بوصول حاملة طائرات أمريكية إلي الخليج، وتواتر أنباء غير مؤكدة عن خطة واشنطن لإرسال قوات، زادت التوقعات بقرب ضربة عسكرية أمريكية ضد إيران. وفي الواقع فإن هاجس الحرب ضد إيران يحوم في دوائر صنع القرار الأمريكية خلال الأربعة عقود الماضية، توفرت الرغبة دون أن تتوفر الفرصة. ولعل السبب أن إيران كانت ومازالت لا تشكل خطرا ماحقا علي مصالح أمريكا، رغم أن تغيير نظام الملالي في طهران ظل أملا يداعب واشنطن، إن لم يكن هدفا تسعي لتحقيقه. ووراء تصعيد حملة الحرب ضد إيران هذه المرة مستشار الأمن القومي جون بولتون الذي يعتنق بقوة فكرة ضرورة تغيير النظم في كل من إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا. تتمثل خطة اسقاط الأنظمة عادة في خنقها اقتصاديا عن طريق العقوبات بما يزيد من وطأة تكاليف المعيشة علي الشعوب وبالتالي تصاعد الاستياء العام، ثم تشجيع القلاقل ومظاهرات الاحتجاج لقلب نظام الحكم من الداخل. وفي خطوات تصعيدية أخري ،أعلنت واشنطن الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وهذه سابقة أن تضع أمريكا وحدة تابعة لجيش نظامي في دولة أخري علي قائمتها للمنظمات الارهابية وتضم جماعات كالقاعدة وحماس وحزب الله. ولم تعد واشنطن تسمح للدول الأخري باستيراد البترول الخام من إيران، وإلا تعرضت للعقوبات. وأخيرا فرضت أمريكا عقوبات علي المواد الخام الإيرانية، بما يدفع الشركاء التجاريين إلي عدم التعامل مع طهران، إذا رغبوا في استمرار تعاملاتهم التجارية مع واشنطن. وقد استهدفت الإدارة الأمريكية بذلك تضييق الخناق علي إيران كي تسعي مهرولة للتفاوض بشأن الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن العام الماضي. لكن طهران لم تتراجع، ربما لإدراكها أن واشنطن لن ترضي بأقل من سقوط «الجمهورية الإسلامية» والانصياع بلاقيد أو شرط للمطالب الأمريكية. من هنا فإن اللجوء للخيار العسكري بهدف الردع قد يمثل إحراجا لأمريكا كقوة عظمي إذ قد ينتهي بها الحال عاجزة عن إدارة صراع مع دولة في حجم إيران، بل ويعطي إيران قوة أكبر مما تستحق. والموقف في جانب كبير منه يكشف عن وجود صراع داخلي في إدارة ترامب بين مستشاره للأمن القومي ووزير خارجيته. ففيما يدفع بولتون باتجاه التصعيد العسكري، يبدو مايك بومبيو متحمسا لمواصلة الضغط علي إيران وزيادة عزلتها دوليا، حيث يري مخاطر غير محسوبة في شن حرب يمكن أن تمتد آثارها علي الشرق الأوسط. الشعب الأمريكي في هذه اللحظة لايبدو متحمسا لحرب أخري في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تتزايد فيه مخاوفه بشأن مايمكن أن تتطور إليه حربه التجارية مع الصين.