الدولار خلال إجازة شم النسيم.. أسعار العملات في البنك الأهلي والمركزي وموقف السوق السوداء    أسعار اللحوم اليوم الأحد 5 مايو 2024.. كم سعر كيلو اللحمة في مصر    الأرصاد تحذر من انخفاض درجات الحرارة وتساقط الأمطار على هذه المناطق (تفاصيل)    مصر للبيع.. بلومبرج تحقق في تقريرها عن الاقتصاد المصري    حملة ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري تجمعان تبرعات تزيد عن 76 مليون دولار في أبريل    مصر على موعد مع ظاهرة فلكية نادرة خلال ساعات.. تعرف عليها    روسيا تصدر مذكرة اعتقال للرئيس الأوكراني زيلينسكي    أول تعليق من مدرب سيدات طائرة الزمالك بعد التتويج ببطولة إفريقيا أمام الأهلي    نجم الأهلي السابق يوجه طلبًا إلى كولر قبل مواجهة الترجي    قصواء الخلالي: العرجاني رجل يخدم بلده.. وقرار العفو عنه صدر في عهد مبارك    بورصة الدواجن اليوم.. أسعار الفراخ والبيض اليوم الأحد 5 مايو 2024 بعد الارتفاع    هل ينخفض الدولار إلى 40 جنيها الفترة المقبلة؟    حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    علي معلول: تشرفت بارتداء شارة قيادة أعظم نادي في الكون    العمايرة: لا توجد حالات مماثلة لحالة الشيبي والشحات.. والقضية هطول    بعد معركة قضائية، والد جيجي وبيلا حديد يعلن إفلاسه    تشييع جثمان شاب سقط من أعلي سقالة أثناء عمله (صور)    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    كريم فهمي: لم نتدخل أنا وزوجتي في طلاق أحمد فهمي وهنا الزاهد    تامر عاشور يغني "قلبك يا حول الله" لبهاء سلطان وتفاعل كبير من الجمهور الكويتي (صور)    حسام عاشور: رفضت عرض الزمالك خوفا من جمهور الأهلي    ضياء رشوان: بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها لا يتبقى أمام نتنياهو إلا العودة بالأسرى    عمرو أديب ل التجار: يا تبيع النهاردة وتنزل السعر يا تقعد وتستنى لما ينزل لوحده    الزراعة تعلن تجديد اعتماد المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني    حسب نتائج الدور الأول.. حتحوت يكشف سيناريوهات التأهل للبطولات الأفريقية    كاتب صحفي: نتوقع هجرة إجبارية للفلسطينيين بعد انتهاء حرب غزة    احتجاج مناهض للحرب في غزة وسط أجواء حفل التخرج بجامعة ميشيجان الأمريكية    مصرع شاب غرقا أثناء الاستحمام بترعة في الغربية    إصابة 8 مواطنين في حريق منزل بسوهاج    رئيس قضايا الدولة من الكاتدرائية: مصر تظل رمزا للنسيج الواحد بمسلميها ومسيحييها    اليوم.. قطع المياه عن 5 مناطق في أسوان    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    محافظ الغربية يشهد قداس عيد القيامة بكنيسة مار جرجس في طنطا    البابا تواضروس يصلي قداس عيد القيامة في الكاتدرائية بالعباسية    مكياج هادئ.. زوجة ميسي تخطف الأنظار بإطلالة كلاسيكية أنيقة    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    عاجل.. مفاجأة كبرى عن هروب نجم الأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    عبارات تهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024    تساحي هنجبي: القوات الإسرائيلية كانت قريبة جدا من القضاء على زعيم حماس    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    نميرة نجم: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها غير موجود لأنها دولة احتلال    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    صيام شم النسيم في عام 2024: بين التزام الدين وتقاطع الأعياد الدينية    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    نجل «موظف ماسبيرو» يكشف حقيقة «محاولة والده التخلص من حياته» بإلقاء نفسه من أعلى المبنى    شديد الحرارة ورياح وأمطار .. "الأرصاد" تعلن تفاصيل طقس شم النسيم وعيد القيامة    المنيا تستعد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    مهران يكشف أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين    من القطب الشمالي إلى أوروبا .. اتساع النطاق البري لإنفلونزا الطيور عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكة المكرمة‏..‏ قلب العالم النابض بالإيمان
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 08 - 2011

أشرف البقاع وأقدسها علي وجه البسيطة‏,‏ تهفو لها الأرواح‏,‏ وتتهافت إليها القلوب المتعبة لملايين البشر الذين يطوفون حول كعبتها المشرفة في صحن المسجد الحرام في مشهد لايعلوه ولا يعدله مشهد آخر علي وجه الأرض‏. إنها مكة المكرمة بحليها النوراني الأخاذ وبريقها الفتان الذي تتري له العيون في كل وقت وأذان, وتبقي ليالي رمضان الكريم فيها دون سائر الأيام هي الأكثر الروحانية في تلك الرحاب الطاهرة التي تجلب الاطمئنان والشعور بالسعادة وراحة النفس والرضا بما قسم الرحمن.
مكة هي مهد الإسلام والبقعة الأكثر قدسية لدي المسلمين علي امتداد خريطة الكرة الأرضية, وهي المكان الذي تتجه إليه الأفئدة في خشوع وتهفو قلوب زائريها أكثر في شهر رمضان حيث تزداد هذه البقعة المباركة إشراقا ورونقا وإليها تشد رحال الملايين من الزوار والمعتمرين والمعتكفين, والمسجد الحرام هو أول المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال. فقد قال نبي الإسلام محمد بن عبد الله: لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام, ومسجدي هذا, والمسجد الأقصي. يرجع بناء الكعبة إلي عهد آدم إلا أنها دمرت عبر السنين ولم يبقي مكانها شيء إلي أن أوحي الله إلي إبراهيم بمكان البيت. كما ذكر القرآن: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود.
تبدو لزائر مكة في رمضان علي وجه الخصوص- روحانية الليالي مع تلك الأصوات الرخيمة المرتلة لآيات القرآن الكريم في كل صلاة, خاصة صلاة التهجد والتراويح والتي يتناوب عليها أربعة من المقرئين, وتصبح هذه الأصوات ذات التلاوة الخاشعة منفذا لاستكشاف روحانية المكان والزمان في هذه البقعة الطاهرة.
في رحاب الحرم
مكة المكرمة يرجع تأسيسها إلي أكثر من2000 سنة قبل الميلاد- فإذا كانت مكة كلها مقدسة, يبقي الحرم هو قدس أقداس المدينة العتيقة, حيث تتجلي في رحابه الطاهرة أسمي المعاني الإنسانية وتضفي أجواء روحانية تنادي البشر الذين تهفو نفوسهم وأفئدتهم لترك الدنيا وتلبية النداء لبيك اللهم لبيك وفي هذه المساحة نسافر مع القارئ في رحلة إيمانية ممتعة لنتجول في أعظم وأقدس بقعة علي وجه الأرض مكة المكرمة التي كانت في بدايتها عبارة عن قرية صغيرة تقع في واد جاف تحيط بها الجبال من كل جانب, ثم بدأ الناس يتوافدون عليها ويستقرون بها في عصر النبي إبراهيم والنبي إسماعيل عليهما السلام وذلك بعدما ترك النبي إبراهيم زوجته هاجر وابنه إسماعيل في هذا الوادي الصحراوي الجاف, امتثالا لأمر الله, فبقيا في الوادي حتي تفجرت بئر زمزم, ثم وفدت بعد ذلك أولي القبائل التي سكنت مكة وهي قبيلة جرهم إحدي القبائل اليمنية الرحالة.
عرفت مكة عبر العصور المختلفة بأكثر من خمسين اسما وكنية, وعلي هذا فإن أصل تسمية مكة مجهول تقريبا, لكن تعددت الفرضيات حول أصل التسمية, فقيل أنها سميت مكة لأنها تمك الجبارين أي تذهب نخوتهم, ويقال أيضا أنها سميت مكة لازدحام الناس فيها, ويقال أن مكة عرفت بهذا الاسم لأن العرب في الجاهلية كانت تقول إنه لا يتم حجهم حتي يأتوا الكعبة فيمكون فيها أي يصفرون صفير المكأو, وهو طائر يسكن الحدائق, ويصفقون بأيديهم إذا طافوا حولها, ويري آخرون أنها سميت بكة لأنه لا يفجر أحد بها أو يعتدي علي حرماتها إلا وبكت عنقه وهناك من يذهب إلي أنها سميت مكة لأنها كانت مزارا مقدسا يؤمه الناس من كل الأنحاء للتعبد فيه, أما كلمة بك فتعني في اللغة السامية الوادي, وقد ورد في بعض الكتابات القديمة مدينة تسمي مكربة, وذهب الباحثون إلي أن هذه المدينة هي مكة.
واسم مكة مذكور في القرآن عدة مرات, فسميت مكة في سورة الفتح في الآية: ز ديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا.
وسميت بكة في سورة آل عمران في: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين, سميت أم القري في سورة الأنعام في: وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القري ومن حولها.
وسميت أيضا البلد الأمين في سورة التين في: والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين, هذا بالإضافة إلي أسمائها الأخري مثل البلدة والبيت العتيق والحاطمة وأم زحم وغيرها.
معالم مقدسة
تبدو لي الأبنية والطرز المعمارية في تلك الرحاب المقدسة في أبهي صورها في كافة معالم البلدة ذات البيت العتيق, حيث تضم مكة العديد من المعالم الإسلامية المقدسة التي لا مثيل لها في العالم, من أبرزها المسجد الحرام وهو أعظم مسجد في الإسلام ويقع في قلب مدينة مكة, تتوسطه الكعبة المشرفة أول بيت وضع للناس علي وجه الأرض ليعبدوا الله فيه و سمي بالمسجد الحرام لحرمة القتال فيه منذ دخول النبي المصطفي إلي مكة المكرمة منتصرا. والصلاة فيه تعادل مائة ألف صلاة.
ويذكر التاريخ أن الله سبحانه وتعالي قد أمر إبراهيم عليه السلام ببناء البيت الحرام وذكر القرآن الكريم بناء إبراهيم وابنه إسماعيل الكعبة, وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الجنة وكان أشد بياضا من الثلج حتي سودته خطايا أهل الشرك, ثم أعيد بناء الكعبة في عهد قريش, بعد عام الفيل بحوالي ثلاثين عاما بعد أن حدث حريق كبير بالكعبة نتج عن محاولة امرأة من قريش تبخير الكعبة فاشتعلت النار وضعف البناء ثم جاء سيل حطم أجزاء الكعبة فأعادت قريش بناءها, وبعد أن فتح خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله مكة أزال ما كان علي الكعبة من أصنام, وكان يكسوها ويطيبها, ولكنه لم يقم بعمل تعديل علي عمارة الكعبة وما حولها.
وبقي المسجد الحرام علي حاله طوال خلافة أبي بكر- رضي الله عنه- وفي العام السابع الهجري, شعر عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بحاجة المسلمين إلي توسعة المسجد الحرام بعد أن زاد عدد الحجاج, فاشتري البيوت المجاورة للمسجد, ووسع بها ساحة المطاف وجعل لها أبوابا يدخل الحجاج والمعتمرون منها للطواف حول الكعبة المشرفة.وكان عمر هو أول من أخر مقام إبراهيم عن جدار الكعبة فقد كان ملاصقا فيها وذلك ليسهل الطواف وحماية لمقام إبراهيم.
وفي عام26 قام عثمان بن عفان- رضي الله عنه- بتوسعة المسجد مرة أخري كما بني للمسجد أروقة وكان أول من بني للمسجد الحرام أروقة.
والمسجد الحرام هو المكان الذي أسري بالنبي منه إلي المسجد الأقصي كما جاء في سورة الإسراء: سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير.
أبواب الحرم
تصحبني هالة نورانية وأنا أخطو بقدمي في جلال وخشوع أول باب للمسجد الحرام, إنه باب بني شيبة الذي ينسب إلي شيبة بن عثمان الحجبي سادن الكعبة المشرفة لأنه كان بجوار بيته, ويقال لهذا الباب: باب السلام, وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يدخل من هذا الباب لأنه مواجه للكعبة أمام مقام إبراهيم مباشرة ويبلغ عدد أبواب المسجد الحرام حاليا25 بابا منها أربعة أبواب رئيسية هي: باب الملك عبد العزيز و باب الملك فهد و باب الفتح و باب العمرة, وبالطبع يشتمل المسجد الحرام علي: الكعبة المشرفة والحجر الأسود وحجر إسماعيل ومقام إبراهيم و بئر زمزم والصفا والمروة.
ريح الكعبة
سميت كعبة لكونها بناء مربعا ومكعبا تقريبا, وقد روي أنه: إنما سميت كعبة لأنها مربعة وصارت مربعة لأنها بحذاء البيت المعمور وهو مربع وصار البيت المعمور مربعا لأنه بحذاء العرش وهو مربع وصار العرش مربعا لان الكلمات التي بني عليها الإسلام أربع وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله لا الله والله أكبر.
وللكعبة عدة أسماء وردت في القرآن الكريم وهي: البيت, البيت العتيق, المسجد الحرام, البيت المحرم, وكذلك أول بيت, وقد شارك النبي محمد في البناء بنقل الحجارة ووضع الحجر الأسود بعد ما اختلفت القبائل حول من سيكون له شرف إعادة الحجر الأسود لمكانه فاتفقوا علي أن من سيدخل عليهم يحكمونه فيما بينهم فكان أول من دخل هو النبي الذي حل المشكلة بطريقة ذكية, وهي أن يمسك شيخ كل قبيلة طرفا من قطعة قماش يضعون في وسطها الحجر الأسود ثم قاموا برفعها إلي موضعه وتقدم الرسول الكريم ووضع الحجر الأسود بيديه في مكانه فحل بذلك المشكلة التي كادت تسبب حروبا بين قبائل العرب.
ويوجد بداخل الكعبة ريح طيب من خليط المسك والعود والعنبر الذي يستخدم بكميات كبيرة لتنظيفها ويستمر مفعوله طوال العام, وربما تستعر هذا الريح الطيب وأنت تطوف من حولها, أما إذا أسعدك الحظ ودخلتها ستري بعينيك أرضيتها التي تغطي برخام من اللون الأبيض في الوسط,أما الأطراف التي يحددها شريط من الرخام الأسود فهي من رخام الروز( الوردي) الذي يرتفع إلي جدران الكعبة مسافة أربعة أمتار دون أن يلاصق جدارها الأصلي. أما المسافة المتبقية- من الجدار الرخامي حتي السقف خمسة أمتار- فيغطيها قماش الكعبة الأخضر أو ستائر من اللون الوردي المكتوب عليه بالفضة آيات قرآنية وتمتد حتي تغطي سقف الكعبة. كما توجد بلاطة رخامية واحدة فقط بلون غامق تحدد موضع سجود الرسول عليه الصلاة والسلام, بينما توجد علامة أخري من نفس الرخام في موضع الملتزم حيث ألصق الرسول بطنه الشريف وخده الأيمن علي الجدار رافعا يده وبكي ولذا سمي بالملتزم.
وفي منتصف الكعبة يوجد ثلاثة أعمدة من الخشب المنقوش بمهارة لدعم السقف محلاة بزخارف ذهبية, وعدد من القناديل المعلقة المصنوعة من النحاس والفضة والزجاج المنقوش بآيات قرآنية تعود للعهد العثماني. وسلم يصل حتي سقف الكعبة مصنوع من الألمنيوم والكريستال, ومجموعة من بلاطات الرخام التي تم تجميعها من كل عهد من عهود من قاموا بتوسعة الحرم المكي الشريف. وتغسل الكعبة من الداخل مرة واحدة في كل عام بالماء والصابون أولا ثم يلي ذلك مسح جدرانها الداخلية وأرضيتها بالطيب بكل أنواعه وتبخر بأجمل البخور.
كساء الكعبة
في رحلتي داخل الحرم المكي الشريف أتلمس بأصبعي في جلال وخشوع الكساء الخارجي للكعبة, والذي يتكون من خمس قطع تغطي أربعا منها أوجه الكعبة, أما القطعة الخامسة فهي الستارة التي توضع علي باب الكعبة, وجدير بالذكر أنه تبلغ التكلفة الإجمالية لثوب الكعبة عشرين مليون ريال أي ما يزيد عن خمسة ملايين دولار, وتصنع من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود, ويبلغ ارتفاع الثوب أربعة عشر مترا ويوجد في الثلث الأعلي منه حزام يبلغ عرضه95 سنتمترا وطوله47 مترا ويتألف من ستة عشر قطعة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية. كما توجد تحت الحزام آيات قرآنية كتبت كل منها داخل إطار منفصل ويوجد في الفواصل التي بينها شكل قنديل مكتوب عليه يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم الحمد الله رب العالمين, والحزام مطرز بتطريز بارز مغطي بسلك فضي مطلي بالذهب ويحيط بالكعبة بكاملها.
الحجر الأسود
أقف الآن أمام الحجرالأسود الذي يقبع في الجنوب الشرقي من الكعبة وهو حجر ثقيل بيضاوي الشكل أسود اللون مائل إلي الحمرة وقطره30 سم ويحيط به إطار من الفضة ويسن لمن يطوف أن يستلم الحجر الأسود أي يلمسه بيده ويقبله عند مروره به, فإن لم يستطع استلمه بيده وقبلها, فإن لم يستطع استلمه بشيء معه كالعصا وما شابهها وقبل ذلك الشيء, فإن لم يستطع أشار إليه بيده وسمي وكبر( بسم الله والله أكبر) ولا يقبل يده.
وقد ورد في الحديث أن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم قال: إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولولا أن طمس نورهم لأضاء ما بين المشرق والمغرب وقد ورد في الحديث أيضا أن الحجر الأسود نزل من الجنة أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم.
باب الملتزم
في هذا المكان ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة تنتابني قشعريرة مصحوبة بصفاء روحي لا مثيل لها, فهنا موضع إجابة الدعاء ويسن به الدعاء مع إلصاق الخدين والصدر والذراعين والكفين كما ورد أن عبدالله بن عمرو بن العاص طاف وصلي ثم استلم الركن ثم قام بين الحجر والباب فالصق صدره ويديه وخده إليه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله يفعل,( سنن ابن ماجة) وقال ابن عباس: أن ما بين الحجر والباب لا يقوم فيه إنسان فيدعو الله بشئ إلا رأي في حاجته بعض الذي يحب. وقد تم صنعه من الذهب الخالص.
مقام إبراهيم
ياإلهي ما أجمل هذا المشهد, فعن يميني مقام إبراهيم وهو الذي قام عليه سيدنا إبراهيم عليه السلام عند بناء الكعبة وكان ابنه إسماعيل يناوله الحجارة وكل ما اكتملت جهة انتقل إلي الجهة الأخري يطوف حول الكعبة وهو واقف عليه حتي انتهي إلي وجه البيت, ولقد كانت هذه من معجزات الله لإبراهيم أن صار الحجر تحت قدميه رطبا فغاصت فيه قدماه وقد بقي أثر قدميه ظاهرا حتي يومنا هذا.
وعلي يساري أطالع حجر إسماعيل الذي يقع شمال غربي الكعبة المشرفة, وطرفا الحجر محاذيان للركنين العراقي والشامي من أركان الكعبة, وهو فضاء نصف دائري محصور ما بين الحطيم والكعبة المشرفة, كان هذا المكان منزلا لإسماعيل عليه السلام وأمه هاجر, وروي أنه موضع دفنهما. وسمي بحجر إسماعيل لأن إسماعيل- عليه السلام- قد اتخذ إلي جوار الكعبة حجرا, وهو عريش من أراك, وهي الشجرة التي يتخذ منها السواك, وقيل سمي بذلك لأن قريشا في بنائها تركت من أساس إبراهيم- عليه السلام- وحجرت علي الموضع ليعلم أنه من الكعبة.
بئر زمزم
ولأنه لا يصح أن تدخل البيت الحرام إلا معتمرا أولا فقد انتهيت لتوي من الطواف سبعة أشواط وتوجهت علي الفور إلي زمزم وهي بئر تقع في الحرم المكي علي بعد20 مترا عن الكعبة وهو من الأماكن المقدسة وأفادت الدراسات أن العيون المغذية للبئر تضخ ما بين11 و18.5 لترا من الماء في الثانية. ويبلغ عمق البئر30 مترا. وكانت زمزم سقيا لإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام, فجرها له روح القدس بعقبه, وفي ذلك إشارة إلي أنها لعقب إسماعيل وراءه وهو محمد صلي الله عليه وسلم وأمته, وقد وفرت حكومة المملكة العربية السعودية ماء زمزم في كل شبر بالمسجد الحرام تيسيرا لزوار بيت الله الحرام.
الصفا والمروة
بعد شربة هنية من ماء زمزم تكسب الجسد حيوية وتشفي الروح من عنائها الدنيوي أتوجه إلي الصفا والمروة وأردد( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم). وهما جبلان صغيران لنسعي بينهما سبعة أشواط, وهذان الجبلان كانت السيدة هاجر أم إسماعيل قد ترددت بينهما لتطلب الماء لولدها بعد أن تركهما إبراهيم عليه السلام عند بيت الله الحرام, هنا قالت هاجر قولتها الشهيرة: إلي من تكلنا؟ آلله أمرك بذلك؟ فقال سيدنا إبراهيم: نعم فقالت:إذن لن يضيعنا,لقد استغنت بالخالق عن المخلوق.
ساعة مكة
أخرج الآن من باب الملك عبد العزيز بعد الانتهاء من العمرة وزيارة المسجد الحرام يستقبلنا هديل حمام الحمي وأشاهد أمامي مجموعة من الأبراج تنتمي للطرز المعمارية الحديثة لكنها تزداد بهاء بفضل لمسات زخرفية إسلامية غاية في الإتقان وهي عبارة عن ستة أبراج سكنية هي: برج المروة وبرج الصفا وبرج زمزم وبرج المقام, وبرج هاجر, أما برج الفندق وهو أعلاها ارتفاعا فتعلوه في شموخ ساعة مكة التي أعلنت عن عهد جديد في التاريخ المكي الزمني, بعد أن احتلت المركز الأول علي الساعات العالمية بمجرد انطلاقها لتعكس الجوانب الحضارية والتقنية في الأساليب العصرية التي وصلت إليها السعودية تزامنا مع أكبر توسعتين عملاقتين
شهدهما الحرمان الشريفان والساعة يبلغ حجمها ستة أضعاف حجم ساعة بيج بن الشهيرة وإلي جانب تحديدها للوقت, تقوم أيضا بتحديد قبلة المساجد في مكة. ومما يزيد هذا المكان جمالا وروعة هو إمكانية رؤية لفظ التكبير الله أكبر فوق الساعة, خصوصا أن طول حرف الألف في كلمة لفظ الجلالة( الله) يمتد إلي أكثر من23 مترا, ويبلغ قطر الهلال23 مترا, وهو بذلك أكبر هلال تم صنعه حتي الآن, إضافة إلي اعتلاء لفظ الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله للواجهتين الجانبيتين للساعة و يبث منها أذان المسجد الحرام مباشرة عبر مكبرات صوت خاصة من الممكن سماعه في محيط المسجد الحرام من مسافة7 كيلومترات. وبواسطة21 ألف مصباح ضوئي, تضاء أعلي قمة في ساعة مكة أثناء الأذان,وتلك الأضواء اللامعة باللونين الأبيض والأخضر يمكن رؤيتها من مسافة تصل إلي30 كيلومترا من البرج, مما يجعلها تشير إلي دخول وقت الصلاة بطريقة تمكن ذوي الاحتياجات الخاصة من ضعاف السمع أو حتي البعيدين عن الحرم المكي من معرفة وقت الصلاة.
غار حراء
ولابد لزائر مكة أن يعرج علي غار حراء وهو الغار الذي كان يتعبد فيه النبي قبل أن يوحي إليه وهو المكان الذي نزل الوحي فيه لأول مرة, ويقع غار حراء في أعلي جبل النور الواقع شرق مكة وهو عبارة عن فجوة في الجبل, بابها نحو الشمال, ويمكن لخمسة أشخاص فقط الجلوس فيها في آن واحد, والداخل لغار حراء يكون متجها نحو الكعبة المشرفة كما يمكن للواقف علي الجبل أن يري مكة وأبنيتها.
غار ثور
أيضا لايصح أن تذهب من هنا دون المرور بغار ثور الذي يقع أعلي جبل ثور بجنوب مكة والذي ارتبط اسمه بهجرة النبي صلي الله عليه وسلم إلي المدينة المنورة, فهو الغار الذي دخله النبي أثناء الهجرة ومعه صاحبه أبو بكر الصديق, وعندما جاء كفار مكة يبحثون عنهما, أوحي الله إلي العنكبوت بأن تنسج خيوطها علي باب الغار, وأوحي إلي حمامة بأن تصنع عشا وتبيض فيه دليلا علي عدم وجود أي شخص في هذا الغار منذ وقت طويل, وبهذا لم تكتشف قريش وجود النبي وصاحبه داخل الغار.
شاءت الأقدار أن تنتهي رحلتي إلي مكة هنا في هذا المكان الذي انطلق منه الرسول عليه الصلاة والسلام في طريق هجرته للمدينة لكن يبقي القلب يهفو لتلك الأجواء الروحانية في كل بقعة من أطراف أقدس مكان علي وجه الكرة الأرضية, وتبقي مكة في النهاية موطن راحة النفس والروح والجسد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.