اللواء شرطة سابق «حمدى البطران» أحد الضباط الذين أعلنوا رفضهم لفساد وزراء داخلية على مر حقب متتالية، مما جعله ينضم عقب ثورة 25 يناير 2011 إلى ائتلاف «ضباط لكن شرفاء» حيث يسعون لتقديم الصورة المثلى لرجال الشرطة الوطنيين.. ويوضح أن الأحداث الأخيرة وممارسات بعض رجال الأمن لتعذيب المتظاهرين، وموقفه من قانون التظاهر، وكيفية سبل تطوير جهاز الشرطة جاء هذا الحوار: كيف ترى واقعة سحل وتعرية مواطن أمام مرأى الجميع؟ واقعة السحل مخجلة بكل المقاييس، وستظل لفترات طويلة سُبة فى جبين الشرطة المصرية، وستظل عالقة بذاكرتنا وذاكرة الوطن لفترات طويلة، وربما كانت شاهدة على فظاعة نظام جاء بالانتخاب، ولن تبرئها محاولات تدليل المجنى عليه أو الاعتذار له، أو إغرائه بالنسيان، إنها واقعة لم تحدث فى أشد عصور مصر إظلاما، ولكنها مع الأسف والخجل العارم لم تحدث إلا بعد الثورة. وهل من حق الشرطة إهانة وإذلال المواطنين؟ - بالطبع ليس من حق الشرطة ولا أى مؤسسة أخرى أن تهين المواطنين، وللأسف فالمواطن يهان بالانفلات الأمنى والأخلاقى والاقتصادى، ولكنه على كل حال يصبر أملاً فى مجيء يوم ربما تتحسن فيه الأمور، وتتذكر الدولة أنها تهين مواطنيها بصمتها على معاناته فى توفير الخبز والبنزين ومتطلبات الحياة. وهل هناك حالات مشابهة لها من قبل ؟ - تاريخ مصر يحمل فظائع ارتكبها الحكام ضد المصريين، فقد كان جنود محمد على يسحلون من يمتنع عن دفع الضرائب، ومن يمتنع عن العمل فى الزراعة، ومن يمتنع عن التجنيد، وفى العهود القريبة كان السحل والتعذيب يحدثان فى السجون التى امتلأت بآلاف المظلومين، هؤلاء كان يتم تعذيبهم بعيدًا عن أعين الناس داخل أسوار السجون العالية، وفى أحيان كثيرة كان السحل معنويًا، بتجريد المعارضين من وظائفهم وتعقبهم بالتقارير لمنعهم من اكتساب العيش أو الالتحاق بعمل شريف، أو معاقبته بسبب انتماءات سياسية لا تسير فى ركاب النظام . وهل هناك محاسبات لمثل تلك الحالات أم هى فردية؟ - المفترض أن تتم المحاسبة، ويشمل العقاب قانونًا أبوابا عديدة تجرم وتعاقب على تلك الأعمال، وربما كان من أكثر القوانين التى تعاقب بشدة على تلك الأفعال، ولكن المعضلة هى أن مرتكبى تلك الأفعال هم من القائمين على تنفيذ القانون ولصالح النظام، وبالتالى فإن مسألة عقابهم تترك فى الغالب إلى الجهة الإدارية، التى لا تسمح كثيرا بإيذاء من قاموا بتلك الأفعال، وتكتفى بتوبيخهم، لأنهم لم يتخذوا الحيطة الكافية بالابتعاد عن كاميرات التصوير أثناء تنفيذ واقعات السحل والتعذيب، والغريب أن جريمة التعذيب تذكر فى السجلات الوظيفية لمن مارسوها، ولكن تحت اسم مستتر هو استعمال القسوة، وهى مخالفة إدارية بسيطة لا تمنع من صعود السلم الوظيفى للدولة حتى منصب المحافظ والوزير، والغالبية العظمى منهم الآن فى وظائف مرموقة. بحكم عملك بالشرطة، ما الدور المنوط لهم فى التعامل مع الجمهور والمظاهرات؟ يتم تدريب قوات الأمن المركزى على أعمال اللياقة البدنية، وقواعد الاشتباك المباشر، وأساليب الدفاع عن النفس، ويراعى ضرورة بقاء المجندين معًا لفترات طويلة حتى يتاح خلق جو من الألفة والود بين الأفراد بالفصيلة الواحدة، وكى يتعرف كل فرد إلى الآخر، كما يتم التدريب على أسلحة فض المظاهرات، والإشارات المتبادلة لتنفيذ الأوامر والتعليمات، مراعاة مداومة الكشف الطبى والسياسى والجنائى على الأفراد العاملين فى فض الشغب، وذلك بصفة دورية للتأكد من عدم اختراقه، كما يتم عمل محاكاة لمسرح العمليات أو ما يسمى بالبيانات العملية بإدارات قوات الأمن على أعمال قمع الشغب، وفض مظاهرات، فض اعتصام، وذلك لنقل الواقع العملى لأرض الطابور. ما علاقة الأمن المركزى والشرطة بالعمل السياسى؟ العلاقة بين الأمن المركزى والعمل السياسى علاقة لا يمكن تجاهلها، فمن يعمل بالسياسة فى مصر لابد أنه تلقى عصا من عصِى الأمن المركزى على جسده، وربما تلقى صفعة أو ركلة، بعضهم تحملها صاغرًا ولم يعد للسياسة مرة أخرى، وهؤلاء كثيرون، وآخرون تحملوها على مضض وعادوا للسياسة مرة أخرى، ولعلنا نذكر أنه قبل ثورة يناير 2011 لم يزد عدد المتظاهرين فى أى حال من الأحوال عن العشرات، وكان هناك مكان محدد للتظاهر هو سلم نقابة الصحفيين، وكان زوار القاهرة وشارع رمسيس، والمارون أمام نقابة الصحفيين، ودار القضاء العالى، يعرفون بلا شك أن هناك توترًا بين رجال السياسة والدولة، وذلك عندما يشاهدون سيارات الأمن المركزى بلونها الزيتونى ونوافذها المغطاة بالأسلاك كحجرات السجون، وعندما كنا نشاهدهم أمام بوابة جامعة القاهرة، كنا نوقن أن هناك أمر ما، وهو ما لم تكن أجهزة الإعلام تفصح عنه. وكيف ترى قانون التظاهر الجديد؟ حتى هذه اللحظة -التى نتحدث فيها- لم يتم إقرار القانون الجديد المزمع إقراره بمعرفة مجلس الشورى، وقد سبق أن فكرت فيه حكومة الدكتور عصام شرف، وهى أول حكومة يتم تشكيلها بإرادة الميدان فى عصر الثورة، ومع ذلك فإنها لم تتمكن من إقناع المجلس العسكرى بإقرار القانون، ثم فكرت فيه حكومة د.كمال الجنزورى، ثم كان خلافها مع مجلس الشعب الإخوانى، فلم يتمكن من مجرد عرضه، وعندما استحكم الخلاف بين فصائل الثورة عرضه أحد الأعضاء المنتمين لجماعة الإخوان فى مجلس الشعب، ولكن تم الحكم بحل المجلس، ولم يتم إقراره أيضا، وها هو يعود من جديد، ومن المفترض أنه قانون ينظم عملية التظاهر فى مصر، ويجعل منها لغة عصرية وراقية للتخاطب بين السياسة والمعارضة، وعملية تنظيمها لن تضر المعتصمين ولا المتظاهرين من أصحاب الحقوق، ولكنها تفيد الآخرين الذين لم يضربوا ولم يعتصموا، ولا تعطل مصالحهم، ويمنع دخول العناصر التى تسببت ولمدة طويلة فى إفساد جوهر الثورة، هؤلاء الذين لا يتعاملون إلا بالتخريب. بخبرتك الشرطية ما أهم المآخذ على وزراء الشرطة بعد ثورة 25 يناير؟ الظروف التى حدثت لوزارة الداخلية، والانهيار الأمنى والأخلاقى، وحالات التسيب التى مُنيت بها البلاد أعقاب الثورة، كانت أقوى بكثير من قدرات وزراء الداخلية بعد الثورة، والذين تم اختيارهم على عجل، باختيار عشوائى بحت، دون النظر إلى خلفية فكرية، فضلا عن هذا كان على الوزير أن يتعامل مع مساعدين تعاملوا فى السابق مع وزير فاسد، أفسدهم بالمناصب والمال والسلطة، وهؤلاء وجدوا أنفسهم باقين فى مناصبهم وزملاءهم يحاكمون، وفضلا عن هذا لم يضع المجلس العسكرى فكرة إعادة بناء الشرطة فى حسبانه، وكانت فكرة تغيير الوزير إرضاء للثوار هى السائدة، كما أن الموقف الأمنى بعد ثورة يناير وتحطيم أكثر 60 مركزا وقسم شرطة وأكثر من ألفى سيارة وسرقة جميع الأسلحة، وهروب المساجين والمجندين وتفسخ الجهاز، وكذلك وضع سياسى متفسخ، وغير مستقر، كل تلك العوامل كانت أقوى بكثير من قدرات أى وزير للداخلية مهما بلغت كفاءته، ولم يتغير الوضع فى الوقت الحالى، فإن عملية الاختيار تشوبها العشوائية، والقرب من مركز الحكم واتخاذ القرار، أو مجرد الانتماء لفصيل سياسى يساند النظام الحاكم. كيف يمكن عودة الثقة بين الشارع ورجل الشرطة؟ عودة الثقة بين رجال الشرطة والشارع تتوقف على عدة اعتبارات أولها: الموقف السياسى بوجه عام، وثانيها: موقف المجتمع، وثالثها: موقف رجال الشرطة أنفسهم، فمن ناحية الوضع السياسى يجب أن تقتنع النخبة الحاكمة وتشكل إرادة سياسية، بإعادة تنظيم جهاز الشرطة طبقًا لأحدث الأنظمة العالمية، وليكن نظام الشرطة الفرنسى، ويتم على الفور إنشاء التشريعات اللازمة لرجال الشرطة التى تكفل لهم أداء عملهم فى أمان واستقرار، دون خوف من مناصب معينة أو حصانات أو رؤساء، مثل أى جهاز رقابى آخر يعمل فى مصر، وأن نضع أسس المحاسبة والعقاب لمن لا يؤدى واجبه منهم طبقًا للقانون، مع التوسع فى العقاب على جريمة الاعتداء عليهم أو إهانتهم او إتلاف أدواتهم، تماما كما توسع القانون فى عقاب من يسرق مهمات السكة الحديد فى قانون الإجراءات الجنائية المصرى، ونأمل أن يتسامح المجتمع عما مضى، وأن يتوخى المستقبل فى اختياراته السياسة، ويجب عليه طمأنة رجال الشرطة بأنهم ليسوا مستهدفين، وأن يقتنع الثوار والمتظاهرون أن الشرطة دائما فى خدمة الشعب، وأن يحتضن أولاد الشوارع الذين اصبحوا هم وقود الثورة، وفتيل الاشتعال فى كل الأزمات، وعلى رجال الشرطة أن يثقوا فى رؤسائهم وفى الموقف السياسى، وأن يتركوا ما مضى وينظروا أمامهم. وكيف يتم تطوير وزارة الداخلية لعودة الأمن والأمان فى الشارع المصري؟ فكرة تطوير الداخلية لتصبح شرطة الشعب والقانون، تشمل تغييرات شاملة وجذرية فى المبادئ الأساسية الحاكمة لعمل الشرطة فى المرحلة الحالية، وهى جزآن هما: أولا: فلسفة الشرطة، وهى مجموعة الأفكار حول طبيعة عمل الشرطة ودورها الاجتماعى، ومدى خضوعها للقانون، والرقابة على أعمالها وتصرفات رجالها، ويقتضى هذا أن نضع تشريعات جديد للشرطة تحقق لها نوع من الاستقلال عن الجهات السياسية، وألا تكون جزءا من السلطة التنفيذية، فضلا عن أن تكون تحت تصرف الشعب، يقودنا هذا إلى ضرورة توفير نوع من الحماية لرجال الشرطة، ووجود نظام قانونى يسبغ على وظيفتها صفة الشرعية، بحيث يصبح أى انحراف عن هذا المفهوم تجاوزا وخروجا على نطاق الشرعية والقانونية، وفضلاً عن اختيار نوعية من الضباط ورجال الشرطة لم تتأثر بعقلية الشرطة الماضية، ووضع نظام جديد للمحاسبة والعقاب.. ثانيا: البناء الفعلى للشرطة، ويشمل تخطيط احتياجات الشرطة، سواء القوة البشرية أو المعدات اللازمة، وتنظيم أسلوب العمل، وتحديد القواعد العامة التى تلتزم بها الشرطة فى عملها، كما ينبغى أن نميز بين الشرطة الجنائية من حيث تتبع الجريمة بعد وقوعها لضبط مرتكبيها، وبين وظيفتها الإدارية لمنع وقوع الجريمة، وظيفة الشرطة المحافظة على الأمن العام، والتى يتحقق فيها الشعور بالطمأنينة، وإزالة المخاوف من أى أخطار تهدده، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية، وحماية النظام العام بتوفير بيئة مناسبة كى يتمكن أفراد المجتمع من مباشرة أنشطتهم فى سهولة ويسر دون مضايقة أو تعطيل، وتنفيذ ما تفرضه قوانين الدولة ولوائحها، وهى القوانين التى تدير وتضبط حركة الدولة وعلاقتها بالشعب، وإعادة النظر فى أمر تسليح قوات خاصة من الشرطة، لمواجهة الحالات الملحة من تعدى العصابات المنظمة على الممتلكات والمنشآت، والتجمعات الخارجة على القانون، والتى تحاول هدم الديمقراطية، وفرض القانون، وتنفيذ الأحكام، حتى يشعر المواطن بالأمن والطمأنينة اللتين افتقدناهما.