إنه ذلك الشعور المبهم بأن شيئا ما وراء الأمور، ربما بسبب لهفة الزوجة - الحاصلة على ليسانس الحقوق- لاستخراج شهادة وفاة لزوجها بأسرع ما يمكن، ربما للافتعال البادى للحزن على ملامحها، ربما لأن عينيها تهربان من مواجهة أى شخص وعند مفاجأتها بأى سؤال عن ظرف وفاة زوجها. كادت الجريمة تتم دون أن يكتشفها أحد، فوفاة أحد نتيجة تناوله منشطا جنسيا، أصبح من الأسباب الشائعة لوقائع الوفاة المفاجئة فى خلال الفترة الماضية، لكن عندما وصلت الزوجة «نسرين» التى تبلغ من العمر 39 سنة، إلى أحد المستشفيات بحى الظاهر بصحبة زوجها الذى أصيب بحالة إعياء شديد وأعراض أزمة قلبية وما لبث أن لفظ أنفاسه، لم يقتنع الطبيب المختص بأن الوفاة طبيعية بالرغم من خلو جسم الزوج البالغ من العمر 46 عاما، من أى إصابات ظاهرة أو ملمح واضح يدل على أن الوفاة بها شبهة جنائية!. غير أن الشعور الغامض لم يكن كذلك لدى الطبيب فقط فقد سبقته إليه ابنة الرجل نفسه، فكانت على يقين بأن زوجة أبيها تسعى للتخلص منه، فقد كانت تصرفاتها فى الفترة الأخيرة، تبدو مريبة خاصة مع شاب يصغرها بعشر سنوات يعمل سمسارا. التقرير الطبى المبدئى وإن كان لم يجزم بأن الوفاة جنائية، إلا أنه لم ينفها، خاصة أن التاريخ المرضى للمتوفى لا يبرر ما وقع له، لكن التقرير الصادر من الطب الشرعى سيكون جازما إذ يثبت تناوله لكميات كبيرة من المنشطات، فعل لا يمكن التصور أن يقدم عليه أى شخص عمدا، فخلال فترة لا تزيد على ثلاثة أيام كانت آثار المنشطات فى الدم والأمعاء لا تتناسب مع التعاطى المعتاد لها!. ذلك الغموض بدأ يتبدد شيئا فشيئا مع ما باحت به «ك» ابنة الزوج الطالبة، إلى فريق البحث الذى أمر به اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام، بأن ظنونها تتجه إلى زوجة الأب التى ظهر عليها الانزعاج الشديد بعد مجيئه فى إجازة من عمله بإحدى الدول العربية لقضاء شهر رمضان معها ومع أسرته ومن هنا كان الخيط الذى تلمست به مباحث الظاهر الطريق إلى الحقيقة التى سرعان ما أسفرت عن ملامح بشعة لجريمة مكتملة، فقد كان ذلك الشاب قد ارتبط بعلاقة آثمة مع الزوجة وقرر التخلص من زوجها بأى وسيلة دون أن ينكشف أمرهما وتفتق ذهنهما على قتله ببطء بواسطة حبوب منشطة شهيرة يبتاعها الناس من الصيدليات ولا يشكل تعاطيها ولا حيازتها أى جريمة. كان الشاب قد سمع أن الإفراط فى تناول هذه الحبوب الزرقاء قد يؤدى إلى ارتفاع مفاجئ فى ضغط الدم وأنه لو تم ابتلاع أكثر من ثلاث حبات فى اليوم منها سوف يصيب متعاطيها بأزمة قلبية، لكن كيف السبيل إلى ذلك؟! كان ذلك يسيرا على الزوجة، فقد بدأت تقسم كمية الحبوب التى أحضرها العشيق على وجبتى الإفطار والسحور، فكانت تذيب كل يوم 4 حبات فى الحساء والعصائر التى تعدها بيديها وتقدمها للزوج الغافل عما يحاك له وعندما كان يشكو من أعراض النهجان وسرعة دقات القلب، كانت تهدئ من روعه وأنه يبالغ فى الوهم وأن ما يحدث له بسبب تناول طعام الإفطار بعد إرهاق الصوم! وفى اليوم الثالث ازدادت الأعراض حتى اضطرت إلى أن تنقله إلى المستشفى وكانت مطمئنة إلى أن أحدا لن يكشف الأمر لاعتقادها أن عدم وجود مواد سامة فى حال لو تم الشك فى الأمر، سوف يبرئها وهو ما لم يحدث لأنها لم تتقن تمثيل دور الزوجة المنزعجة لوفاة زوجها المفاجئة وكانت أولى خطوات الشك، هى طلبها مباشرة وبلهفة، سرعة إنجاز التقرير الطبى عن الحالة بأنها نتيجة أزمة قلبية وهو الذى شكل أول ملامح الريبة. لم يبد مبررها مقنعا وهى تدعى التعاسة مع الزوج بسبب فارق السن الذى ادعته، فهو لا يزيد على سبع سنوات فى الوقت نفسه كانت هى تخطط للزواج من عشيقها الذى يصغرها بعشر سنوات!. وهكذا تشابكت الخيوط مثل شبكة العنكبوت ما بين شكوك الأطباء وارتياب ابنة القتيل وجهود الامن العام و مباحث القاهرة، لتحيط بالزوجة التى أرادت أن تمارس دور أنثى العنكبوت التى تقتل ذكرها كإجراء غريزى فى عالم العناكب الرهيب، بعد نسيج آخر خيط من خيوط بيوتها، لكنها لم تستطع استكمال تماسكها الظاهر عليها وأدلت أمام اللواء محمود أبو عمرة مديرالإدارة العامة للمباحث الجنائية بقطاع الأمن العام واللواء محمود السبيلى مساعد مديرالإدارة العامة للمباحث الجنائية بقطاع الأمن العام، بكل التفاصيل وأرشدت عن السمسار الشاب الذى أحضر لها أقراص المنشطات وقرصا منوما لتخلطه بالمزيج القاتل.