صلاح غراب بعد أن وصلت المباحثات بين مصر وإثيوبيا إلى طريق مسدود بسبب تعنت الموقف الإثيوبى ورفضه وقف بناء سد النهضة أو التقليل من حجمه وحجم المياه المخزنة خلفه بدأت تظهر الحاجة إلى وساطة من طرف ثالث حتى لا يتحول الخلاف إلى المواجهة والصدام، ولكن السؤال: من الدولة أو الطرف الأفضل لتلك الوساطة الصعبة؟ البعض يميل إلى وساطة عربية خليجية، بينما يفضل البعض وساطة روسية أو صينية، وأخيرا طرح السودان إمكانية القيام بتلك الوساطة وهو ما رفضه بعض الخبراء بسبب تأرجح موقف الخرطوم من بداية تأييد الموقف المصرى كدولتى مصب تجمعهما مصالح مشتركة إلى تأييد الموقف الإثيوبى، ثم إلى الادعاء الوقوف على الحياد..الخبراء من جانبهم يؤكدون فى هذا التحقيق أن المطلوب من مصر حاليا ليس فقط محاولة إقناع أديس أبابا بتخفيض سعة السد بل والوصول إلى اتفاقية شاملة ملزمة حول أسلوب التعامل مع النهر الأزرق، ولهذا فالمطلوب مصريا تجميع أكبر عدد ممكن من كروت الضغط إقليميا ودوليا لتقوية الموقف التفاوضي المصرى، لأن أديس أبابا حاليا تستقوى بالمساعدة الأمريكية والإسرائيلية، حتى إن البعض فى أديس أبابا يؤكدون أن حليف إثيوبيا الأساسى هو إسرائيل وليس أمريكا وهو حلف أبدى وأعداء مشتركون للعرب. كان البعض قد ربط الأسبوع الماضى بشكل خاطئ بين زيارة وفد من جنوب إفريقيا حاملا رسالة رئاسية وبين وساطة من الممكن أن تقوم بها وأكد السفير حمدي سند لوزة نائب وزير الخارجية للشئون الإفريقية أنه من الصعب أن تقوم جنوب إفريقيا بالوساطة بين مصر وإثيوبيا، ولكن هناك أطرافاً أخرى ستلعب هذا الدور. بينما قال سيابونجا كويلي، وزير أمن الدولة بجمهورية جنوب إفريقيا ورييس الوفد الذى زار مصر الأيام الماضية أن مصر دولة مهمة واستقرارها مهم لكل الدول الإفريقية ونحن سنكون مستعدين للمساعدة ولعب دور ما إذا طلب منا ذلك ولكن لم يتم بحث هذا الأمر مع المسئولين فى مصر. وترى السفيرة منى عمر أمين عام المجلس القومى للمرأة والمبعوث الرئاسى السابق لدول حوض النيل بحكم عملها كمساعد وزير خارجية للشئون الإفريقية سابقا أن خيار اللجوء للتحكيم الدولى ليس بيد مصر وحدها فلابد من موافقة إثيوبيا وهو أمر مستبعد، وبالتالى فإن الوساطة لطرف ثالث هو الحل الأقرب للتحقق وقد حان وقته حاليا. وتشير إلى أن هناك عدة أطراف يمكنها القيام بالوساطة، ولكن السودان ليس الطرف المفضل لذلك حاليا نظرا لأنها قد لا تستطيع فى الوقت الحالى تفهم المصالح المصرية، وربما قد يأتى فى مرحلة لاحقة دور للسودان فى هذا الملف، وتؤكد السفيرة منى عمر أن الطرف الأفضل للوساطة حاليا يجب ألا تكون لديه مصلحة مع مصر ولا إثيوبيا، ولهذا فيمكن أن تقوم دول مثل روسيا أو الصين بتلك الوساطة، نظرا لأنها ليس لها مصلحة مباشرة مع أى من الطرفين، وبالتالى لن تكون منحازة فى جهودها للوساطة، وحول ما نشر أن البشير ينتظر رئيس مصر القادم للوساطة مع إثيوبيا حول سد النهضة أشارت مصادر إلى أنها مسألة تضييع وقت، فى حين تقوم إثيوبيا على الأرض ببناء السد وما نشر عن تلك الوساطة لم يأت بجديد وقد تكون للاستهلاك المحلي لدعم الحكم الحالى سواء بالخرطوم أم أديس أبابا الذى يعانى من الغضب الشعبي المتزايد نتيجة ارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة. وكان قد نشر عن مصدر دبلوماسى فى الاتحاد الإفريقى أن الرئيس السودانى عمر البشير قدم أخيرا مبادرة وساطة، إلى رئيس الوزراء الإثيوبى هيلى ماريام ديسالين، لتقريب وجهات النظر بين مصر وإثيوبيا بملف سد النهضة، وأوضح المصدر أن مساعى الوساطة ستكون عقب الانتخابات الرئاسية بمصر، والتى من المقرر أن يتم إجراؤها خلال الشهرين المقبلين. وفى نفس الوقت اجتمع الرئيس السودانى مع رئيس الوزراء الإثيوبى فى جلسة مغلقة بمدينة «مقلى» (شمال) على هامش مشاركة البشير فى ذكرى تأسيس «جبهة تحرير شعب تجراى» التى تقود الائتلاف الحاكم فى إثيوبيا الأسبوع الماضى واستغرق اللقاء أكثر من ساعة تناول فيها التطورات فى جنوب السودان ومياه النيل وسد النهضة الذى أخذ حيزا كبيرا من محادثات الجانبين. ومن المنتظر أن يصل وزير الخارجية السودانى على أحمد على كرتى إلى العاصمة القاهرة، يوم 3 مارس وذلك يأتى عقب زيارة وزير الدفاع السودانى الفريق عبد الرحيم حسين، إلى مصر الأسبوع الماضى، والتى التقى فيها كبار المسئولين بالقاهرة وعلى رأسهم الرئيس عدلى منصور، ووزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسى، واستبق الكرتى زيارته لمصر بالتصريح, بأن بلاده ستقف على الحياد التام تجاه أزمة سد النهضة الإثيوبى بين القاهرةوأديس أبابا، ونفى تعاطف السودان مع أى من الطرفين، مشيرا إلى أن الخرطوم تجمعها مصالح مشتركة مع القاهرةوأديس أبابا. وبرغم تلك التصريحات فإنه لا يحب التعويل على ثبات الموقف السودانى فقد اتسم موقف الخرطوم من سد النهضة بالتحول التدريجى من التناول المتوازن بواسطة الخبراء والمتخصصين للجوانب المختلفة لسد النهضة كمنشأة ذات أثر خطير على الأوضاع المائية للسودان ومصر، إلى الحديث عن قيام السودان بدور الوسيط أو المسهل للمفاوضات بين مصر وإثيوبيا. ويشير الدكتور هانىء رسلان، رئيس وحدة السودان ودول حوض النيل بمركز «الأهرام للأبحاث السياسية والإستراتيجية» إلى أن موقف السودان الحالى شبه منحاز للموقف الإثيوبى، وبالتالى فمن الصعب أن يقوم بوساطة، مشيراً إلى أن الدولة المصرية تسعى حاليا للوصول لحلول توافقية بخصوص تلك الأزمة، إلا أنه ينبغي توفير خطط وسيناريوهات بديلة لمواجهة تلك الأزمة، خصوصا مع توجه إثيوبيا لبناء ثلاثة سدود أخرى غير "النهضة"، ما يعنى أننا قد نواجه تلك الأزمة عدة مرات. مضيفا أنه لابد من الاتفاق مع إثيوبيا حول كيفية وموعد ومدة حجز المياه وإطلاقها من السد بحيث لا تحدث ضررا لدولتى المصب، وتكون تلك هى الأولوية وبحيث تكون مصر جزءا من السياسة التشغيلية والإشراف على عمل السد بما يحقق مصلحة الطرفين، وأن تكون مسألة إقامة سدود أخرى على النيل الأزرق بارتفاعات منخفضة جزءا من الصفقة التى يتم الاتفاق عليها. فيما يرى د. علاء الظواهرى، أستاذ الهندسة الهيدروليكية بجامعة القاهرة، عضو اللجنة الثلاثية لتقييم سد النهضة، أنه لا بد من الاتفاق على مفهوم الضرر، حيث إنه غير متعارف عليه حتى الآن، فحصتنا فى مصر 55.5 مليار مكعب، وإثيوبيا لا تعترف بهذا، كذلك يرى د. الظواهرى أنه لا بد من توحيد موقفنا مع السودان، ويجب أن يكون هناك إخطار مسبق قبل بناء أى سد، وهذا لم يحدث، بالإضافة إلى عدم ملء الخزان إلا فى فترات زمنية محددة يتم الاتفاق عليها، ولا بد من التفاوض على القضايا الخلافية، ثم الوساطة، فإن فشلت يتم اللجوء إلى مجلس الأمن، ولا يتم اللجوء إلى القوة الخشنة مطلقا. ويحذر د. نور عبد المنعم نور، خبير إستراتيجيات المياه والأمن القومى، من أن السد سوف يحول دون تصريف المياه إلى مصر والسودان على مدار العام، بدلا من أربعة أشهر، مما يترتب عليه تقليل كفاءة الكهرباء المولدة من السد العالى. ويطلب السفير جمال بيومى أمين، عام اتحاد المستثمرين العرب، استدعاء السفير الإثيوبى لإيضاح أزمة السد، فهذه قضية حياة وموت، ويجب أن يكون هناك صوت مصرى سياسى ودبلوماسى واضح يشدد على أن مصر لن تقبل أن تنقص حصتها سنتيمترا مكعبا من مياه النيل. أما د. ضياء الدين القوصى، خبير المياه، فيرى أن على إثيوبيا أن تتنازل عن هذا السد، أو أن تُخفض من ارتفاعه الشاهق من 145 مترا إلى 90 مترا، وأن تغير فى أبعاد البحيرة، وطريقة إدارة ملء الخزان، بحيث تكون خلال مدة زمنية أطول تصل إلى عشر سنوات. وينصح د. عبد الفتاح مطاوع، نائب رئيس المركز القومى لبحوث المياه، بضرورة استخدام القوة الناعمة المصرية. ويوضح محمد فايق، وزير الإعلام الأسبق، والمسئول الأول عن حركات التحرر الإفريقية منذ عام 1953 حتى 1970، أن سبل الخروج من هذه الأزمة تتمثل فى التركيز على البعد الإفريقى الذى أُهمل سنين عددا. ويشدد د. نصر الدين علام، وزير الرى والموارد المائية الأسبق، على ضرورة إيقاف بناء السد حتى الانتهاء من أعمال اللجنة الثلاثية. ويطرح د. السيد فليفل، عميد معهد البحوث والدراسات الإفريقية السابق، اقتراحا بدخول مصر كشريك فى مشروع سد النهضة-علما بأن إثيوبيا لديها أزمة مالية فيما يتعلق بتمويل السد، فضلا عن عمل مخطط مائى مع جنوب السودان، والصرف عليه، مع تدعيم أواصر العلاقات مع السودان، حتى لا تعرقل كل منهما أى مشروعات مائية مصرية مثل، البديل الكونغولى، وقناة جونجلى، وتوطيد العلاقات بين مصر وإثيوبيا، فإثيوبيا اليوم غير إثيوبيا زيناوى.