قد نرى فى محمد صلاح لاعب كرة ذا مهارات فذة ورائعة يتفانى فى المباريات المصرية الدولية، ونراه أيضا ابنا بارا من أبناء مصر المخلصين ونراه زائرا مستديما لمصر بحيث يسترعى انتباه الأجانب للمعالم السياحية المصرية. كما نراه إنسانا متواضعا لم تغيِّره الشهرة ولا المال، إنما اكتسب منهما فرصة فريدة لمساعدة الآخرين من مواطنى بلدته الصغيرة نجريج فى الغربية إلى شباب مصر المندفع وراء المخدرات. إعلانات التليفزيون التى بدأها مع بداية التحاقه بفريق ليفربول وذاع صيته آنذاك ما هى إلا قدوة شديدة الفاعلية تأثيرها قوى على الشباب، وقد شهد الخط الساخن لإعادة التأهيل لمرضى الإدمان بمصر ارتفاعا بنسبة 440 فى المائة من المكالمات مع بداية إعلاناته.الأكثر من ذلك أنه يعتبر مثلا أعلى لشباب اليوم وكمسلم معتدل متسامح يصور صلاح للشباب المحبط أو المرتبك طريقا أكثر تصالحا من النفس، ويستمر صلاح فى العطاء. هذا هو محمد صلاح كما يراه أهل مصر والعالم العربى، ولكن من يكون محمد صلاح لمشجعى ليفربول وأهالى مرسيسايد، حيث يوجد نادى ليفربول؟ تألق محمد صلاح فى ليفربول وأحرز عشرات الأهداف البديعة وتفانى مع فريقه، لذا فالفريق وإدارته ومدربوه ومشجعوه وأهالى مرسيسايد بأكملهم يكنِّون له أحر الامتنان ويدركون قيمته، وأصبح بالفعل أسطورة سوف يخلِّدها التاريخ هناك. إن صلاح محبوب أيضا لشخصيته السمحة وابتسامته العريضة. نراه يمزح مع زملائه محتفلا بالفوز ومواسيا للخسارة، كما أنه يحترم منافسيه حتى من أضره. وللعلم إن ليفربول فاز بلقب دورى أبطال أوروبا فى 2019 مع صلاح وبه. كذلك صلاح فاز بكثير من الجوائز، وصُنِّف بأكبر هدافى 2018 وفاز بجائزة الحذاء الذهبى لسنتى 2018 و2019. وفاز أيضا بجائزة بى بى سى لأفضل لاعب إفريقى لعام 2018. الجوائز كثيرة والألقاب أكثر ومحمد صلاح مستمر فى طريقه لإثبات أن المصرى بإمكانه صدارة العالم وأنه يحق لليفربول أن يفتخر به. بالإضافة إلى إمكاناته الفائقة وأسلوبه المثالى، قد رأى هؤلاء فى صلاح رجلا مسلما مؤمنا يتلو القرآن رافعا يديه للسماء طالبا المساعدة والعزم ومتمنيا الفوز ورأوه صائما بالرغم من إجهاد المباريات وأيضا رأوه مؤمنا يسجد لله شاكرا بعد إحراز الأهداف، وقد جعل كل هذا من محمد صلاح ظاهرة فريدة من نوعها: إنه الملك المصري, المسلم، وهى خلطة جديدة بالنسبة لهم، لذا تغنى مشجعو ليفربول بصلاح العديد من المرات معترفين بأفضاله وكفاءته، إنما الجديد أنهم تغنوا أيضا بإسلامه قائلين: إنه هديه من الله, وغنوا: إذا كان هو المفضل لك فهو أيضا المفضل لي إذا أحرز المزيد من الأهداف سنعتنق الإسلام لو مكانك فى المسجد نود أن نكون هناك أيضا والآن خرجت لنا دراسة من مختبر سياسة الهجرة بجامعة ستانفورد، إحدى أفضل الجامعات فى العالم، على مقاطعة مرسيسايد تقول إن هناك انخفاضًا بنسبة 18.9 فى المائة فى جرائم الكراهية تجاه المسلمين فى هذه المنطقة، والذين أجروا الدراسة يؤكدون أن هذا الانخفاض بسبب وجود محمد صلاح فى ليفربول. ذكر مؤلفو الدراسة أن الانخفاض فى حد ذاته مفاجىء وشديد جدا، وأن جرائم الكراهية ضد المسلمين أكثر انخفاضا عن أى فئة أخرى من الجرائم. كما أن الدراسة وجدت أن معدل التغريدات العدائية ضد المسلمين تقلصت قائلين: إن التويتات المعادية للمسلمين من قبل مشجعى ليفربول انخفضت إلى النصف مقارنة مع غيرها من أندية الدورى الممتاز. الأهم أن محمد صلاح بأسلوبه المهذّب والممتع والسهل فى نفس الوقت قد غيّر مفاهيم الإسلام عند البعض، فهم رأوه إنسانا عظيم الشأن، ولكنه متواضع فى نفس الوقت، يتحدث بصراحة وعلنية عن عقيدته الإسلامية مع إكنانه الاحترام للجميع. وجد الباحثون أن صلاح كان مؤثرا بالفعل: أثبتت نتائج هذا الاستفتاء أن مواطنى مرسيسايد أصبحوا ملمين أكثر بالإسلام، فعن طريق صلاح تعرّف مشجعو ليفربول وأهالى المقاطعة على إنسان تمكن من الكشف لهم عما كان مبهما عن الإسلام وكان بمثابة فرصة نادرة لكسب معلومات صحيحة عنه، ثم غيّر مفهوم الإسلام وصورته السلبية عندهم. والأكثر أهمية أنهم رأوا فيه مثالا جميلا للإسلام كاشفا الطابع الإنسانى فى المجتمع الإسلامى. ظاهرة محمد صلاح تثبت أن بإمكان شخص واحد تغيير نظرة الكثيرين ليصبح عالمنا أكثر تقبلا للثقافات والأعراق والأديان الأخرى. إن الارهاب، أيًا كان عقيدة منفذه، يولِّد الكراهية، أما الأسلوب المسالم فيولِّد الطمأنينة والأمان ويحبِّب الناس بعضهم لبعض. يصعب أن نكون جميعا مثل محمد صلاح أو لدينا مقدراته لاستحواذ الإعجاب وبث صورة طيبة للإسلام، لكن بإمكاننا بأسلوب التعامل المسالم والمنضبط, خصوصا خارج بلادنا الإسلامية والعربية, أن نقنع العالم بأن المسلمين أناس خيِّرون وطيبون، وهم - مثلهم مثل بقية بشر العالم - بهم الخير وبهم الشرير، ولكن معظمهم أناس طبيعيون يكنِّون المحبة والود للآخرين. إن تصرفات المسلمين الحسنة هى التى قد تجعل العالم يتعرف على الإسلام، ويكنُّ له الاحترام. ليت كلنا محمد صلاح أو لدينا الكثيرون منه حتى تتضح الأمور الغامضة للعالم أجمع. لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى