من قال إن شهور ال«كورونا» الماضية كانت كلها صعاب؟.. فالبعض وجد وسط القلق والعزلة، لحظات إلهام خاصة ومواطن جمال لم تدركها الأكثرية. وبطبيعة الحال إن الشغوفين بالفنون ولغتها الرفيعة فى مقدمة المدركين لجماليات تجربة الجائحة وحكمتها. وقد حاولوا تلخيص تجربتهم مع أسابيع العزلة بمعرض «فن البقاء فى المنزل» الذى عقدته مكتبة الإسكندرية، ويضم 180 عملا لأكثر من 60 فنانا. تنوعت الأعمال المشاركة ولم تقتصر على رؤية ثقافية بعينها، وذلك لتمثيلها ثمانى دول هي: صربيا، والولايات المتحدة، ورومانيا، وسويسرا، والنمسا، والسويد، وكندا، واليمن، بخلاف مصر. من أبرز المشاركات المصرية، كانت أعمال طارق الليثى، خريج قسم العمارة الداخلية بكلية الفنون الجميلة، والذى عمل طوال 16 عاما فى مجال التوثيق الرقمى بمكتبة الإسكندرية. ووقع قبل 20 عاما فى هوى الأبجديات، عربية وعجمية، ومعها الرموز والأشكال الهندسية. يحكى الليثى ل «الأهرام»: «أسعى دوما إلى تحرير الحرف الأبجدى من الأحكام التقليدية لفن الخط العربى»، معترفا بأنه يدين بالكثير لعمله فى مجال التوثيق الرقمى، الذى دعم خبراته الثقافية والبصرية. لا يرى الليثى فى الجائحة شرا مطلقا، موضحا: «كان حظا وافرا أن تتشارك الإنسانية فى تجربة واحدة وفى ذات التوقيت، وكان حظى شخصيا وافرا، فوجدت وقتا للتركيز على الترجمة الفنية للتجربة». والتزم فى أعماله المشاركة بتيمات بعيدة عن «كورونا». فإحدى اللوحات كانت هدية لصديق إيطالى. أما الثانية، وعملا بانفعاله الدائم بالأشعار والآيات القرآنية والعبارات ذات الأثر، فتعكس المبدأ الفلسفى بأن ركائز الدنيا:«الحق والخير والجمال»، وإن عدلها لتكون: «الحب والخير والجمال». ثانية المشاركات اللافتة، استخدام أداة «الكوميكس»، فمحمد وهبة الشناوى، دارس التصميم الهندسى بات صاحب عدد من الإصدارات المندرجة ضمن فئة «الكوميكس التوثيقية»، مثل كتابيه «القاهرة» و «سيوة». يحكى الشناوى أنه بدأ فى توثيق تجربة «كورونا» من قبل تواصل إدارة المعرض معه للمشاركة. وأن اللوحات المعروضة ما هى إلا نماذج من كتاب يعده حول تجربة كورونا، وإن كان لن يطرحه قبل مايو المقبل. ويوضح: «أريد لتجربتى مع الفيروس المستجد الاكتمال، أن أتابع ما سيجرى فى الشهور المقبلة ما بين مسألة اللقاح والتعامل مع الضربات الجديدة لكورونا». ويرى الشناوى أن ال«كوميكس» من أسهل الوسائط الفنية التى تنجح مع المتلقى، فيجد نفسه فيها بيسر، وهو ما عكسته ردود الفعل القوية خلال المعرض. أما سمر بيومى، فنانة بصرية سكندرية فقد شغلها الافتتان عمرا بالمعمار، سواء كان قائما شامخا أو أطلالا غنية ببقايا جمال وتاريخ سابق، كما فعلت فى مشروعها لتوثيق أطلال منطقة «الماكس». فتأتى مشاركتها بأربع صور تعكس التغييرات التى طرأت على هيئة الأفراد ومشاعرهم بفعل الجائحة. تحكى سمر: «أردت رصد تحول أشكال التواصل بيننا بفعل الأقنعة الواقية ومساحات القلق، وأردت رصد نماذج مختلفة فى محيطات متنوعة، مثل أستاذتى دكتورة سحر ضرغام فى كلية فنون جميلة أو صديقة فى محيط عملها». وتتحمس سمر لاستكمال سلسلة الصور التوثيقية لزمن كورونا، معربة عن أملها فى أن تكون السلسلة فى المستقبل دليلا على تجربة خاصة. فى سياق مشاركات التصوير أيضا، كانت مشاركة محمد أنور الذى اعتمدت أحد أعماله كملصق رئيسى للمعرض. محمد الذى تخرج مهندسا، وجه حياته لإرضاء شغفه بالتصوير الوثائقى، والذى يعتمد على تتبع تسلسل محدد فى توثيق الحدث وتطوراته. وجاء هذا الشغف لمساعدته فى إعادة اكتشاف نفسه وعالمه خلال أسابيع العزل المنزلى. ويقول أنور: ساعدتنى تلك التجربة على التأقلم بشكل ما مع المتغير الجديد وفرض أحكام العزلة والقلق المستمر حاضرا ومستقبلا. أما أنفال المغلس، فهى يمنية مصرية، ولدت فى مصر لأبوين يمنيين ودرست هنا قبل الانتقال إلى الصين لدراسة الدعاية. تقول المغلس عن أعمالها: «اعتمدت التصميم الرقمى لكونى بعيدة عن مرسمى بفعل كورونا، فأردت تقديم أعمال ذات تيمات من الفنون الشعبية اليمنية والفن اليمنى القديم». وتزيد: «أردت إلقاء الضوء على جمال اليمن الذى عانى منذ بداية عهد الثورات العربية، فشهد ويلات الحرب والنهب والتدمير لآثاره ورموز حضارته». وتقول إنها كثيرا ما تستخدم أعمالا لمصورين يمنيين فى أعمالها المركبة لتبرز وجوه الحياة والثقافة اليمنية. وحول لجوئها إلى طوابع بريد يمنية فى أعمال المعرض، تقول المغلس: «أردت أن أكون وسيط رسالة اليمن إلى العالم، رسالة التذكير ببهاء وجمال هذه الحضارة العريقة، التى لا يفترض أن يغفلها العالم حتى فى زمن الوباء». معرض «فن البقاء فى المنزل» يستقبل زواره حتى 28 ديسمبر الجارى. «الحب والخير والجمال» من أعمال الليثي من وجوه «سمر» التى تعكس التجرية كوميكس معبرة للشناوى لقطة «أنور» من داخل منزله