إذا تابعتها وهى تتسوق لاحتياجاتها الشخصية، قد لاتتصور أبدا أن تلك هى أقوى سياسية فى العالم. وخلافا لكثير من كبار السياسيين والزعماء، فإن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لاتمتلك طائرة خاصة ولايخت، ولاتزال وزوجها يعيشان فى الشقة نفسها التى يقيمان فيها منذ عقود طويلة، ولايوجد على اللافتة بجوار جرس الشقة سوى اسم زوجها. أما البيت الريفى الذى تملكه فى موطنها براندنبرج، فيبدو متواضعا لايثير فضول صحفيى الإثارة. وفى الواقع فإن احترامها الشديد لخصوصيتها وعدم وجود فضائح حولها لايثير أصلا شهية صحافة النميمة. قيد الطبع فى أمريكا هذه الأيام كتاب بعنوان، »وحدها: حياة أنجيلا ميركل وزمانها«. وترى المؤلفة، كاتى مارتون، أن فى نهج ميركل نموذجا لأى سيدة تخوض معترك السياسة، لاسيما المرشحات الست اللآتى يتهيأن حاليا لخوض انتخابات الرئاسة فى أمريكا 2020. بدأت ميركل، الحاصلة على الدكتوراه فى الكيمياء، مشوارها السياسى عقب انهيار جدار برلين عام1989، وكانت فى الخامسة والثلاثين من عمرها. ورغم أنها تتلمذت على يد هيلموت كول، مستشار ألمانيا الأسبق ورئيس حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحي، إلا أنها لم تتردد فى الابتعاد عن أستاذها، عندما تورط فى فضيحة تبرعات للحزب، وكتبت حينها مقالا قالت فيه إن حزبها أهم من معلمها. وتستعد ميركل جيدا قبل لقاء أى من زعماء العالم. إستراتيجيتها عند الاجتماع أن تجعل الطرف الآخر يتكلم حتى يأتى بكل مالديه، وعندما يأتى دورها فى الحديث تبهر الجميع بعمق إحاطتها بموضوع المناقشة. ومن ذلك مثلا أنها فى أحد لقاءاتها مع الرئيس ترامب استعانت بعدد من الخرائط والجداول لكى تشرح له كيف أن ورش السيارات الألمانية فى ولاية ساوث كارولاينا الأمريكية تقدم الكثير من فرص العمل للأمريكيين. من أسرار وصفة ميركل للنجاح أنها تعتبر نفسها موظفة تقوم بمهامها وليست صاحبة سلطة، لذا فهى تعمل ساعات طويلة مثل مساعديها، تحاول دوما أن تعالج المشكلات بطرق عملية دون أن تدع الغطرسة تفسد عملها. لكن ذلك لايعنى أن كل سياسات ميركل تحظى بالشعبية، فقد تعرضت لانتقادات وتراجع عدد مقاعد حزبها فى المجلس التشريعى بسبب قرارها استقبال اللاجئين واستيعابهم داخل المجتمع الألماني. لكن النتائج الآجلة لهذا القرار قد تكون فى مصلحتها. أنجيلا ميركل قد تختفى من المشهد السياسى خلال عام أو اثنين، لكنها ستظل مثلا أعلى للسياسيين نساء ورجالا.