قوافل دعوية بالوادي الجديد للتوعية بالقضايا المجتمعية والفكرية    قوات الدفاع الشعبى تنظم ندوات ولقاءات توعية وزيارات ميدانية للمشروعات لطلبة المدارس والجامعات    مساعد وزير الصحة: تسليم 20 مستشفى نهائيا خلال العام الحالي    ننشر الأسعار الجديدة لمنتجات الآيس كريم والمثلجات في الأسواق    قطاع الأعمال تدعو الشركات الصينية للتعاون لتعظيم العوائد من الفرص الاستثمارية المتاحة    محافظ الشرقية: الحرف اليدوية لها أهمية كبيرة في التراث المصري    موقع إخباري: الجيش البريطاني قام ب 200 مهمة تجسس فوق غزة    كتائب القسام تعلن تفجير عين نفق في قوة إسرائيلية شرق رفح    استشهاد 3 فى قصف إسرائيلى استهدف مسجد ابن تيمية فى رفح الفلسطينية.. فيديو    مصدر رفيع المستوى: مغادرة الوفود المشاركة بمحادثات القاهرة للتشاور    سلوفينيا تبدأ إجراءات الاعتراف بالدولة الفلسطينية    فصائل عراقية: قصفنا هدفا حيويا في إيلات بواسطة طائرتين مسيرتين    تأجيل محاكمة حسين الشحات بتهمة سب وضرب محمد الشيبي للنطق بالحكم    حيثيات حكم إلغاء حبس نسرين طافش في قضية شيك دون رصيد    مصرع فتاة صدمتها سيارة أثناء مرورها بطريق "المحلة -طنطا"    قرار عاجل في اتهام حسين الشحات بالتعدي على محمد الشيبي    لطيفة تشوق جمهورها لعمل جديد    إيرادات الأربعاء.. "السرب" يحافظ على المركز الأول و"شقو" الثاني    طرح الإعلان الرسمي للفيلم السعودي "بسمة" قبل عرضه على "نتفليكس"    7 أسباب للإكثار من الدعاء في ذو القعدة.. وردد 110 أدعية مستجابة لا ترد    مدبولي يتابع جهود إقامة مركز جوستاف روسي لعلاج الأورام بمصر    بعد قرار سحبه من أسواقها| بيان مهم للحكومة المغربية بشأن لقاح أسترازينيكا    اتجاه للموافقة على تتويج الهلال بالدوري في ملعب المملكة أرينا    تخصيص وسائل تواصل لتلقي استفسارات المصريين بالخارج بشأن تسوية التجنيد    انعقاد برنامج البناء الثقافي بمديرية أوقاف البحيرة    على معلول يحسم مصير بلعيد وعطية الله في الأهلي (خاص)    لمواليد برج القوس والأسد والحمل.. توقعات الأسبوع الثاني من مايو لأصحاب الأبراج النارية    رئيس هيئة المعارض يفتتح معرض الأثاث والديكور بمركز القاهرة للمؤتمرات    ظهور أشياء غريبة في السماء لأول مرة.. ماذا يحدث خلال كسوف الشمس المقبل؟    تنبيه مهم من «الإسكان الاجتماعي» بشأن تأخر دفع الأقساط للوحدات السكنية    بعد ظهورها مع إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز تعلق على تصدرها للتريند في 6 دول عربية    وزير الرياضة يلتقي سفير بيلاروسيا لبحث مجالات التعاون المشترك    "الخشت" يستعرض زيادة التعاون بين جامعتي القاهرة والشارقة في المجالات البحثية والتعليمية    حزب حماة وطن يكرم الآلاف من حفظة القرآن الكريم في كفر الشيخ    وزير الصحة: دور القطاع الخاص مهم للمساهمة في تقديم الخدمات الطبية    محافظ الغربية يوجه بتسريع وتيرة العمل في المشروعات الجارية ومراعاة معايير الجودة    بعد أسبوع حافل.. قصور الثقافة تختتم الملتقى 16 لشباب «أهل مصر» بدمياط    حكم هدي التمتع إذا خرج الحاج من مكة بعد انتهاء مناسك العمرة    وفد صحة الشيوخ يتفقد عددا من المستشفيات ووحدات الإسعاف وطب الأسرة بالأقصر    "العمل": تحرير عقود توظيف لذوي الهمم بأحد أكبر مستشفيات الإسكندرية - صور    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    وزيرة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    السيسي يستقبل رئيس وزراء الأردن    البيتي بيتي 2 .. طرد كريم محمود عبد العزيز وزوجته من الفيلا    برلماني: توجيهات الرئيس بشأن مشروعات التوسع الزراعى تحقق الأمن الغذائي للبلاد    اكتشفوه في الصرف الصحي.. FLiRT متحور جديد من كورونا يثير مخاوف العالم| هذه أعراضه    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    مصدر عسكري: يجب على إسرائيل أن تعيد النظر في خططها العسكرية برفح بعد تصريحات بايدن    البورصة تخسر 5 مليارات جنيه في مستهل أخر جلسات الأسبوع    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    دعاء الامتحانات مستجاب ومستحب.. «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري»    موعد مباراة الإسماعيلي والداخلية اليوم الخميس بالدوري    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا نقسم اليمين المهنى؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 06 - 2019

تناولت فى المقال السابق بعض الجوانب التى أرى أهمية النظر فيها والمرتبطة بالأداء المهنى الطبى ووعدت بمواصلة الكتابة فى جوانب مهنية أخرى، ولكن المناقشات التى دارت بينى وبين بعض من قرأوا المقال أفضت إلى أن أكتب اليوم عن المهنيين، والأسباب التى تدعونا إلى أن نقسم القسم المهنى، والأصول المهنية المشتركة التى يجبرنا القسم المهنى على الالتزام بها، ومدى الاختلاف بينها وبين الالتزامات الحرفية القديمة. وأحسب أن ذلك كله هو المقدمة الطبيعية لفهم عميق لطبيعة الخلل الذى يعترى الأداء المهنى فى المجتمعات النامية بعامة والمجتمع المصرى بخاصة.
عندما نستخدم مفهوم المهنيين أو أصحاب المهن المتخصصة فإننا نقصد جماعة من الرجال والنساء يمارسون مهناً حديثة كالطب والتدريس والمحاماة والقضاء والأمن والإدارة وأعمال الحسابات والبنوك...إلخ. وتعتبر هذه الجماعة العصب المحرك للحياة الحديثة، فلا سبيل إلى استقامة الحياة دون أن تكون هناك كتلة حرجة من أصحاب المهن، التى يعتمد عليها المجتمع الحديث. ويتصور دائماً أن هؤلاء يمارسون أعمالهم بنظم مختلفة عن النظم التى كانت شائعة فى المجتمع التقليدى. ففى ذلك الأخير تنبع القواعد المنظمة للعمل إما من نظام حرفى صارم يقوم على التنشئة الأبوية والحرفية فى آن واحد، وإما من تراكم الخبرة التاريخية بحيث تصبح مبادئ العمل وأصوله جزءاً من أسلوب الحياة، كما هو الحال عند الفلاحين فى المجتمع التقليدى القديم. أما فى النظام المهنى الحديث فإن المهنيين يخضعون لمتطلبات العمل فى المجتمع الحديث, والتى تقوم على ثلاثة أسس: الأول هو سلطة القانون الذى يطبق على الجميع فى ضوء معايير للعدالة, والثانى هو النظام البيروقراطى الذى لا يعتمد إلا على حكم القواعد واللوائح ويستبعد العلاقات والولاءات الشخصية, والثالث هو العقلانية بمعنى أن الأفعال التى تصدر عن السلوك المهنى لابد أن تكون أفعالاً عقلانية بعيدة عن العواطف والهوى أو القيم المتحيزة. وتتضمن كل هذه الأسس أن يكون السلوك المهنى معتمداً على قيم حديثة كالإنجاز، والعدالة، واحترام الوقت، وتقدير المسئولية الاجتماعية والأخلاقية.
وأحسب أن القسم الذى يؤديه كثير ممن يمارسون المهن الحديثة يتوافق مع هذه القيم، بل إنه يلزمهم بمنظومة أخلاقية واضحة بأن يحترم عمله ووطنه، ولا يستغلها لتحقيق مصالح شخصية، وأن يسخر نفسه لخدمة المواطنين...إلخ هذه المبادئ التى تحرص الأشكال المختلفة من القسم المهنى على تأكيدها. وتحمل عملية حلف اليمين معانى رمزية مهمة مفادها أن يتحول القسم فى عقل حامله إلى أداة تذكير دائمة بهذه القيم والمبادئ، وأن تجعله نموذجاً يحتذى فى الأداء المهنى، ويفترض بناء على ذلك أن يتحول ممارسو المهن الحديثة إلى نماذج تحتذى فى السلوك, فمن المتوقع أن يتحول الطبيب إلى إنسان رحيم يرعى مرضاه، ويبث الإنسانية والرحمة أينما حل، وحيثما مارس مهنته دون أن يتسرب من سلوكه أى شكل من أشكال التسيب أو الاستغلال أو الإهمال, كما يتوقع من القاضى أن يكون عادلاً لا على منصة الحكم فقط، بل أن يكون عادلاً مع نفسه، وأن يقدم نموذجاً يشع منه العدل على من حوله، فهو معلم للعدل قبل أن يكون مطبقاً لنصوص قانونية عادلة, كما يتوقع من الأستاذ الجامعى أو المدرس التربوى أن يكون أميناً صادقاً، قادراً على أن يطور مهاراته ومعارفه، وأن يعتبر أن تطوير المعارف العلمية والفكرية هى الأساس فى أخلاقيات مهنته.. وهكذا يفترض فى كل ممارس مهنة حديثة أن يتنافس فى تحقيق أخلاقياتها ومبادئها على أرض الواقع. ولمزيد من تأكيد ذلك لجأت كثير من الجمعيات والروابط والاتحادات والنقابات المهنية إلى تحويل هذه الأخلاقيات إلى نصوص مكتوبة تشكل مدونة سلوك تحدد الأكواد الأخلاقية للمهنة. وهذه الأكواد المهنية ليست مجرد قواعد أخلاقية ملزمة، ولكنها يجب أن تستدمج داخل البناء العقلى والنفسى لممارسى المهنة، بحيث تتحول إلى جزء من ضميره، وتصبح بمثابة وازع داخلى يدفعه إلى العمل فى مهنته بشكل يتفق مع هذه المعايير الأخلاقية.
ولكن لماذا نذكر أنفسنا بكل هذا؟ نعم نذكر ونحتاج إلى مزيد من التذكير، والهمس بتحديد النواقص والمثالب فى الأداء المهنى، بل الصراخ أحياناً من الانتهاك الواضح من قبل البعض لمسارات المهنة ومبادئها وقسمها. ولا أريد أن استطرد هنا فى وصف مظاهر الخروج عن القواعد المهنية، فنحن نعرفها جميعاً، وسوف نواصل الكتابة عنها. ولكن أريد أن اختم هذا المقال بالتذكير بأنواع من أخلاقيات الحرف فى المجتمع ما قبل الحديث، ولنا أن نقارن بينها وبين صور خرق القواعد المهنية فى المجتمع الحديث، وأن ننظر بناءً على ذلك فى نمط الحداثة الذى نصنعه. دعونا نتأمل هذا الرجل الحرفى الذى يتعلم داخل الطوائف الحرفية القديمة، ومدى انضباط سلوكه، ومدى إتقانه صناعته، ومدى حبه والتصاقه بمهنته، ومدى شفافيته فى التعامل مع زبائنه, كما نتأمل حالة الفلاح الأمى البسيط الذى يمارس مهنة الزراعة بأساليب وقواعد متوارثة تراكمت عبر التاريخ وأصبحت جزءاً من حياته، التى تزخر بالدأب والتعب، واحترام الوقت واستغلاله لأقصى درجة ممكنة, كما نتأمل أخلاقيات التجارة فى المجتمع التقليدى لما فيها من أمانة وصدق ووفاء بالوعد واحترام الكلمة والعقود الشفهية. وعندما نتأمل كل ذلك، يجب ألا نحلم باستعادة المجتمع القديم،فلا سبيل الى استرجاع القديم ابدا، وإنما يجب أن نسأل: لماذا لم تستمر هذه الأخلاقيات فى نمط الحداثة الذى صنعناه؟ ولماذا لم تندمج فى أخلاقيات المهن الحديثة وتوجهها نحو مزيد من الانضباط؟ ولماذا يحرص بعضنا على أن تحول المهن إلى أدوات ووسائل غير مهنية؟ وقبل كل هذه الأسئلة وبعدها، ما الطريق إلى بناء نظم مهنية حديثة بحق تبتعد عن كل ما هو ضرار فى الفكر والعمل؟.
لمزيد من مقالات د. أحمد زايد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.