بمجرد خروجك من مطار شنغهاي الدولي سيلفت نظرك أن معظم السيارات التي تسير في الشوارع تحمل علامات ماركات عالمية, فحافلات النقل العام كلها ماركة فولفو. وسيارات الاجرة جميعها فولكس باسات, علاوة علي السيارات الخاصة والباصات التي تحمل علامات مرسيدس وبي أم دبليو. وغيرها, لكن العامل المشترك بين كل هؤلاء أنهم جميعا صناعة صينية, وكأنها رسالة بأن الصين أصبحت قادرة بقوة علي استيعاب العالم بأكمله داخلها, ولكن بآياد صينية. ولا يقتصر الأمر علي السيارات وإنما يتعداه إلي كل شئ, فمطاعم الوجبات السريعة الامريكية والأوروبية موجودة في كل مكان بالصين الشيوعية, رغم أن افتتاح فرع مطعم كنتاكي سنة1987 في بكين, أثار جدلا بين الصينيين بين مؤيد ومعارض, ولكن مشهد الصفوف الطويلة أمام المطعم كان أبلغ رد علي المعارضين, وفي عشرة أشهر فقط استعاد هذا المطعم كل ما استثمر فيه من مال. وصارت مطاعم كنتاكي في الصين هي الأعلي دخلا بين مطاعم كنتاكي في العالم كله, وتعدي عدد فروعها الألفي فرع, وفي سنة1991, افتتحت سلسلة مطاعم ماكدونالدز أول فرع لها في الصين بمدينة شنتشن, وتجاوز عدد فروعها الآن الألف, ووصلت فروع المطاعم الأجنبية إلي البلدات والمدن الصغيرة فصار الفلاح الصيني يتناول الوجبات الأجنبية السريعة, وانضمت إلي القائمة الأطعمة الروسية والأطباق الفرنسية والأطعمة اليابانية والكورية الجنوبية. والملاحظة الأخري التي تلفت انتباه أي زائر للصين هي الانتشار الكثيف للسلع المقلدة, وقد زرت في شنغهاي سوقا ضخمة للسلع المقلدة فقط, تضم نسخا طبق الأصل لكل الماركات العالمية لأي سلعة تخطر ببالك, من النظارات إلي السيارات, مرورا بأحدث أجهزة الهواتف المحمولة وخاصة الآي فون إلي الآي باد وكل مايتعلق بصناعة الكمبيوتر والبرمجيات والألكترونيات والساعات.. الخ. وتعد قضية القرصنة والاستنساخ والتزوير من أهم العقبات التي تواجه مستقبل أي صناعة, ولاسيما صناعة الكمبيوتر والمعلومات, حيث تتكبد الشركات العاملة في هذا المجال مليارات الدولارات سنويا وقد اشتدت وتيرة القرصنة في السنوات الأخيرة بفضل المارد الصيني الذي تفوق في هذا الأمر. ويبدي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قلقا كبيرا منذ فترة طويلة بشأن القرصنة التجارية في الصين, ولطالما طالبت الأوساط الغربية الصين بضرورة اتخاذ إجراءات أشد صرامة ضد عمليات القرصنة الفكرية وتقليد المنتجات الأوروبية والامريكية, ويقول بيل جيتس, مؤسس شركة مايكروسوفت, الذي يتم استنزاف مبيعاته في الصين بسبب القرصنة واسعة الانتشار إن نحو90 في المئة من البرمجيات المستعملة في الصين مزورة. وتنتشر في الشوارع ظاهرة الباعة الجائلين الذين يعرضون عليك الذهاب معهم إلي بعض الشقق والمنازل في الشوارع الجانبية لتشتري أحدث السلع المقلدة بأقل الأسعار, مع ملاحظة أن المساومة علي السعر في الأسواق الصينية من الأمور الأساسية وتبدأ من أرقام فلكية لتنتهي بأسعار متواضعة. وبين ماتراه في الشوارع الكبري والأزقة المتفرعة منها والبعيدة عنها تصدمك التناقضات الواضحة, فثمة فجوة هائلة بين النخبة وأغلبية من الفقراء بحيث إن الصين لديها العشرات من أصحاب المليارات, بينما متوسط الدخل لبقية الشعب هي من أدني المستويات في العالم, رغم أن الصينيين ودعوا الفقر في مجتمع لم يكن يستطيع توفير الطعام والدفء لغالبية أبنائه, وحققت الصين ذات المليار وثلاثمائة مليون نسمة نموا اقتصاديا متواصلا بمعدل10% تقريبا خلال ثلاثين سنة, وصارت ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم. لقد نجحت الحكومة الصينية في تنفيذ قرار انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح علي الخارج الذي أتخذته في نهاية عام1978, بهدف إصلاح النظام الاقتصادي والمشاركة في العولمة الاقتصادية, وأعلنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني انتهاء عصر الصراع الطبقي منهج كل الأعمال وبداية عهد جديد شعاره البناء الاقتصادي مركز ثقل كافة الأعمال. لكن بقيت أمام القيادة الصينية قضايا داخلية أخري بعيدا عن الوضع الاقتصادي مثل الإنفتاح السياسي, والحريات المدنية, والنمو المتوازن ما بين الحواضر والمناطق النائية, والحد من الفساد والتسيب.