رئيس جامعة العريش يناقش خطة الأنشطة الطلابية الصيفية ويكرم المتميزين    تعرف علي أهم 3 سلع تستوردها مصر من الأردن .. تفاصيل    مساعد وزير السياحة يكشف عن موعد افتتاح المتحف المصري الكبير    عودة للانخفاض.. سعر الدولار اليوم الثلاثاء 11 يونيو 2024 (آخر تحديث)    الهلال الأحمر: استشهاد 6 فلسطينيين على الأقل برصاص القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة    تصفيات كأس العالم - غياب تاو.. جنوب إفريقيا تهزم زيمبابوي واشتعال القمة    رونالدو يقود تشكيل منتخب البرتغال أمام أيرلندا استعدادًا ل«يورو 2024»    ميندي يترقب مصيره مع ريال مدريد    قبل أن تضرب الموسم السياحي.. تحرك برلماني بخصوص أسماك القرش فى الغردقة    خراف نافقة في البحر الأحمر.. رئيس جهاز شئون البيئة يكشف تفاصيل الواقعة المثيرة    «لو مبقاش أحسن مني أزعل».. خالد النبوي يوجه رسالة لابنه نور.. ماذا قال؟    "المطيلي": الدورة الحالية من المعرض العام تحتفي بتجارب التشكيليين وعطائهم    بعد سحل عروسه في قاعة الفرح.. عريس كفر صقر: «معمولى سحر أسود» (فيديو)    كاتبة أردنية: كلمة الرئيس السيسي في قمة اليوم مكاشفة وكلها مدعومة بالحقائق والوثائق    أمين الفتوى لقناة الناس: هذا هو السبيل لتحقيق السعادة فى الدنيا.. فيديو    أمين الفتوى: ليس من حق الوالدين إجبار الأبناء على التنازل عن حقوقهم    مسئول بنقابة الصيادلة: الدواء المصري الأرخص في العالم.. وهذا واقع مرير    خالد الجندي يعدد 4 مغانم في يوم عرفة: مغفرة ذنوب عامين كاملين    يوافق أول أيام عيد الأضحى.. ما حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة؟    «الأعلى للإعلام»: حجب المنصات غير المرخصة    وكيل «صحة الشرقية» يناقش خطة اعتماد مستشفى الصدر ضمن التأمين الصحي الشامل    «طه»: الاستثمار في العنصر البشري والتعاون الدولي ركيزتان لمواجهة الأزمات الصحية بفعالية    لطلاب الثانوية العامة.. أكلات تحتوي على الأوميجا 3 وتساعد على التركيز    مباشر الآن تويتر HD.. مشاهدة الشوط الأول مباراة السعودية والأردن في تصفيات كأس العالم    محافظ كفرالشيخ يتابع أعمال رصف طريق الحصفة بالرياض    ندوة تثقيفية لمنتخب مصر للكرة الطائرة حول مخاطر المنشطات    الداخلية تواصل مبادرة "مأموري أقسام ومراكز الشرطة" لتوزيع عبوات غذائية على محدودي الدخل    «ناسا» تكشف عن المكان الأكثر حرارة على الأرض.. لن تصدق كم بلغت؟    5 أعمال ثوابها يعادل أجر الحج والعمرة.. تعرف عليها    بريطانيا: ارتفاع مفاجئ في معدل البطالة يصيب سوق الوظائف بالوهن مجددا    يورو 2024 - الإصابة تحرم ليفاندوفسكي من مواجهة هولندا    «بابا قالي رحمة اتجننت».. ابن سفاح التجمع يكشف تفاصيل خطيرة أمام جهات التحقيق    عيد الأضحى في المغرب.. عادات وتقاليد    حقوق إنسان الشيوخ تتفقد مركز الإدمان والتعاطى بإمبابة    بدائل الثانوية العامة.. شروط الالتحاق بمدرسة الضبعة النووية بعد الإعدادية (رابط مباشر للتقديم)    رئيس الضرائب: المصلحة تذلل العقبات أمام المستثمرين السنغافوريين    مصرع 39 شخصا في غرق مركب تقل مهاجرين قبالة سواحل اليمن    حكومة جديدة..بخريطة طريق رئاسية    تطوير وصيانة وإنتاج خرائط.. وزير الري يكشف عن مجهودات توزيع المياه في مصر    بالصور- محافظ القليوبية يستقبل وفدا كنسيا لتقديم التهنئة بعيد الأضحى    تطوير مستشفى مطروح العام بتكلفة مليار جنيه وإنشاء أخرى للصحة النفسية    الأمين العام للناتو: لاتفيا تمثل قدوة لدول الحلفاء    المجلس الوطني الفلسطيني: عمليات القتل والإعدامات بالضفة الغربية امتداد للإبادة الجماعية بغزة    مجد القاسم يطرح ألبوم "بشواتي" في عيد الأضحى    تأجيل محاكمة المتهم بإصابة شاب بشلل نصفى لتجاوزه السرعة ل30 يوليو المقبل    إيلون ماسك: سأحظر أجهزة آيفون في شركاتي    الأزهر الشريف يهدي 114 مجلدا لمكتبة مصر العامة بدمنهور    سحب عينات من القمح والدقيق بمطاحن الوادي الجديد للتأكد من صلاحيتها ومطابقة المواصفات    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    الدولار يقترب من أعلى مستوياته في شهر أمام اليورو    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    طائرته اختفت كأنها سراب.. من هو نائب رئيس مالاوي؟    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    بعد تصريحاته المثيرة للجدل.. إبراهيم فايق يوجه رسالة ل حسام حسن    سيد معوض يتساءل: ماذا سيفعل حسام حسن ومنتخب مصر في كأس العالم؟    فلسطين.. شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلة طلاق ست الحسن‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 02 - 2010

‏‏ انتابتني حالة من الفزع الممزوج بالاكتئاب المغلف بوشاح من الحزن‏..‏ عندما قدموها إلي في جلسة عائلية افتقدناها منذ زمن بعيد قائلين‏:‏ فاطمة جارتنا‏!‏. تأملتها بعيني لأجد أمامي شابة مليحة من ذلك النوع من الفتيات اللاتي تقول الواحدة منهن للقمر قوم وأنا أقعد مطرحك‏!‏ قلت لها‏:‏ ازيك يا عروسة‏..‏ لقد تأخرت أكثر من ربع قرن‏..‏ وإلا كان لنا معك نسب وعشرة وزواج وأولاد‏!‏
طأطأت رأسها في غلالة من الخجل والحياء الذي لا تعرفه بنات هذه الأيام‏..‏ وانسابت في الحال علي خديها الموردتين دمعتان ساخنتان‏..‏ مسحتهما بكف يدها وهي تقول في أدب‏:‏ وهو احنا نطول يا سعادة البيه‏!‏
ردت إمرأة صبوحة الوجه‏:‏ دي مسكينة حالها يقطع القلب‏!‏
أسألها‏:‏ ليه؟ قالت‏:‏ دي لسه بنت تمنتاشر سنة‏..‏ وجوزها الله يجحمه مطرح ما راح‏..‏ طلقها‏!‏
قلت فزعا‏:‏ ياه بنت تمنتاشر سنة ومطلقة‏!‏
قلن لأن من حولي كلهن يحملن نون النسوة‏:‏ أيوه‏..‏ هما الرجالة وراهم إيه إلا خراب البيوت‏!‏
أسألهن‏:‏ وليه طلقها؟
قلن‏:‏ وهي دي برضه‏..‏ واحدة يطلقها جوزها بعد ستة أشهر جواز بس‏!‏
أتأملها مرة أخري وأنا أشاهد قمرا قد حجبه الضباب والسحاب الأسود في غلالة من الكيد والانتقام بدون مبرر وبدون سبب مقنع‏!‏
أسألهن في حضورها‏:‏ يمكن لسانها طويل وقليلة الأدب وجايز ما بتعرفش تطبخ وقاعدة في البيت زي الكبة كده‏..‏ لوحة جميلة من غير لحن جميل ومن غير شدو ولا غناء‏!‏
قلن‏:‏ والنبي دي بنت تتحط علي الجرح يطيب‏..‏ دي شاطرة وست بيت من الدرجة الأولي‏..‏ ومعاها كمان دبلوم‏..‏ عاوز إيه النبي حارسه أكثر من كده‏..‏ والنبي حارسه هذا للعلم تعود إلي زوجها الملعون الذي طلقها بعد ستة أشهر زواج فقط‏!‏
‏...............‏
‏..............‏
قلت اسألها هي بعيدا عن رغي الستات‏..‏ وكيد الحريمات ومكر الهوانم‏..‏
قلت لها بعد أن جلسنا في ركن مشمس من الترسينة الخشبية‏:‏ إيه حكايتك بالضبط يا ست فاطمة؟
قالت وعيونها منكسرة ورأسها مطأطئ ونظراتنا لا تلتقي أبدا‏:‏ أصل الحكاية صعبة شويه‏!‏
أسألها‏:‏ إزاي كده؟
قالت‏:‏ حأقولك إيه بس‏..‏ أصلها حاجة تكسف‏!‏
قلت لها‏:‏ في الجواز ما فيش حاجة تكسف أبدا‏!‏
قالت‏:‏ أصله لا مؤخذاه‏..‏ كان عاوزني أعمل حاجات كده زي بتاعة الرقاصات وبنات الليل واحنا في السرير‏!‏
أسألها‏:‏ إزاي؟
قالت‏:‏ كان بيجيب أفلام سكس مقرفة وكان بيفرجني عليها وبيطلب مني أعمل زي البنات اللي في الأفلام‏..‏ واحنا ولاد ناس عمرنا ما عرفنا الفجر ده وقلة الحيا والمسخرة دي‏!‏
قلت‏:‏ ده حقك يا ست الستات‏!‏
قالت‏:‏ مرة بعد مرة ضربني وأهانني‏..‏ وكرشني برة البيت في انصاص الليالي‏..‏ رحت علي بيت العيلة أبكي‏..‏ وحكيت لهم الحكاية‏..‏ طلبوا منه أنه يبطل البدع الأمريكاني دي‏..‏ رفض‏..‏ فاتطلقنا‏!‏
قلت‏:‏ واتطلقتي وعندك تمنتاشر سنة بس‏!‏
قالت‏:‏ أيوه‏..‏
أسألها‏:‏ وناوية تعملي إيه؟
قالت‏:‏ حأكمل تعليمي‏..‏ بعد ما قعدت في البيت بعد الجواز‏!‏
أسألها‏:‏ وأهلك عاملين معاكي إيه؟
قالت‏:‏ دول مجننني‏..‏ مافيش خروج إلا بإذن‏..‏ ورايحة فين وجاية منين‏..‏ رقابة أكثر ما كنت بنت‏..‏
قلت‏:‏ أصل الناس مابترحمش‏!‏
تسألني‏:‏ ليه الناس بتبص للست المطلقة علي أنها مباحة وسهلة‏..‏ والكل طمعان فيها‏..‏ هي أجرمت واللا ارتكبت جريمة لما أصبحت مطلقة‏..‏
تصور ياسيدي أمي وأبويا قالولي ما تقوليش لحد انك مطلقة‏..‏ انت لسه بنت بنوت‏!‏
هي كلمة المطلقة عيب ياسعادة البيه؟
‏..................‏
‏..................‏
فجأة تنطلق الضحكات والغمزات واللمزات والآهات بين المجموعة النسائية التي شاء قدري أن أجلس إليها وأنا في زيارة خاطفة لأسرتي وما بقي من عائلتي الكريمة في مسقط رأسي عائلة السعدني في القناطر الخيرية التي كان اسمها فم البحر عندما سكنها جدي الأكبر علي سالم السعدني شيخ قبيلة السعدني القادمة من المغرب مع الفتح الفاطمي لمصر قبل أكثر من ألف عام‏..‏
أسألهن‏:‏ بتضحكوا علي إيه بقي‏..‏ دي حكايتها تحزن وتبكي موش تضحك وتكركر؟
قلن‏:‏ أصل خالة البنت فاطمة اللي طلقها جوزها عندها عشرين سنة‏..‏ هي رخرة اطلقت‏..‏ ومعاها كمان عمتها أخت أبوها‏..‏ هي رخرة طلقها الملعون جوزها‏!‏
قلت‏:‏ يعني البنت وخالتها وعمتها دخلن في نفق المطلقات‏!‏
قلن‏:‏ أيوه‏..‏ ولسه؟
أسألهن‏:‏ لسه‏!‏ يعني إيه؟
قلن‏:‏ عارف حضرتك إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير‏..‏ دلوقتي عندنا حاجة جديدة اسمها إنفلونزا المطلقات‏!‏
أسألهن‏:‏ إزاي؟
قلن‏:‏ هوجة واللا موجة جديدة اسمها الطلاق‏..‏ في كل بيت وفي كل شارع وفي كل حارة‏..‏ لازم تلاقي واحدة ست واللا بنت صغيرة‏..‏ اتطلقت ودخلت في سلك المطلقات‏!‏
‏..............‏
‏.............‏
تقمصت شخصية الحاكم بأمر الله الذي حارت فيه البرية هل هو فيلسوف أم مجنون؟‏..‏ الذي عبده أتباعه ومازالوا يعتبرونه نبيهم الأوحد‏,‏ والذين يسكنون حتي الآن أحد الأقاليم فيما بين العراق وإيران‏..‏ وصحت فيمن حولي من بنات وسيدات فضليات‏:‏
ائتوني بهن في الحال؟
سألن‏:‏ من تعني؟
قلت‏:‏ عمة فاطمة وخالتها المطلقتين‏!‏
قلن‏:‏ إنهما يقطنان البيت المقابل لنا‏..‏ في طابقين مختلفين‏..‏
قلت‏:‏ لنشد الرحال إليهما‏..‏
بينما نحن نشد الرحال إلي آخر نسخة من المطلقات‏..‏ أخرجت من حقيبتي السوداء آخر تقرير من مركز البحوث والإحصاء يتحدث عن دفتر المطلقات في بلدنا‏..‏
أقرأ في الدفتر الأزرق‏:‏
وضع خبراء الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء جدولا لهؤلاء المطلقين والمطلقات‏..‏ قالوا‏:‏
‏*62%‏ من حالات الطلاق تحدث في السنة الأولي من الزواج‏..‏ تصوروا‏!‏
‏*‏ وإن‏38%‏ تحدث في السنوات التالية‏..‏
‏*‏ إن هناك‏5800‏ حالة طلاق لأصحاب الشهادات العليا والمثقفين والفنانين والكتاب والصحفيين
‏*‏ وقد جاء المدرسون في المرتبة الأولي ب‏2000‏ حالة طلاق ربما لانشغالهم بالدروس الخصوصية والإعارات والسفر إلي الدول العربية والغياب عن بيوتهم ثلاثة أرباع السنة‏!‏
‏*‏ ومن بعدهم المهندسون ب‏1400‏ حالة طلاق‏.‏
‏*‏ ثم المحاسبون ب‏800‏ حالة‏.‏
‏*‏ فالأطباء البشريون وأطباء الأسنان ب‏600‏ حالة‏.‏
‏*‏ العلوميون من خريجي كليات العلوم‏200‏ حالة‏.‏
‏*‏ ثم أصحاب المهن الفنية‏190‏ حالة‏.‏
‏*‏ ثم علماء الدين ورجاله‏182‏ حالة‏.‏
‏*‏ ثم الرسامون والمصورون والفنانون التشكيليون‏180‏ حالة‏.‏
‏*‏ ثم الطيارون‏164‏ حالة‏.‏
‏*‏ الصحفيون‏54‏ حالة‏.‏
‏*‏ وأخيرا الرياضيون‏15‏ حالة فقط‏.‏
‏*‏ أي أن الرقم الكبير موزع بين أصحاب الشهادات المتوسطة والحرفيين والأميين‏.‏
‏*‏ ولو نظرنا إلي هذا الجدول نظرة متأملة لاكتشفنا أن المدرسين والمدرسات من أكثر الفئات طلاقا للسفر والبعاد والانشغال بجمع الأموال لمواجهة أعباء الحياة وتفكك الأسرة في غياب الزوج أو الزوجة في بلاد النفط‏.‏
‏*‏ بينما جاء المهندسون في المرتبة الثانية ربما لانشغالهم هم أيضا في أعمال البناء والسهر والسفر‏,‏ يليهم المحاسبون‏,‏ ربما لأنهم يحسبونها بالتعريفة‏!‏
‏*‏ والغريب أن يتساوي تقريبا الرسامون والمصورون والفنانون وعلماء الدين في عدد حالات الطلاق ربما كانت مجرد مصادفة وإن كانت أرقامهم متواضعة لا تتجاوز ال‏190‏ حالة في السنة‏!‏
‏*‏ والحمد لله أن أسر الكتاب والصحفيين بخير وفي حالة استقرار ب‏54‏ حالة‏,‏ ومعهم الرياضيون الأكثر استقرارا وهدوءا ب‏15‏ حالة فقط‏!‏
‏...................‏
‏..................‏
صعدنا درجات سلم قديم إلي دار العمة فواكه وهذا هو اسمها‏..‏ وهي بالفعل فواكه طلب الأكال كما يقول الباعة‏..‏ أقصد كانت فواكه طازجة غضة ندية‏..‏ ولكنها الآن وورقة الطلاق في دولاب غرفة نومها‏..‏ مجرد فاكهة جف منها الرحيق والبريق‏..‏ وليست من وش القفص‏..‏ كما يقول العامة‏..‏
أول كلمة استقبلتنا بها‏:‏ القسمة كده‏..‏ ربنا عايز كده‏.‏
قلت لها وهي تحكم ربطة غطاء الرأس الأخضر فوق شعرها المنكوش‏..‏ كل شعرة في ناحية‏,‏ وكل خصلة متقوقعة في حالها‏:‏ يعني إيه يا ست فواكه القسمة كده؟
قالت وهي تمصمص بشفتيها وتعدل وضع رأس العيل الصغير الذي في حجرها وهو نائم في سابع نومة‏:‏ يعني ربنا عاوزنا نتلطم في دنيانا وما نشوفشي أبدا يوم حلو‏!‏
أطوف بناظري في الحجرة السبع تشبار التي تسكنها مع ولديها محروس وعبدالنبي بعد أن استولي زوجها علي كل شيء كما قالوا لي وطردها من بيتها شر طردة ولم تجد مأوي لها إلا حجرة شبر في شبرين في شقة أخيها‏!‏
أتأملها للحظات‏..‏ هي مازالت امرأة تملأ العين طرية البدن‏,‏ سمحة الوجه‏,‏ شديدة سواد العينين والشعر المهدل علي كتفيها برغم الإيشارب الأخضر الذي تحاول أن تخفيه داخله دون جدوي‏.‏
قالت الست فواكه وهي تعدل وضع كنكة القهوة فوق السبرتاية علي المنضدة الصغيرة المكسورة الزجاج‏:‏ أصلك ياسعادة البيه ما تعرفشي محروس‏!‏
قلت‏:‏ ومين بالصلاة علي النبي محروس ده؟
قالت‏:‏ محروس ده جوزي اللي وراني النجوم في عز الضهر‏!‏
خليني أصب القهوة بتاعتك قالولي انك بتشربها مظبوط‏..‏ وبعدين أحكيلك علي اللي عمله معايا المحروس جوزي‏..‏
تقدم لي علي صينية تلمع نظافة وتألقا فنجانا من القهوة المحوجة قالت إنها طحنتها هنا بمطحنة البن التي ورثتها عن أمها التركية الموطن‏.‏
مذاق فنجان قهوة الست فواكه يذكرني بقهوة عم عبدالصمد أسطي بوفيه مجلة علاء الدين صاحب أجمل فنجان قهوة تذوقته في حياتي‏..‏
قالت الست فواكه وهي تجلس قبالي‏..‏ ولكن علي الأرض مربعة فوق السجادة التي ضاع لونها‏:‏ أصلك ما تعرفشي محروس جوزي‏!‏
قلت‏:‏ تاني‏..‏ طيب نتعرف عليه‏..‏
قالت‏:‏ كان صاحب محل موبيليا كبير وربنا فتح عليه علي وشنا أنا والعيلين‏..‏ وبدل ما يشكر ربنا علي نعمته‏..‏ داس النعمة برجليه وعرف سكة الحريم‏..‏
أسألها‏:‏ وهي الحريم لها سكة؟
قالت‏:‏ انت ما سمعتش عن الموال ده‏..‏
تضع يدها علي خدها وراحت تضرب بالموال كما يقولون‏:‏
يا ماشي مشي الحريم‏..‏ مشي الحريم بطال‏..‏
يفتكروك في يوم الرضا وينسوك في يوم بطال‏..‏
أمانة ياجدع ما تاخد المرتجع ولا السككية‏..‏
ولا اللي تضرب في السوق بالرأسمال‏..‏
تخش بيت الأمارة‏..‏ تاخد بمالك أدب وجمال‏..‏
وتعيش مستور ياجدع‏!‏
أصفق بيدي جذلا للموال الجميل وللشدو الجميل من فم الست فواكه‏..‏
قلت لها‏:‏ انتي بتعرفي تضحكي وتعرفي تغني أهوه؟
قالت‏:‏ بس من غلبي‏!‏
قلت‏:‏ عمل معاكي إيه المحروس جوزك؟
قالت‏:‏ عمله أسود بعيد عنك‏..‏ لاف علي كام واحدة من إياهم خربوا بيته وضيعو اللي وراه واللي قدامه‏..‏ استلف من البنوك وفي الآخر‏..‏ حجز عليه البنك وضاع محل الموبيليا مصدر رزقنا في لعبة حريم‏!‏
وفي الآخر رقد في البيت زي البنت اللي طفشوا خطابها‏..‏ وغرق في المخدرات‏..‏ وفي الآخر ضربني وطردني وبعتلي ورقة طلاقي مع صبي من صبيانه‏..‏ وآدي احنا علي فيض الكريم ولولا أخويا الله يستره‏..‏ كنا دلوقتي علي باب الله‏..‏ وكفاية عليه هم بنته اللي اتطلقت بدري بدري‏..‏
‏...............‏
‏...............‏
طرقات علي باب الست فواكه‏..‏ وصوت ترحيب علي الباب‏:‏ أهلا ياحبيبتي‏..‏ اتفضلي بيتك ومطرحك‏..‏
تدخل الست شفاعات وهذا هو اسمها خالة فاطمة‏..‏ شابة موردة في عنفوان شبابها لم تكن تلبس الحجاب كباقي المجتمع الحريمي هنا‏..‏ ولكنها كانت ترفع شعرها كله في شبكة واحدة‏..‏ وعلي عينيها نظارة شمس تزيدها أنوثة وسحرا‏..‏
قمت من مكاني لأسلم علي شفاعات‏..‏ قدمنها لي بقولهن‏:‏ شفاعات مدرسة إعدادي في مدرسة البنات اللي جنبنا واخدة شهادة من الجامعة‏.‏
بدت أمامي في جلستها كأنها فرع ندي من كرمة عنب محروم من السقيا‏..‏
انفض السامر الحريمي من حولنا‏..‏ ليتركوا لشفاعات المسرح الصغير لكي تحكي وتتكلم‏..‏ قالت‏:‏
أنا جوزي مدرس زيي‏..‏ في المدرسة نفسها ولكن مدرس ألعاب رياضية‏..‏ أحببنا بعضنا ولم نجد أمامنا إلا أن نكمل قصة الحب بفصل الزواج‏..‏ وكان فصلا باردا وثقيل الظل بكل أسف‏..‏
لم أعلق‏..‏ تركتها تواصل حكايتها‏..‏
قالت‏:‏ بعد الزواج والذي منه‏..‏ الكل بيسألني عاوزين نفرح بالعيال والخلف الصالح وده كلام أمي‏..‏ مافيش‏..‏ فات سنة وسنتين ومافيش حتي بوادر حمل‏..‏ رحت للدكاترة حللت‏..‏ طلع إني سليمة مية في المية‏..‏ طلبت منه أن يكشف هو الآخر‏..‏ رفض‏..‏ وفي الآخر عرفنا أن عنده مرض مزمن خباه عننا يمنعه من الإنجاب‏..‏ ولازم عملية كبيرة في بلاد بره‏!‏
كلام وخناقات‏..‏ انتهت بورقة طلاق بعد علقة ساخنة ليا طبعا قدام كل المدرسين والمدرسات وفي حوش المدرسة‏!‏
أسألها‏:‏ عندك كام سنة؟
قالت‏:‏ تسعة وعشرون سنة‏..‏ وأصبحت أحمل والحمد لله لقب مطلقة‏..‏ وعاديك من اللي بشوفه في المدرسة ومن الرجالة ومن الستات كمان‏!‏
ياريت والنبي يشيلوا كلمة مطلقة من قاموس الكلام‏!‏
قلت‏:‏ دول ناقص كمان يحطوها في بطاقة الرقم القومي‏!‏
‏............‏
‏............‏
صدقت شفاعات‏..‏
حقا لماذا لا نرفع كلمة مطلقة من قاموس حياتنا ومن حوارنا اليومي؟
لماذا لا نتخلص من هذه النظرة السوقية النهمة لكل مطلقة‏..‏ وكأنها بورقة طلاقها قد حصلت علي رخصة معتمدة للفرجة والفحص والمعاينة بوصفها متاعا رخيصا لكل نطع وكل بصاص؟
أنقذوا البيت المصري‏..‏ قبل أن ينهار انفصالا وطلاقا وتشتتا‏!‏
ابحثوا أسباب الطلاق الذي أصبح الخبر اليومي في كل بيت‏:‏ موش فلانة اتطلقت امبارح‏..‏ ياه دي لسه متجوزة أول امبارح‏..‏ ياخبر‏!‏
‏.......................‏
‏......................‏
علي اية حال‏..‏ فالطلاق في مصر عمره من عمر الزمن‏..‏ وهو آفة مصرية لون غراب البين الذي ينعق علي آي شجرة صبحا وعشية‏..‏ واذا لم تصدقوني فأمامي الآن‏..‏ اقدم وثيقة طلاق في الدنيا كلها عمرها الآن نحو‏4700‏ سنة‏..‏ من عهد الاسرة الرابعة‏..‏ اسرة بناة الاهرامات‏..‏
قدمها لي رفيق الطريق‏..‏ د‏.‏ زاهي حواس‏.‏
تقول الوثيقة وهي علي ورق بردي من لفائف برديات طيبة‏:‏
لقد هجرتك ولم تعد لي حقوق عليك كزوج‏..‏ ابحثي عن زوج غيري لانني لا استطيع الوقوف الي جانبك في أي منزل تذهبين اليه‏..‏ ولا حق لي عليك من اليوم فصاعدا باعتبارك زوجة لي تنسب الي او شريكة لحياتي اذهبي في الحال بلا ابطاد او تراخ‏.‏
إمضاء‏:‏ زوجك المطلق آمون حوتر‏.‏
وكتب تحتها‏:‏ كتبت بمعرفة توت حوتر اسمن كاتب السجلات وعلي ظهرها توقيع اربعة شهود وختم التسجيل‏.‏
ولقد اعطي المشرع المصري القديم لكل من الزوجين الحق في طلب الطلاق اذا اخل الطرف الآخر بالشروط والتعليمات الواردة بوثيقة الزواج‏.‏
‏**‏ ملحوظة من عندي‏:‏ عندما سألوا آمون تحوتر الزوج الذي طلق زوجته‏..‏ لماذا طلقتها ياتحوتر؟
قال‏:‏ اصلها طقهتني في عشتي‏..‏ تغور وتغور ايامها‏!‏
طبعا هذا الحوار لم يسجل في وثيقة الطلاق التي عثر عليها البردنسور فيشر في لفائف برديات طيبة‏..‏ وهذا للعلم حتي لاتزعل مني الزوجات‏!{‏
النيل والهرم‏..‏ عبدالوهاب وأم كلثوم
‏H‏مازلت أذكر وأنا في ثانية ابتدائي في المدرسة الأميرية في شبين الكوم‏..‏ كان المذياع القديم الخشبي الذي يشبه نافذة الجوامع والمعلق فوق رف عال في غرفة الجلوس‏..‏ سمعت لأول مرة محمد عبدالوهاب وهو يغني‏:‏
حب الوطن فرض عليا‏..‏ أفديه بروحي وعينيا‏..‏
وأيامها سمعت أم كلثوم تغني لشباب الجامعة من شعر أحمد رامي وألحان رياض السنباطي‏:‏
يا شباب النيل‏..‏ يا عماد الجيل‏..‏
هذه مصر تناديكم فلبوا
دعوة الداعي إلي القصد النبيل‏.‏
وأيامها غني عبدالوهاب كلمات الشاعر محمود حسن إسماعيل‏:‏
نحن جند النصر أبطال الدفاع‏..‏ يوم يدعونا لنار الهول داع‏..‏
ومازلت أذكر النشيد القومي المصري الذي كتبه الشاعر محمود صادق ووضع موسيقاه عبدالحميد عبدالرحمن الذي تقول كلماته‏:‏
بلادي بلادي فداك دمي‏..‏ وهبت حياتي فدا فإسلمي‏..‏
سأهتف باسمك ما قد حييت‏..‏ تعيش بلادي ويحيا الملك
وكنا نردده صغارا مع سلام للعلم المصري الأخضر الجميل بهلاله ونجومه الثلاث في طابور الصباح في المدرسة الأميرية بشبين الكوم‏..‏
ويصحح لي مصطفي عبدالرحمن مؤلف كتاب أغنية الكفاح‏..‏ البيت الثاني من النشيد بقوله‏:‏ لقد كان النشيد ينتهي بعبارة يحيا الوطن‏..‏ ولكن السراي الملكية عدلته إلي يحيا الملك‏!‏
وأقول‏:‏ عادي‏..‏ وبيحصل‏!‏
وهاهو عبدالوهاب ينادي بكلمات أحمد شوقي‏:‏
إلام الخلف بينكمو إلاما‏..‏ وهذه الضجة الكبري علاما؟
وكأنه يغنيها للعرب اليوم وهم يواجهون عدوا شرسا لا يعرف إلا لغة الدم والقتل وذبح الأطفال‏!‏
وهاهي أم كلثوم تنادي بكلمات حافظ إبراهيم‏:‏
إنني حرة كسرت قيودي‏..‏ برغم أنف العدا وقطعت قدي
أتراني وقد طويت حياتي‏..‏ في صراع لم أبلغ اليوم رشدي‏!‏
وهاهو فريد الأطرش يهز كل المشاعر بكلمات يوسف بدروس‏:‏
يامصر كنت في غربة وحيد‏..‏ ويوم ما جيتلك كان يوم عيد
ثم تهب مصر كلها حربا ونارا وكفاحا ضد قوات المحتل الانجليزي فيما عرف في التاريخ المصري بمعارك القناة‏..‏ ويسقط الشهيد تلو الشهيد‏..‏ وتنفجر معسكرات الانجليز بفعل غزوات الفدائيين من شباب الجامعات ومن عمال المصانع‏..‏ لتخرج إلي النور أنشودة صالح جودت‏:‏
وطني جار عليه الزمن‏..‏
فافتدته مهج لا تهن‏..,‏
أنا من مات ليحيا الوطن‏.{‏
Email:asaadany@‏‏ahram.org.eg‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.