ساعات قليلة كان «مروان» ينتظر مرورها بفارغ الصبر.. كانت تلك المدة بالنسبة له مرحلة مصيرية تفصله عن أسعد يوم فى حياته.. بل تنقله من حياة العزوبية والوحدة إلى حياة الاستقرار.. لا يشغله فى تلك الفترة القصيرة سوى التفكير فى كيفية اكتمال حفل زفافه بفتاة أحلامه على أكمل وجه والقفز بها إلى عالم المتزوجين.. كان هذا اليوم بالنسبة له ولأسرته بمثابة الذكرى الأجمل التى ستلازمه طوال حياته.. وتذكره بأجمل اللحظات السعيدة التى عاشها مع أهله وجيرانه.. وكيف لا وهو الابن الأكبر لأسرته؟. هكذا «دينا» فتاة أحلامه التى كانت لا تصدق عينيها بعد أن تحقق حلمها بالزواج من «مروان».. فهى كحال أى فتاة من فتيات جيلها كانت تحلم بالارتباط والزواج والعيش فى كنف أسرة جديدة تجمعها بفتى أحلامها تحت سقف عش زوجية جديد.. فقد كانت تنتظر يوم عرسها على أحر من الجمر.. كل ما كان يدور فى خيالها منذ ارتباطها من «مروان» لما يقرب من عامين هو أن تجلس على كرسى الزفاف، وتستقبل قريناتها وصديقاتها اللاتى يحضرن لتقديم التهانى وأن تعيش مع زوجها مستقبلا جديدا مملوءا بالطموحات والأماني. لكن يبدو أن كل مظاهر البهجة التى رسمتها لهما أحلامهما سرعان ما تحولت إلى كابوس، بل أطلال من الذكريات الأليمة يُحكى بها بعد أن تركت فى قلوب أسرتيهما جرحا ينزف إلى الأبد بعد أن كان يوم الزفاف هو آخر محطات حياة أحدهما، فقد شاء القدر أن ينهى حياة «مروان» ومعه اثنان من أبناء عمومته، ليتحول الحفل إلى سرادق عزاء يستقبل فيه الأهل واجب العزاء فى نجلهما بدلا من عودته بصحبة زوجته التى ذهب لاصطحابها من أحد محال الكوافير بالمدينة. الكثير من أهل القرية مازالوا حتى الآن لا يصدقون ما حدث ل«مروان» وابن عمه وصديقه.. المشهد كان مهيبًا وقاسيا جدا بل أدمى قلوب المحبين والمقربين لهذا الشاب الذى كان أكبر أشقائه.. فالظروف الصعبة التى مر بها هذا الشاب حتى يلحق بركب الزواج كانت كفيلة بأن تثير قريته بكل هذا السواد والحزن الذى خيم عليها منذ وصول خبر موته.. فقد كانت قصة الكفاح التى قضاها هذا الشاب الذى اقترب سنه من العقد الثالث من عمره كى يتمكن من الزواج تستحق أن تسطر روايات من الكفاح وحكايات النجاح.. خاصة وأنه كان يعمل فى الصرف الصحي.. تلك المهنة الصعبة والشاقة. ماذا حدث ل«مروان» وأصدقائه؟ .. جميع أهالى المنطقة كانوا داخل خيمة العرس التى أعدتها أسرة الشاب بالقرية لإقامة حفل الزفاف.. أضواء الاحتفالات وأصوات الألعاب النارية كانت تملأ سماء المنطقة بالكامل.. الكل كان ينتظر عودة العريس بركب الزفاف بعد أن توجه إلى مدينة طهطا بمحافظة سوهاج لإحضار العروس من محل الكوافير، لكن يبدو أن الاستهتار والسرعة الجنونية كتبت نهاية الزوج، حيث اختلت عجلة القيادة من بين يدى السائق «جهاد» أحد أصدقاء «مراون» الذى كان يقل داخل سيارته العروسين.. رغم تحذيرات العريس المتكررة من وجود ترعة بجوار الطريق إلا أن الكارثة حدثت. نعم سقطت السيارة فى المياه وتعالت أصوات الصراخ من حولها.. لقد سقطت السيارة وبها العروسان والسائق فى مياه الترعة.. وتحولت أصوات الأغانى الصاخبة إلى حالة من الفزع والصراخ واختفت معظم ملامح السيارة أسفل المياه .. وحضر على الفور الركب المصاحب لسيارة العريس الذى كان يحمل خلفه أبناء عمومته وأصدقاءه ومحبيه ليجدوا أمامهم هذا المشهد الصعب.. الناس كانوا يتجمعون على حافة مياه الترعة.. منظر المياه وهى تغرق كل أجزاء السيارة والبعض يحاول إنقاذ الضحايا كان مبكيًا.. صرخات وبكاء فى كل مكان.. «دينا» فقط هى التى تظهر على سطح المياه وعريسها وصديقه قائد السيارة لا حس ولا خبر.. هنا لم يكد «أحمد» ابن عم العريس وقتها يتحمل الانتظار أكثر من ذلك.. فقد قفز سريعًا فى مياه الترعة لإنقاذ الضحايا، لكن يبدو أن القدر كان قد كتب نهاية الثلاثة فى آن واحد.. فقد فشل «أحمد» طالب الحقوق البالغ من العمر 20 عامًا، فى إنقاذ العريس وصديقه بل دفع هو الآخر حياته ثمنًا للشهامة.. ومات الثلاثة وانتشلت قوات الإنقاذ النهرى الجثث الثلاث من مياه الترعة وتم نقلهم إلى المشرحة، بينما نقلت العروس إلى غرفة العناية المركزة بالمستشفي. وقد تم إخطار اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الامن العام بالحادث وتم إخطار النيابة التى تولت التحقيق. وكان بلاغً قد ورد إلى الرائد محمد عبد الصبور رئيس مباحث قسم طهطا بسقوط سيارة بها عروسان فى ترعة نجع حمادى فى أثناء عودتهما من محل كوافير بالمدينة، متجهين إلى منطقة كوم إدريس بقرية الطليحات التابعة لمركز جهينة بسوهاج، مما تسبب فى غرق 3 ضحايا من بينهم العريس وهم «مروان» العريس، وابن عمه «أحمد» -30 سنة- وصديقه «جهاد» -26 سنة- وقد تمكن طاقم الإنقاذ النهرى بمساعدة الأهالى وأقارب العريس من إنقاذ العروس.. وقد انتقل لمكان الحادث العميد عبد الحميد أبو موسى مدير المباحث الجنائية بسوهاج وحرر محضر بالواقعة وتم اخطار اللواء جمال عبد البارى مساعد وزير الدخلية لقطاع الأمن بالحادث.