فى الخمسينيات من القرن الماضى وربما قبلها ثار جدل طويل حول أهمية الفن الذى يخدم المجتمع وانقسم المثقفون وقتها إلى قسمين.. الأول يرى أن الفن فى حد ذاته غاية وقيمة عالية لا تحتاج إلى ما يساندها حاملين شعار الفن للفن.. والقسم الثانى يرى أن الفنون يجب أن تكون لها رسالة مجتمعية ودورا فى خدمة الاخلاق.. وانحاز الشاعر المبدع صلاح جاهين إلى هذا الرأى فقال ساخرا عن شخصية عبد العاطى البيروقراطى: «فنان فى الشغل وفنه أرستقراطى.. الفن فقط للفن.. بتضحكوا ليه؟!». ومسرحية «أبى تحت الشجرة» التى يقدمها مسرح السلام ضمن مشروع الثقافة بين يديك وإتاحة العروض مجانا على موقع وزارة الثقافة تنتمى إلى المسرح الاجتماعى الهادف الذى يرى فى الضحك مجرد وسيلة لتحقيق غاية نبيلة. العرض يتناول قضية سفر الآباء لكسب القوت وتحسين ظروف أسرهم ثم صدمتهم بعد ذلك لأن الأموال التى تعبوا فى جمعها جعلتهم يشعرون بغربة أصعب وأشد داخل بيوتهم كما ساهمت فى إفساد حياة أولادهم.. واكتفى المؤلف الشاب طارق رمضان بنموذجين من الآباء.. الأول هو الأستاذ محسن الذى سافر إلى الخليج لأكثر من عشرين عاما نجح فيها أن يحقق ما يتصور أنه كاف لإسعاد أسرته ثم يكتشف عند عودته إدمان ابنه الكبير وعدم تحمله لأى مسئولية.. وتحول ابنته إلى شخصية استهلاكية تافهة شغوفة بتقليد المجتمع الغربى فى ملابسه وسلوكه وعاداته. وحتى الأم تحولت الى التصابى والبحث عن عمليات التجميل لإعادة مظاهر الشباب.. وقام الفنان الدكتور هانى كمال بدور الأب محسن المتلهف على تعويض أبنائه سنوات الغياب وبدا مقنعا فى إحساسه بالصدمة التدريجية مع اكتشافه أن كل مشكلة سببها عدم وجوده، وعندما يفكر فى حيلة يسترجع بها دوره وأهميته ينقلب الأمر ضده وتتحول مشكلته إلى مأساة حقيقية.. وقدم الفنان منير مكرم النموذج الآخر خميس الذى تغرب من الصعيد ليعمل بوابا يجمع النقود من اجل أن يوفر لأولاده فى القرية حياة كريمة قدر استطاعته.. وبحضوره الكوميدى الطاغى ينجح فى تجسيد شخصية الرجل بطىء الفهم ثم يؤدى دور الميت ضمن حيلة الأستاذ محسن فى مقابل خمسة عشر ألف جنيه وبالطبع يتحرك طوال مشهد الجثة.. وفى النهاية يقبل أن يختفى عن الأنظار ويعيش باقى حياته فى حكم الميت من أجل أن يحصل أولاده على مبلغ أكبر.. ولعبت لبنى الشيخ دور الأم والزوجة المهملة لبيتها والمتصابية الساعية للتفاخر بالثروة والادعاء بأنها من طبقة أرستقراطية على غير الحقيقة.. أما مفاجأة العرض فهو الكوميديان المتألق أحمد عبدالهادى الذى أدى دور هريدى ابن خميس البواب والذى ورث عنه بطء الفهم وأقصى طموحه فى الحياة أن يترك فلاحة الأرض ويتحول إلى سائق ميكروباص تجرى الجنيهات بين يديه.. وينجذب لابنة الأستاذ محسن المتمدنة بينما هى ترى فيه نموذجا طريفا يثير اهتمامها.. ولعبت دينا هريدى هذا الدور بذكاء وخفة ظل دون أن تسقط فى فخ الإغراء أو المبالغة فى الأداء. بالمثل قدم شادى أسعد دور الابن المدمن غير المسئول الذى يعتاد على تضحيات أبيه ويراها أمرا طبيعيا.. وعلى غرار النموذج الكاريكاتورى لأسرة البواب قدمت دعاء رمضان دور ابنة البواب المتطلعة لاقتناء توكتوك خاص.. واستطاع المخرج المبدع إسلام إمام الذى قدم من قبل عدة عروض مميزة منها المتفائل ورجالة وستات أن يضيف إلى رصيده عرضا جديدا ناجحا بميزانية ضعيفة مستخدما عناصر الديكور البسيط المتحرك ليحيى صبيح والذى أتى بالريف إلى القاهرة فى حيلة ذكية مهدت لدخول الفنان أحمد عبد الهادى، كما استعان بإضاءة أبو بكر الشريف لإثراء الصورة، والإعداد الموسيقى الجيد من محمد خالد لتعميق الأثر الدرامى وأخيرا التوظيف الذكى للممثلين حيث نجح فى المزج بين الكوميديا والميلودراما التى فرضها موقف اتهام الأب بالقتل دون أن يشعرنا بتنافر.. كما حقق نسبة مشاهدة عالية ونجاحا جماهيريا واضحا معتمدا فقط على الأداء الجيد للممثلين دون الاستعانة بما ألفنا تسميتهم بنجوم الشباك. مشهد من العرض للمخرج إسلام إمام