لكى يطمئن قلبى.. وقبل أن أمسك بقلمى وأكتب سطرا واحدا فيما أكتبه أمامكم اليوم سألت عمنا وتاج راسنا د.زاهى حواس رفيق الدرب والطريق وقطب عالم من صنعوا أعظم حضارة عرفها الإنسان كما وصفها العلامة الذى لايتكرر الذى اسمه جيمس هنرى بريستد فى موسوعته عن الحضارة المصرية أقول سألته سؤالا واحدا: هل يمكن أن يصل إنسان ما قبل التاريخ إلى نفس الموقع الذى اختاره عمنا خوفو لكى يبنى فوقه المعجزة التى مازالت باقية تتحدى الزمان نفسه والتى اسمها الهرم الأكبر ومن بعده هرم خفرع و هرم منقرع التى مازالت رافعة رؤوسنا نحن المصريين إلى السماء السابعة ولو كره الكارهون.؟ قال كلاما فهمت منه أن المساحة المكانية والزمنية أيامها كانت خالية لكى يتبارى فوقها المتبارون الذين صنعوا حضارة الإنسان المصرى.. أعظم الحضارات ولو كره الكارهون!.. ولكن الذى يهمنا ويهم العالم كله أن الساحة نفسها التى سكنها الإنسان الأول زمنا ليس بالقصير.. تتحدى الدنيا كلها الآن.. الحضارة والعلم والتاريخ نفسه الذى يتمثل فى أهرامات الجيزة.. معجزة الزمان وكل زمان.. إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ومن عنده كلام آخر.. فليتفضل..! قال: الساحة المصرية لاتنسى ياعزيزى كانت خالية.. ولم يظهر بعد إلى الوجود عمنا الملك مينا موحد القطرين .. ولا حتى تاج راسنا الملك خوفو وولداه خفرع ومن بعده منقرع.. وغير بعيد عنهم عمنا الملك زوسر صاحب الهرم المدرج فى سقارة.. ليملأ الساحة وحده منفردا.. انسان ما قبل التاريخ المكتوب هذا الذى تتحدث أنت عنه الساعة! ولكن هذا الإنسان وجد الساحة خالية إلا منه ومن حيوانات وزواحف وتماسيح وثعابين وطيور وخفافيش ذلك الزمان الموغل فى القدم ليظهر على الساحة المصرية وحده دون منازع أو شريك! وكان موعد اكتشاف آثاره كما يقول المؤرخون هو التاسع والعشرون من ديسمبر عام 1971 يعنى قبل نحو نصف قرن بحاله.. عندما تم الكشف عن أول كهف للإنسان الأول فوق تراب مصر.. *** ولقد شاء لى قدرى أن أكون شاهدا.. وأنا أصعد أولى درجات سلم صاحبة الجلالة الصحافة.. على هذا الكشف العلمى التاريخى المثير عندما تم الكشف فى التاسع والعشرين من ديسمبر عام 1971.. عن كهف الإنسان الأول فى مصر.. ياخبر.. يعنى من نحو نصف قرن وقد عاش فيه الإنسان الأول قبل ظهور الأهرامات الثلاثة بنحو 35 ألف سنة! والكشف الجديد حسب تقرير العلماء يعتبر واحدًا من أهم الاكتشافات العلمية والحضارية والإنسانية على طريق كشوفات الإنسان الأول فى مصر. نروى القصة أولا.. ثم نعرف لماذا؟. طوال سنوات والأساطير الغريبة تنسج خيوطًا من الخيال حول كهف مهجور منحوت فى قلب الصخر داخل الهضبة التى استقر من فوقها من نحو 5 آلاف سنة الهرم الأكبر ، أساطير وحكايات تناقلها الأعراب سنوات طويلة ومازالوا يرددونها حتى الآن.. ويقولون «إن كل من يدخل هذا الكهف ويتوغل داخله فإنه لايعود أبدا!». *** ولقد وجد جماعة من الباحثين أن لديهم من الجرأة وروح المغامرة ما يسمح لهم بدخول هذا الكهف القاتل.. وبالفعل.. وفى صباح يوم مشمس من أيام ديسمبر تحركت قافلة صغيرة من الباحثين يقودها عم بلال الدليل البدوى إلى «مغارة الضبع» وهو الاسم الذى كان يطلقه الأعراب الذين يعيشون غرب الأهرامات على هذا الكهف الغامض وكانوا أربعة رجال وسيدة واحدة داخل سيارة لاندروفر.. مهندس إبراهيم حلمى الخبير بآثار إنسان ما قبل التاريخ ومساعده رأفت خيرى والدكتور يانج والثلاثة من هيئة الناميرو للأبحاث العلمية، بالقاهرة ومهندس عصام الدين البنا مفتش آثار الهرم أيامها وامرأة واحدة أمريكية هى زوجة الدكتور يانج. الطريق إلى الكهف وعر ملىء بالصخور.. وعند نقطة معينة تبعد نحو نصف كيلو متر من الضلع الشمالى الغربى من هرم خفرع تطل على الطريق المسافر الى الفيوم.. وقفت السيارة، ونزل أفراد القافلة العلمية الصغيرة من فوق الهضبة بحذر فى مقدمتهم الدليل وعند منحنى وسط الصخور قال الدليل: «هذا هو الكهف.. يمكنكم أن تذهبوا الى الداخل، أما أنا فإننى هنا باق!» وتصيح الزوجة الأمريكية: «ولكن هذه مقبرة فرعونية وليست كهفا!». ويرد الدليل: «أن الكهف بالداخل!». وينظر عصام البنا إلى باب المقبرة ويقول: إن نظام الاعمدة التى ترفع سقف المقبرة يدل على أنها شيدت فى عصر هرم خوفو.. أى منذ نحو 2200 سنة قبل الميلاد.. *** بداية الرحلة المثيرة بضع خطوات داخل المقبرة الفرعونية المهجورة التى يقول سجلها فى مصلحة الآثار.. إنها واحدة من مئات المقابر الموغلة فى القدم والتى أقامها وزراء وكهنة وكبار رجال الدولة القديمة حول هرم فرعونهم خوفو.. وعندما اكتشفت لم يعثر داخلها الآثريون على أى شىء.. إبراهيم حلمى فى المقدمة.. يحمل بطارية فى يده.. من خلفه زوجة يانج ثم باقى أفراد القافلة.. وعند شق فى جدار المقبرة الداخلى يكاد يتسع بصعوبة لمرور شخص واحد.. وقف الجميع يلفهم الصمت.. قال ابراهيم «هذا هو مدخل الكهف كما وصفه الدليل».. ثم أضاء بطاريته ووضع إحدى قدميه على حافة الشق.. وانزلق الى الداخل.. غاب عنهم ثلاث دقائق.. والباقون أمام باب الكهف يتابعون ضوء بطاريته الصغيرة التى تكشف معالم الكهف الغامض.. وجاء صوت ابراهيم من الداخل يطلب من الرفاق أن يتقدموا.. ويدخلوا واحدا بعد الآخر.. آخرهم زوجة يانج. وراحت خمس بطاريات تحاول اكتشاف الطريق بالداخل. الكهف واسع.. جدرانه تصنع شبه دائرة قطرها نحو 10 أمتار مربعة.. السقف والحيطان تبرز منها حجارة مدببة.. الأرض مليئة بالصخور.. رائحة غريبة تملأ المكان.. رائحة هواء قديم فيه طعم النشادر.. إبراهيم حلمى يتكلم: «أن هذه الرائحة بالذات دليل على أن المكان تسكنه الوطاويط من زمن بعيد» ثم راح يسلط ضوء بطاريته على شقوق السقف. .. وهتف: «هذا واحد منها». ثم اخرج من حقيبة فوق ظهره شبكة صيد الفراشات وأخذ يتحسس طريقه وسط الصخور.. وبعد نحو دقيقة كان الوطواط حبيسا فى الشبكة. ويقول يانج: «إننا لا نستطيع التقدم خطوة واحدة على ضوء البطاريات.. لابد من اضاءة الكهف لكى نمضى فى طريقنا». ويتسلل رأفت خيرى إلى خارج الكهف ويصعد الهضبة إلى حيث تقف اللاندروفر.. وبعد 10 دقائق كان الكهف شعلة ضوء باللمبات الكهربائية التى امتدت اليه من مولد كهربائى صغير وضعه رأفت خارج باب المقبرة.. جمجمة وليست حجرا! ويمزق سكوت الكهف صرخة انطلقت من فم زوجة يانج.. ويهرع الرجال لنجدتها.. ويلحق بها زوجها لقد انكفأت على وجهها.. ويرفعها من يديها وهى تقول: لقد تعثرت فى حجر وسقطت على الأرض! ومد ابراهيم حلمى يده ليرفع الحجر الذى تسبب فى سقوط الزوجة الأمريكية ووضعه امام عينيها وهو يقول: «إنه ليس حجرا يا عزيزتى إنه جمجمة!». وكاد يغمى على الزوجة الشابة! فى نفس المكان الذى سقطت فيه زوجة يانج كانت هناك ثلاث جماجم أخرى.. وعظام كثيرة.. وأخذ الرفاق يجمعون الجماجم والعظام داخل حقائبهم. وقال يانج: «لا أظن أنها جماجم بشر.. بل هى جماجم حيوانات». وقال عصام: «انظروا إلى أيديكم إنها فى لون الدم».. وبالفعل؟ كانت أيدى الرجال كلها ملونة باللون الأحمر القانى. وقال إبراهيم حلمى: «إن أرض الكهف مليئة بالصخور حمراء اللون»، ولكنها صخور هشة تتفتت بمجرد الإمساك بها». *** وأمام ممرين داخل الكهف قرر الرجال أن ينقسموا الى فريقين واحد يدخل فى الممر الأيمن والثانى يدخل فى الممر الأيسر وتبقى زوجة يانج فى القاعة الواسعة لنجدة كل فريق عند الخطر ومراقبة الانوار.. والانطلاق الى الخارج لاحضار نجدة اذا تأخر الفريقان عن العودة فى خلال 10 دقائق لحادث وقع لهم أو بالاختناق من قلة الاوكسجين. بعد نحو 8 دقائق عاد يانج ورأفت الى بهو الكهف.. قال يانج إن الممر متعرج ويدور نصف دائرة تتجه فى آخرها الى الشرق وانهما عثرا فى آخر الممر على قاعة صغيرة مليئة بالعظام وبقايا جماجم وقد حملا منها بعض العينات.. وأنهما كادا يختنقان بالداخل من رائحة النشادر وقلة الأوكسجين.. ثم إن القاعة الصغيرة التى وصلا اليها يمتد منها ممر آخر ضيق للغاية يتسع بالكاد لمرور انسان واحد زاحف على ركبتيه ولكنهما خشيا أن يجازفا أكثر من ذلك بالدخول فيه وقالا انهما قطعا نحو 100 متر فى الذهاب وفى العودة ومضت على الثلاثة الواقفين داخل الكهف نحو خمس عشرة دقيقة ولم يعد ابراهيم وعصام.. وبدأ القلق يتسلل الى قلوبهم خشية أن يصيبهما مكروه بالداخل، وقال رأفت سأدخل للبحث عنهما. عادوا من الموت! وعلى بعد نحو 200 متر داخل ممر ضيق عثر رأفت على زميليه ابراهيم وعصام يزحفان على أقدامهما بصعوبة بالغة وقال عصام «اكاد اختنق لا أجد هواء» وبعد جهد كبير قام به رأفت خيرى وهو بطل مصارعة سابق استطاع أن يحمل رفيقيه الى بهو الكهف واحدا بعد الآخر وبعد دقائق من الراحة كان الجميع فوق الرمال خارج الكهف كله فى ضوء شمس ديسمبر الدافئة على باب المقبرة يتنفسون هواء نقيا لأول مرة بعد ساعة ونصف الساعة داخل كهف الضبع. .هذا.. فى الوقت الذى كان فيه الدليل لا يكاد يصدق عينيه من أن أفراد البعثة الذين دخلوا الكهف مازالوا أحياء يرزقون! ومازلنا مع حكاية الإنسان الأول.. ولكن لذلك ان شاء الله حديث آخر. هذا الكشف المتميز حسب تقرير العلماء يعتبر واحدا من أهم الاكتشافات العلمية والحضارية والإنسانية على طريق معرفة الإنسان الأول فى مصر Email:[email protected] * نقلًا عن صحيفة الأهرام