لن نعيد عبارات الشجب والإدانة التى صدرت من هنا وهناك، ردا على إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان السورية المحتلة، فالقرار الأمريكى وكما يقول المثل المصرى “بله واشرب ميته” أى لا قيمة له حتى داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها، اللهم إلا إذا صادق عليه الكونجرس الأمريكى بمجلسيه الشيوخ والنواب، وهو أمر أرى أنه من الصعب أن يتحقق فى الوقت الراهن، خصوصا فى ظل الاحتقان المتبادل بين الطرفين – ترامب من جهة والكونجرس من جهة أخرى حتى بأعضائه الجمهوريين الذين ينتمى إليهم ترامب – فالأزمة تتصاعد تحديدا بين أعضاء الكونجرس والرئيس الأمريكى بشأن إقامة الجدار العازل الذى يفصل أمريكا عن المكسيك، وأمور أخرى كثيرة من بينها الملاحقات القضائية المستمرة ضده. القرار الأمريكى الذى يتشابه مع وعد بلفور المشئوم، بمنح اليهود وطنا فى أرض فلسطين، ليس مفاجأة للمراقبين العرب والغربيين، فترامب تعهد إبان حملته الانتخابية بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ولم يخلف وعده، وكذلك تعهد لمجموعة من يهود أمريكا باعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان خلال ولايته الرئاسية، وقد كان واعترف بالفعل فى حفل مبسط بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي، وكذلك تعهد بوقف الاتفاق النووى مع إيران، ورأيناه ينفذ وعده ويعلن انسحاب بلاده من الاتفاق، ثم يضغط على بقية الشركاء ويجدد الحصار الاقتصادى على إيران.. المجمل أن ترامب لم يأت بجديد حتى الآن ولم نندهش بقراراته، وربما نزيد أو نذكر بعضنا البعض عندما انتشرت مقاطع مصورة للرئيس الأمريكى منذ فترة طويلة، يتعهد فيها حال وصوله لسدة الرئاسة الأمريكية واحتلاله البيت الأبيض أن يجعل دول الخليج تدفع كل تكلفة الدفاع عنها، وقال ما معناه :”من يريد دفاعنا عنه فليدفع تكلفة ذلك” ولم يقتصر هذا الأمر على منطقة الخليج فقط، بل تعداه إلى تكلفة الحماية الأمريكية لليابان..ونتذكر معاً أيضا حربه التجارية مع الصين ومن قبل مع الاتحاد الأوروبي، والمعنى أنه رئيس يحارب الجميع باستثناء إسرائيل، لأنه يعلم تماما قدر وقيمة اللوبى اليهودى الأمريكى، ومدى قوته فى إدارة الشئون الاقتصادية فى الولاياتالمتحدة، ناهيك عن علاقاته هو نفسه مع الاقتصاديين اليهود، باعتباره مقاولا وصاحب سلسلة فنادق يجيد فن عقد الصفقات. ولعل هذا يقودنا إلى تحليل صفقة ترامب الأخيرة لإسرائيل وقراره الاعتراف بسيادتها على الجولان السورى المحتل، فربما لم يع الرئيس الأمريكى بنود تلك الصفقة “الخائبة” عندما تعهد بها أو عندما أعلنها رسميا، فالأرض ليست أمريكية كى يمنحها لإسرائيل، وبالتالى فليس لقراره أبعاد قانونية دولية تؤثر على موقف الجولان المحتل حيال القانون الدولى، الذى يؤكد أنها أرض محتلة بداية من القرار 242، وكذلك مفاوضات مدريد للسلام التى رعتها أمريكاوروسيا عقب تحرير الكويت عام 1991، حيث انطلقت المفاوضات السورية – الإسرائيلية بناء على ورقة معترف بها من إسرائيل وحاضنتها أمريكا بأن الجولان أرض محتلة.. وقد غفل دونالد ترامب وشريكه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو، أن التقادم الزمنى لا يعطى لإسرائيل أى حق أو سيادة على الأراضى المحتلة سواء الجولان أم فى فلسطين. وترفض كل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالاحتلال خصوصا اتفاقيات لاهاى وجنيف والبروتوكولات والقرارات الدولية الصادرة عن الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي، أى سياسات تضر فى إيجاد حلول دولية تنهى احتلال الجولان والأراضى الفلسطينية. وأيا كانت تصريحات ترامب الغوغائية التى أطلقها لحظة توقيع إعلانه المشار إليه، فهو لم يأت بجديد، فكل رؤساء الولاياتالمتحدة لم يخفوا تأييدهم لإسرائيل ومناصرتها والوقوف بجانبها فى جميع حروبها، كما أن نيتانياهو لم يأت هو الآخر بجديد، عندما رد على هدية ترامب بقوله:”إن الرئيس الأمريكى أقر بقرار الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان العدل لإسرائيل وحقوقها وحقها فى الدفاع عن نفسها”، فترامب ليس استثناء أمريكيا ولكنه حالة استثنائية ومهما كانت قراراته وأفعاله فهى لا تغير الواقع القانونى للأراضى المحتلة ومهما كان وصف نيتانياهو توقيع “إعلان الجولان”، باليوم التاريخي، حيث انتظروه لمدة نصف قرن لتحويل النصر العسكرى إلى دبلوماسي، وأن إسرائيل لن تتخلى عن الأرض، فهذا مجرد شعارات يطلقها من يرى نفسه الطرف المنتصر فى حرب لم تتنه بعد، ويكفى أن صاروخا أطلقه الفلسطينيون من قطاع غزة باتجاه تل أبيب، جعل رئيس الوزراء الإسرائيلى الذى يفخر بأن بلاده تملك جيشا من أقوى جيوش العالم، جعله يقطع رحلته لواشنطن ويعود إلى تل أبيب مسرعا لإدارة كيفية الرد على صاروخ جاء من منطقة لا تجد ما تأكله، فكيف يكون الوضع إذا كانت سوريا لا تزال بلدا يقف على قدميه، وهى ستعود بالفعل حتى ولو بعد حين وليعلم ترامب وغيره من المهووسين بخدمة إسرائيل على حساب الحقوق العربية، أن إعلانه باطل ويؤكد جهله بالقانون الدولى ويضر بلاده ومصالحها إن لم يكن اليوم فغدا، ولن يغير من وضع الجولان المحتلة وستعود لسوريا وعليه العودة إلى قرارات مجلس الأمن الصادرة بالإجماع وأهمها القرار 242 لعام 1967 الذى يعد أهم مرجعية لعملية السلام والمفاوضات العربية - الإسرائيلية بمراحلها المختلفة بعد حرب يونيو1967 ويؤكد مجلس الأمن فى بنده الأول “عدم القبول بالاستيلاء على أراض بواسطة الحرب، والحاجة إلى العمل من أجل سلام دائم وعادل تستطيع كل دولة فى المنطقة، وضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من (الأراضي) التى احتلتها فى النزاع خلال الحرب”. كما يتعارض قرار ترامب مع القرار 497 لعام 1981 الذى رفض الاعتراف بإقرار الكنيست الإسرائيلى ل”قانون الجولان” وفرض القانون والقضاء، والإدارة الإسرائيلية على الجولان. كما تتبنى الجمعية العامة سنويا قرارا حول الجولان السورى المحتل “يؤكد عدم شرعية الاحتلال وضرورة الانسحاب الإسرائيلى منه حتى خطوط الرابع من يونيو 1967 وفقا للقرارين 242 و338”. لقد أخطأ الرئيس الأمريكى بقراره حتى وإن كان يهدف إلى تقنين الموقف الإسرائيلى حيال الجولان المحتل، فهذا أمر خطأ سواء من ترامب أم طفله المدلل نيتانياهو، لأن القرار لا يترتب عليه حقوق من الناحية الدولية. كما أن القانون الدولى لا تصنعه أو تنفذه دولة واحدة، مهما كان اسمها الولاياتالمتحدة التى لا يزال جيشها يتذكر كيف سحله الصوماليون فى معركة مقديشو عام 1993، عندم وقعت اشتباكات بين الصوماليين أفقر شعوب العالم وبين القوات الأمريكية وأسفرت عن مقتل 19 جنديا أمريكيا وسقوط مروحتين من طراز بلاك هوك، وطارد الصوماليون الجنود الأمريكيين فى الشوارع وتم قتلهم وسحلهم، ليعلن الرئيس جورج بوش الأب انسحاب قواته فى مارس 1993 بعد أن أرسلهم هناك بحجة حفظ السلام، ولكن فكرة السيطرة على هذه البلاد هى السبب الرئيسى للاستكشاف الأمريكى لها، بعد معلومات بأن الصومال يختزن احتياطيات وفيرة من النفط. والمدعو ترامب بإعلانه المشار إليه يتحايل على المبدأ الدولى “عدم جواز الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة، وعدم جواز تغيير الحدود بين الدول إلا بموجب اتفاق بين الدول المعنية”، وهو بذلك يمنح روسيا الحق فى ضم منطقة القرم الأوكرانية إليها بالمخالفة لما تطالب به واشنطن وتعتبرها تحت الاحتلال الروسى المؤقت، وللأسف رفض وزير الخارجية الأمريكى مارك بومبيو إعلان روسيا سيادتها على القرم، ولكنه نفسه – بومبيو – يدعى أن قرار ترامب بشأن الجولان، يعكس الواقع ويزيد من فرص الاستقرار فى الشرق الأوسط. وفى النهاية لن نتساءل: هل سيترك العرب الجولان يئن من جرحه الغائر بهذا القرار الغاشم ويسلموه هدية على طبق من فضة لإسرائيل؟ وعلينا عدم الاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة، فنحن مللناها حيث التحدى صعب جدا، وإما نعيش بكرامة أو لا نكون أمة عربية.