حالة من الجدل يعيشها الشارع المصري هذه الأيام ، وذلك في ضوء ما أعلنه المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس اللجنة العليا للانتخابات لكشوف غير المصوتين للنيابة العامة لاتخاذ ما يلزم تطبيقه بشأن الغرامة المقررة عليهم والبالغة 500 جنيه الجدل يرجع إلى أن هناك من ذهب بالفعل إلى لجان التصويت في المرحلة الأولي والثانية وحال ضيق الوقت والازدحام بينه وبين أن يدلي بصوته ، في حين رأي آخرون أن التصويت حق شخصي للمواطن ومن حقه التنازل عنه حال عدم اقتناعه بأي المرشحين، مما يجبره أن يذهب لأشخاص لم يقتنع بآرائهم ومن ثم يصبح أمامه حل من اثنين، إما منح صوته لمن لا يستحق وإما بطلان صوته الانتخابي.. "الأهرام العربي" ناقشت تلك القضية. جاءت تعليقات غير المصوتين ساخرة مصدومين من ارتفاع قيمة الغرامة، وهو ما أثار الذعر والارتباك في كثير من الأسر المصرية خصوصا غير القادرين علي الذهاب إلى اللجان الانتخابية والتي تستلزم السفر والانتقال من مدينة لأخري ونقلنا عباراتهم كما وردت، وعلي حد تعبيرهم كانت البداية مع سهام مختار 33 سنة التي استهلت حديثها قائلة: أنا أنتمي إلى منطقة مدينة نصر وأعيش مع زوجي في الزقازيق ، ولدي ثلاثة أطفال آخرهم طفل لم يتجاوز الشهرين، فكيف لي الانتقال من مدينة لأخري وليس لدي من يعاوني لترك أطفالي معه، حتي أذهب للتصويت الانتخابي في مدينة نصر بالقاهرة وفي نفس الوقت مبلغ خمسمائة جنيه مبلغ ضخم بالنسبة لي لا أستطيع سداده هذا بخلاف أنني لا أعرف أيا من المرشحين وعلاقتي بالسياسة محدودة جدا، فحتي لو تجاوزت عن العقبات التي لا أعرف كيف أتغلب عليها حتي أصل إلى دائرتي الانتخابية والمكان المقرر أن أدلي فيه بصوتي، فكيف أتعامل مع مشكلة الجهل بالمرشحين فهو أمر في غاية الصعوبة ولا أعلم ماذا سافعل إذا تم تطبيق مبدأ الغرامة بالفعل . أما هند محمد أسامة 30 سنة تقول: شاركت في أول جولة للانتخابات وكنت سعيدة جدا بذلك خصوصا أنني كنت مقيمة في الخارج لفترة والآن عدت إلى بلدي مصر وفخورة جدا بذلك وعندما تحدد موعد الانتخابات حرصت بشغف على التعرف علي موقع الدائرة الانتخابية التي لابد أن أصوت بها برغم أننى علي غير دراية جيدة بالمرشحين، ولكني سألت عن أفضلهم واخترت أحدهم الذي يصوت له الجميع والآخر وجدت أخري تسبقني في طابور التصويت تقول إنه مرشح جيد لذلك انتخبته واصريت علي التصويت بدون الالتفات لمسالة الغرامة فكان الأهم بالنسبة لي تنمية شعوري الوطني والافتخار بأنني مصرية كل هدفي أن تنصلح أحوال البلد ولكن المشكلة أن أحد المرشحين الذي قمت بالتصويت له كانت لديه إعادة وحالت ظروفي أن أذهب للتصويت إليه مرة أخري ولا أعرف هل سيتم تطبيق مبدأ الغرامة علي أم أنها ستقتصر فقط علي عدم المشاركين في المرحلة الأولي؟ خصوصا أنه لم يتم الإعلان بشكل جيد عن توقيت الإعادة للمرشحين . أما علي إبراهيم 23 سنة والطالب بأحد المعاهد الفنية فيقول: أنا لم أذهب للتصويت في الانتخابات وليس لأي سبب سوي أنني معترض تماما علي مبدأ الغرامة ، فنحن شباب الثورة ذهبنا لنصرة بلدنا ولاختيار وضعنا الجديد الذي نتمني أن تكون عليه حال بلادنا فكيف لنا الترهيب في أننا لو لم نذهب للتصويت سوف ندفع غرامة بهذا الشأن؟ فأنا معترض تماما وأسجل اعتراضي هذا أى أننى لم أذهب من باب العند وليس أكثر من ذلك، ولكن مصر بلدي أحبها من قلبي ولم أتغيب أبدا عن الذهاب إلى ميدان التحرير أملا من الله أن يتم تغيير هذا الوضع السيئ الذي نعانيه ، والآن مازلت علي أتم الاستعداد لخدمة وطني مصر ولكن بشكل يحترم آدميتي ومصريتي أيضا. وفي الوقت الذي حالت الظروف للبعض للذهاب إلى التصويت نجد سيدات مسنات قاتلت للذهاب إلى الدوائر الانتخابية المختلفة للإدلاء بأصواتهن شأن عائشة توفيق البالغ عمرها ستون عاما والحديث على لسانها قائلة: الشباب هبطوا إلى التحرير لإقامة الثورات لخدمة بلدنا فكيف لنا أن نشارك في هذه الروح الطيبة إلا من خلال التصويت والمشاركة الفعلية في أول انتخابات برلمانية تحدث في مصر وهي بلادنا التي تنظر إليها جميع بلدان العالم وينتظر من ورائها الكثير، لذلك أقل واجب علينا هو التصويت حتي لو لم نعلم جيدا من هو المرشح الجيد فبإمكاننا السؤال حتي نصل إلى التصويت له، وأنا عن نفسي سألت قالوا لي مصطفي النجار عن دائرة مدينة نصر والآخر لم أتذكر اسمه واخترت أيضا الثورة مستمرة لتعبر عن حالتنا ولتنتصر ثورتنا ، وذهبت إلى التصويت برغم ظروفي المرضية ولكني وجدت من تعاونني وهي جارتي حتي أسدد حق بلدي علي، ألا وهو أضعف الإيمان المشاركة الانتخابية ولم ألتفت أبدا للغرامة التي وجدت الكثيرين يخشاها ويذهب للتصويت خصيصا لعدم سدادها. وفي هذا الصدد تقول د فوزية عبد الستار، أستاذ القانون بجامعة القاهرة والرئيس الأسبق للجنة التشريعية بمجلس الشعب: الغرامة مقررة في قانون مباشرة الحقوق السياسية منذ صدوره عام 1956، وتطور المبلغ المقرر لها من عشرين جنيها إلى مائة جنيه ثم أخيرا خمسمائة جنيه هذا هو الواقع القانوني الموجود حاليا ولكن إذا نظرنا من حيث مدي دستورية هذه الغرامة ففي نظري هذه الانتخابات يشوبها عيب عدم الدستورية لأن الانتخاب حق للمواطن وليس واجبا ولكونه حقا يصبح لابد من أن يترك لأصحابه ولا يجازي علي عدم استخدامها، والدليل علي ذلك أن التصويت في مجلس الشعب او المنظمات الدولية أو هيئة الأممالمتحدة يتيح للفرد الإدلاء بصوته سواء بالتأييد أم الرفض فلا أتصور أن يكون هناك عقاب علي من يمتنع عن التصويت خصوصا إذا نظرنا إلى الانتخاب علي أنها اختيار من المواطنين للنائب الأفضل، فإذا افترضنا أن الناخب لا يعرف المرشحين ولا يعرف تاريخهم وبرامجهم في دائرته فهل يذهب لاختيار أى شخص لينتخبه خوفا من الغرامة فهل هذا منطقي فهل الانتخاب هو الهدف أم اختيار الأصلح؟ هذا بخلاف أنه لا يجب علي المصوت الانتخاب خوفا من الغرامة ليبطل صوته ويختار أى شخص ويؤدي إلى تشويه صورة مجلس الشعب لأن الشخص المختار أقل كفاءة أما تاريخ الغرامة فكانت موجودة في القانون منذ القدم، لكنها لم تطبق في أى دولة في العالم. ويشترك د ممدوح نخلة رئيس مركز الكلمة ومحامٍ عام مع نفس وجهة نظر د فوزية مستكملا التصويت الانتخابي حق وليس واجبا وفي هذه الحالة من حق الفرد أن يستخدمه أو لا يستخدمه بدون عقوبة خصوصا أن هناك بعض الدول وضعت قيودا علي هذا الحق تجعله إلزاميا لأن الانتخابات حق ومشاركة دولية ووطنية ، وحق الاقتراع والتصويت المفهوم لدي الأممالمتحدة والإعلام العالمي لحقوق الإنسان أو المعهد الدولي لحقوق المدنيين السياسية تنص علي أن حق الاقتراع اختياري وفي حالة امتناع غير المصوتين عن دفع الغرامة يقول: من الناحية النظرية عدم دفع الغرامة يؤدي إلى الحبس لمدة ثلاثة أشهر ويفرض خمسة جنيهات عن كل يوم حبساً يخصم من الغرامة بحد أقصي ثلاثة أشهر ولكن الواقع العملي يختلف عن النظري لأنه ليس منطقيا إذا امتنع عشرة ملايين شخص عن التصويت أن يتم حبسهم لأنه في هذه الحالة سوف يتكلف البلد ملايين الجنيهات للإنفاق علي المحبوسين من أكل وشرب وخلافه داخل السجن والقانون لم يحسم المسألة بعد. ويقول أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان د نبيل أحمد حلمي: في تصوري هذا الرقم وهو 500 جنيه غرامة مبالغ فيها ولابد أن يكون أقل من ذلك هذا بخلاف أنه لابد وأن يكون هناك تقييم للمستوي المادي للمصوت للوصول إلى أفضل طريقة للتعامل مع غير المصوتين، خصوصا أن الفائدة هنا من الغرامة ليست في جمع المال، ولكن لتغيير ثقافة المجتمع ليهتم الفرد بشئون البلد لأن المسألة الانتخابية لابد وأن تعدل من ثقافة الإنسان المصري وتكون دافعة لأن يشارك في القضايا السياسية التي غابت عنها مشاركاته من قبل لمدة ستين عاما ، ولم تكن فيها أية مشاركات سياسة علي الإطلاق من قبل الشعب وفي حالة عجز البعض عن الوصول للجنة الانتخابة قال: الغرامة من الممكن أن ترفع إذا ثبت أن الشخص أو الناخب لم تكن لديه الفرصة للوصول إلى لجنته الانتخابية مثل الانتقالات من مدينة لأخري فلابد أن يكون هناك قبول للأعذار وإن كنت أقترح أننا مادمنا نصوت بواسطة بطاقة الرقم القومي يصبح من الممكن للشخص التصويت في أقرب مكان له بغض النظر عن المدينة أو البلدة التي ينتمي إليها وإن كنت أتمني أن نصل إلى التصويت الإلكتروني لنصوت حتي من البيوت، وكثير من دول العالم تستخدم الإلكترونيات وتسعي للتصويت بواسطة الإنترنت لأننى كيف أفرض غرامة علي شخص غير قادر ولا يمكن له الانتقال من مدينة لأخري للتصويت فلابد من إجراء التسهيلات المناسبة له مثل توفير وسيلة الانتقال ومنحه عطلة مناسبة ليستطيع السفر إلى مكان دائرته الانتخابية. ولو نظرنا مثلا لحجم مشاركة المصريين في الخارج للانتخابات لنري كم كانت المشاركة ضئيلة جدا وهي لنفس السبب فكل بلدة بها قنصلية واحدة أمريكا نفسها بها ثلاثة منافذ انتخابية ، وقد تبعد عن شخص بعد ساعات طويلة فكيف يمكن للأشخاص الانتقال وترك العمل مدة هذه الساعات وكانت من المعوقات عن العملية الانتخابية، لذلك وجدنا مشاركة محدودة جدا من المصريين المقيمين في الخارج ونتمني أن نتجاوز مثل هذه المعرقلات خصوصا أننا في عصر الإنترنت والتكنولوجيا التي فرضت إيقاعها علي العالم كله .