أطلت قضية فلسطين بكل قوة خلال الدورة 72 للمهرجان السينمائى الدولى المنتهى منذ أيام. وتميز حضورها من خلال فيلمين اولهما: «ربما تكون الجنة» الذى شارك فى المسابقة الرسمية للمهرجان وهو إخراج الفلسطينى المثير للجدل اليا سليمان. ولم يحصل الفيلم على اى جائزة لكن فقط اشارة من لجنة التحكيم، بينما حصل الفيلم الآخر على جائزة رسمية. وهو الفيلم القصير امبيانس الذى حصل على الجائزة الثالثة فى مسابقة سينى فونداسيون لافلام طلبة السينما، باعتبار الفيلم اخرجه وسام جعفريس فى اطار دراسته بكلية دار الكلمة الجامعية للثقافة والفنون بفلسطين. ويتحدث الفيلم عن حكاية شابين يحاولان تسجيل الموسيقى داخل مخيم فلسطينى للاشتراك فى مسابقة، إن نجحا فيها، سيحصلان على فرصة صنع ألبوم موسيقى. لا تسير الأمور حسب المتوّقع بسبب الفوضى والمشكلات فى المخّيم. وينتهى الأمر بهما إلى تسجيل أصوات المخّيم بدلا من موسيقاهما وتحويل تلك الأصوات الحقيقية إلى موسيقى. وأهدى المخرج جائزته الى عائلته من أهالى مخيم الدهيشة وإلى الممثل محمد الخمور، بطل الفيلم المسجون فى مُعتقلات قوات الاحتلال الإسرائيلى. أما اليا سليمان فى فيلمه، فقدم أسوأ ما تحتاج فلسطين فى هذه المرحلة. يدعى اليا فى الملخص الرسمى للفيلم، إنه يقدم رحلة مخرج خرج من وطنه فلسطين ليجد أن وطنه يلاحقه اينما ذهب، وهو ما لم نجده فى الفيلم. وهى عادة اليا ان يروج قولا ما هو غير موجود بأفلامه المغرضة. هو نفسه يظهر كبطل الفيلم لا يتكلم طوال الاحداث بل يتأمل بدهشة ما يحدث حوله. فى الناصرة، يراقب جاره وهو لص فلسطينى يسرق حديقته بانتظام. ثم والده المخرف المتردد وهو يتبادل السباب معه. ثم فلسطينى سكير يراقبه شرطيان اسرائيليان بكل لطف. ثم متشددان فلسطينيان يشربان الخمر ويعترضان ان صاحب المطعم خلط طعام اختهما ببعض النبيذ. يرحل المخرج البطل لفرنسا. يجد المدينة خالية ورجال الشرطة لا يفعلون شيئا إلا التزيد فى الاهتمام بأشياء لا تستحق، مثل مراقبة سيدة فقيرة ومطاردة لص زهور و قياس التزام مقهى بمقاييس وضع كراسيه على الرصيف. ثم عرض عسكرى فرنسى ضخم فى الخلفية..يذهب لنيويورك. ويسأله سائق التاكسى من أين هو، ويفرح عندما يقول له إنه فلسطينى من الناصرة، ويضيف كما المسيح من الناصرة. وهناك ايضا يجد الشرطة تترك من يتجولون من الامريكان بأسلحة ثقيلة وتقبض على فتاة ترتدى بلوزة على شكل علم فلسطين. ويذهب إلى مؤتمر تضامن مع فلسطين فيجد الحضور من الفلسطينيين يصفقون بلا هوادة ويمنعون بجهل شديد اى متحدث ان يتكلم. فى شركة أمريكية للانتاج، يقابل ممثلا عالميا يحكى امامه انهم يريدونه ان يصنع فيلما عن الشعوب الاصلية المنقرضة بأمريكا اللاتينية.ثم يسكر مع رجل يقول له ان كل الناس تسكر لكى تنسى بينما اهل فلسطين يسكرون لكى يتذكروا. وهكذا من ترهات.والحق ان اليا سليمان يكمل فى هذا ما بدأه فى افلامه السابقة، بل يذهب به الى حده الاقصى. وهو السخرية من الفلسطينيين واهانتهم، مع تهميش كامل وغياب للاحتلال او القمع او التصفية العرقية الاسرائيلية. فى فيلم سابق له سجل اختفاء : صور والديه الحقيقيين نائمين على الارض امام النشيد الاسرائيلى. رغم ان والده فى الحقيقة كان فى المقاومة. واليا نفسه سجن فى شبابه من الاحتلال. لكن عندما تلطم فى منفاه بنيويورك وفشل فى تعلم السينما فى بداياته باعترافه فى حواراته، ايقن ان الطريق للعالمية كفلسطينى تكمن فى اهانة شعبه، وإلهاء النظر عن فظائع الاسرائيليين بكل صورة ممكنة. فى فيلمه «ربما تكون الجنة» يريد اليا ان يقول إن الاجراءات الامنية المبالغ فيها والموجودة فى فلسطين موجودة كذلك فى باريس ونيويورك. ما المشكل اذن. ويجرى على إسماع المشاهدين ربطا بين الشعوب الاصلية التى تم القضاء عليها فى امريكا الشمالية وبين الفلسطينيين. ولا ينسى ان يذكر الغرب انه مثلهم ، فهو مسيحى من الناصرة مثل المسيح نفسه. وفى حواراته يتهم منتقديه إما انهم يفتقدون روح الفكاهة أو لا يقدرون لغته السينمائية وهى لغة يقدرها الممولون فقط ولا يقدرها كبار السينمائيين المحايدون اللذين لا يمنحونه عادة اى جائزة. فى القضايا الكبرى فى العالم هناك مناضلون يدافعون وهناك من يبيعون القضية لأعدائها. فى فيلم بسيط انتاجيا مثل «ربما تكون الجنة» لا تتصور كم الاموال التى مولت. اكثر من 20 جهة دفعت مئات الالاف من اليوروهات من جهات بفرنسا والمانيا وتركيا وكندا. وكذلك قطر. فسليمان هو المستشار السينمائى لمعهد الدوحة للافلام. التى تنوب عادة عن امريكا فى التمويل. صفقة القرن على الابواب. ولابد من افلام تكون ابواقا عالمية تظهر امام العالم كم هم الفلسطينيون بشعين وانهم شعب قديم انقرض كمن قبله. وفيلم اليا ابلغ تجسيد لذلك. لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف دره