن تجاه الصين وكيف سيضع الرئيس بايدن بصمته الخاصة. بالتأكيد ستختلف الإدارة الجديدة فى تعاملها مع الصين، فلن تُستخدم الأساليب المتعجرفة والتسلطية التى استخدمها الرئيس الأسبق، وسوف تُستبدل بأسلوب أكثر دبلوماسية وأقل هجومية، وإن كانت حازمة بالمثل. لكن الهدف سيبقى كما هو فى النهاية: إن إدارة بايدن ستظل قلقة بشأن هيمنة الصين واعتبارها منافسًا وخصما استراتيجيًا. أكد الرئيس بايدن أن إدارته مستعدة للمنافسة الصينية الشديدة، لكن نهجه سيكون مختلفا عن الرئيس السابق.
أما عن علاقته بالرئيس الصينى شى جين بينج فقد قال إنه يعرفه جيدًا إنه ذكي للغاية وقوي للغاية وليس لديه عظم ديمقراطي في جسده.. ولا أعنى ذلك كنقد، إنها الحقيقة.
المسئولون الأمريكيون لديهم كذلك مخاوف مماثلة، فقد قال وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إنه على الرغم من عدم موافقته على كيفية تنفيذ ترامب سياسته المتشددة تجاه الصين، إلا أن الأول كان على حق فى اتخاذ نهج أكثر صرامة. ووفقًا لمتحدثة البيت الأبيض، جين ساكي، فإن بايدن يُقيِّم الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الصينية ويريد تنسيق الخطوات المستقبلية مع الحلفاء، لكنه ملتزم بوقف الانتهاكات الاقتصادية للصين.
أما الصين فلديها سجل حافل فى محاولة معرفة المدى الذى يمكن أن تصل إليه مع رؤساء الولاياتالمتحدة الجدد. مثلا،أيام قليلة بعد تنصيب الرئيس بايدن قررت الصين إرسال أكثر من اثنتى عشرة طائرة عسكرية إلى مضيق تايوان والتحليق هناك، وهى رسالة واضحة وتحذير مبكر متعمد إلى بايدن. ويؤكد ويليام راينش، كبير المستشارين فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، نية الصين ويقول: هناك تاريخ طويل فى اختبار الصين للرؤساء الجدد بأشياء مختلفة ومماثلة لعملية مضيق تايوان، فمثلا إبحار السفن الصينية بالقرب من السفن التايوانية وحوادث أخرى من هذا القبيل لتقييم رد فعل الرؤساء الجدد. لكنه يعتقد أن رد الرئيس بايدن لن يكون أقل قوة من الرؤساء السابقين.
يبدو أن الصراعات الأمريكيةالصينية لن تهدأ فى ظل الإدارة الحالية. قد ينتهى الأمر إلى أن تكون هذه الصراعات أقل ازدراء ولكنها بنفس صلابة الحروب السابقة.