"شم النسيم" أو "عيد الربيع" الذي يحتفل به العالم كله على اختلاف شعوبه ودياناته ، أطلقت له مسميات عدة منها " النيروز" في الشرق أو "الايستر" في الغرب، وهو عيد مصري صدرته لمختلف شعوب العالم القديم . حيث أطلق الفراعنة على ذلك العيد اسم "عيد شموش" أي بعث الحياة، وحُرِّف الاسم على مر الزمن، وخاصة في العصر القبطي إلى اسم "شم" وأضيفت إليه كلمة النسيم نسبة إلى نسمة الربيع التي تعلن وصوله. ويرجع بدء احتفال الفراعنة بذلك العيد رسمياً إلى عام 2700 ق.م أي في أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة، ولو أن بعض المؤرخين يؤكد أنه كان معروفاً ضمن أعياد هليوبولس ومدينة "أون" وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الأسرات. وتعود المصري القديم أن يبدأ صباح هذا اليوم - كما جاء فى البرديات القديمة - بإهداء زوجته زهرة من اللوتس، كانت مظاهر الاحتفال كما وردت فى اكثر من بردية من برديات العقيدة الفرعونية تبدأ بليلة الرؤية عند سفح الهرم الأكبر حيث يجتمع الناس في الساعة السادسة مساء فى احتفال رسمي أمام الواجهة الشمالية للهرم حيث يظهر قرص الشمس قبل الغروب خلال دقائق معدودة وكأنه يجلس فوق قمة الهرم . البيض وعلاقته بالحياة يرمز البيض إلى خلق الحياة من الجماد، وقد صوَّرت بعض برديات منف الإله "بتاح" – إله الخلق عند الفراعنة - وهو يجلس على الأرض على شكل البيضة التي شكلها من الجماد. وكانوا ينقشون عليه الدعوات والأمنيات بألوان مستخلصة من الطبيعة، ويجمعونه في سلال من سعف النخيل الأخضر ويتركونه فى شرفات المنازل. وقد أخذ العالم عن مصر القديمة عادة أكل البيض فى شم النسيم فصار البيض الملون هو رمز عيد الفصح الذي يتزامن مع شم النسيم، فقد اشتهر عن الملكة مارى ملكة اسكتلندا أنها كانت ترسل إلى أصدقائها فى عيد الفصح البيض المصنوع من الحلوى ، أما الملكة فكتوريا فكانت ترسل لأصدقائها بيضا حقيقيا مسلوقا وملونا ومنقوشا عليه بعض الأقوال المأثورة التي كانت تهواها. وقيل أن أشهر أنواع البيض كانت ل هنرى الثاني التي بعث بها إلى "ديانادى بمواتييه" وكانت علبة الصدف على شكل بيضة بها عقد من اللؤلؤ الثمين ،كما بعث لويس الرابع عشر ملك فرنسا للآنسة "دى لا فاليير" علبة بشكل بيضة ضمنها قطعة خشب محفور عليها المسيح ..ولويس الخامس عشر أهدى خطيبته "مدام دى بارى" بيضة حقيقية من بيض الدجاج مكسوة بطبقة رقيقة من الذهب. وكلف قيصر روسيا "الإسكندر الثالث" الصائغ "كارل فابرجيه" بصناعة بيضة لزوجته 1884م، استمر في صنعها ستة أشهر كانت محلاة بالعقيق والياقوت، وبياضها من الفضة وصفارها من الذهب، وفي كل عام يهديها مثلها حتى أبطلتها الثورة الشيوعية 1917م. وكان الفراعنة يعتقدون كذلك إن العالم في الأصل بيضة كبيرة الحجم ثم انقسمت جزءين..السماء في نصفها العلوي و"الأرض" في السفلي..لذا اعتبروها أصل الحياة ورمز استمراريتها. البصل قاهر الموت ظهر البصل ضمن أطعمة العيد التقليدية أيام الأسرة السادسة وارتبط ظهوره -كما ورد فى إحدى برديات أساطير منف القديمة - بأحد ملوك الفراعنة الذي كان له طفل وحيد أصيب بمرض غامض أقعده عن الحركة لعدة سنوات وعجز الأطباء والكهنة في معبد منف عن علاجه. ولجأ الفرعون إلى الكاهن الأكبر لمعبد "اون" اله الشمس ، وفق البردية الفرعونية، والذى أرجع سبب مرض الابن الى سيطرة الأرواح الشريرة عليه وأمر بوضع ثمرة ناضجة من البصل تحت رأس الأمير بعد ان قرأ عليها بعض التعاويذ ..كما علق على السرير وأبواب الغرف بالقصر أعواد البصل الاخضر لطرد الارواح الشريرة، وعند شروق الشمس قام بشق ثمرة البصل ووضع عصيرها فى أنف الأمير الذى شفى تدريجيا من مرضه ..ومنذ ذلك الوقت اعتبره الفراعنة من النباتات المقدسة، وقد ارتبط عندهم بإرادة الحياة وقهر الموت والتغلب على المرض، فكانوا يعلقون البصل في المنازل وعلى الشرفات، كما كانوا يعلقونه حول رقابهم، ويضعونه تحت الوسائد، وما زالت تلك العادة منتشرة بين كثير من المصريين حتى اليوم. الفسيخ للرزق والخير أما الفسيخ – أو "السمك المملح" – فقد ظهر بين الأطعمة التقليدية في الاحتفال بالعيد في عهد الأسرة الخامسة، مع بدء الاهتمام بتقديس النيل، وقد أظهر المصريون القدماء براعة شديدة في حفظ الأسماك وتجفيفها وصناعة الفسيخ، وكان ذلك يعني الخير والرزق والملح يقى من الميكروبات . وسبب اعتبار السمك المملح من الأكلات الفرعونية يرجع إلى أنهم كانوا يمتنعون عن أكله في الشتاء ويحفظونه بطريقة التمليح لقتل الميكروبات الموجودة فيه ثم يخزن داخل (أبراش) بين طبقات من الملح لا يفتحونها إلا في الصيف. الخس والخصوبة الخَسُّ كان من النباتات المفضلة في ذلك اليوم عند قدماء المصريين، وقد عُرِف منذ عصر الأسرة الرابعة، وكان يُسَمَّى بالهيروغليفية "عب"، واعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة، فنقشوا صورته تحت أقدام إله التناسل عندهم. وقد لفت ذلك أنظار بعض علماء السويد – في العصر الحديث- فقاموا بإجراء التجارب والدراسات على نبات الخس، وكشفت تلك البحوث والدراسات عن حقيقة عجيبة، فقد ثبت لهم أن ثمة علاقة وثيقة بين الخس والخصوبة، واكتشفوا أن زيت الخس يزيد من القوة الجنسية لاحتوائه على فيتامين (ه) بالإضافة إلى بعض هرمونات التناسل. ومن الأطعمة التي حرص قدماء المصريين على تناولها أيضًا في الاحتفال بعيد "شم النسيم" نبات الحمص الأخضر، وهو ما يعرف عند المصريين باسم "الملانة"، وقد جعلوا من نضوج ثمرة الحمص وامتلائها إشارة إلى مقدم الربيع. ومن بين تقاليد شم النسيم الفرعونية القديمة التزين بعقود من زهور الياسمين وهو محرف من الاسم الفرعوني القديم (ياسمون) وكانوا يصفون الياسمين بأنه عطر الطبيعة التي تستقبل به الربيع، وكانوا يستخرجون منه في موسم الربيع عطور الزينة وزيت البخور الذي يقدم ضمن قرابين المعابد عند الاحتفال بالعيد. وأخيرا فإن شم النسيم فرصة لتسوية الخلافات والتصالح بين الأفراد باستخدام لغة الزهور حيث أن إهدائها يعتبر تعبيرا عن المودة والألفة والمحبة واستمرار الوصل.